الحج الى بيت الله الحرام ممنوع !!
الحج فريضة إلهية عند عموم المسلمين ، فرضها الله على كل مسلم بالغ ، وقادر على تحمل تكاليفها ، بنص قرآني واضح وصريح حيث يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله: “ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا” ، والحج هو زيارة البيت الحرام في مكة المكرمة وأداء مناسك فريضة الحج التي تنقسم إلى أركان ، وواجبات ، وسنن ، ومن الأركان الإحرام ، والسعي بين الصفا والمروة ، والوقوف بعرفة ، وطواف الإفاضة ، ومن الواجبات الوقوف بمزدلفة ، والمبيت بمنى ، ورمي الجمرات ، وطواف الوداع ، ومن السنن طواف القدوم ، والتوجه الى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة.
وتاريخيا كانت قوافل الحجاج تأتي لزيارة بيت الله الحرام بمكة المكرمة وأداء مناسك فريضة الحج كما قررها المولى عز وجل بدون عوائق وبترحاب شديد من أهل مكة ورعاية أهلها ، وظل الوضع كذلك لقرون عديدة ، فكل مسلم بالغ وقادر على تحمل تكاليف رحلة الحج يمكنه القيام بها ، وتبعا لذلك لم تكن هناك عقبات بشرية أمام الفريضة الإلهية ، وكانت في الماضي الرحلة شاقة ومهلكة لعدم توافر وسائل النقل والمواصلات وأماكن الإقامة المريحة بمكة المكرمة ، ومع التطور المذهل في هذه الوسائل أصبحت الرحلة سهلة ويسيرة ، ومع ظهور البترول بدأت الدولة السعودية في التطوير العمراني لمكة المكرمة وأولت مناطق الحج اهتماما خاصا مما جعل رحلة الحج أقرب إلى الرحلات السياحية وهذا يحسب لها.
وخلال العقود الأخيرة تعاملت الدولة السعودية مع الحج بشكل استثمارى فأصبحت فريضة الحج تدر دخلا كبيرا على ميزانية الدولة ، وأصبحنا نسمع عن السياحة الدينية واعتبار الحج نوعا من السياحة الدينية التي تشكل دخلا رئيسيا من موارد الدولة ، وفي هذا الإطار قامت الدولة السعودية بإقامة مديرية للحج (المديرية العامة لشؤون الحج) تحولت مع مرور الوقت إلى إدارة للحج (الإدارة العامة للحج) ثم وزارة للحج (وزارة الحج والأوقاف) وتندرج تحت مهام هذه الوزارة الكثير من العمليات المعقدة والمتشعبة ، والتي تبدأ منذ لحظة تفكير الحاج في أداء النسك ، وحتى عودته إلى وطنه ، ويجتمع وزيرها سنويا مع نحو سبعين مسؤولا من دول العالم المختلفة لمناقشة ترتيبات الحج.
وخلال تحول فريضة الحج إلى رحلة استثمارية على يد الدولة السعودية ووزارتها أصبحت تكاليف الرحلة تشكل عبئا كبيرا على المسلم لكن كان هناك مبررا جاهزا وهو أن هذه الفريضة الإلهية التي يطوق إليها كل مسلم لمن استطاع إليها سبيلا ، وكانت الدولة السعودية تبرر هذا الارتفاع في التكاليف إلى نوعية الخدمة الفندقية والسياحية المقدمة أثناء أداء الحاج للنسك ، وكنا نقول الفائدة مزدوجة تعود على خزانة الدولة السعودية من ناحية وعلى الحاج المسلم من ناحية أخرى حيث اصبحت فريضة الحج سهلة ويسيرة وتتوافر فيها كل سبل الراحة والأمن والأمان.
لكننا خلال السنوات القليلة الماضية بدأنا نسمع عن منع الدولة السعودية وعبر وزارة الحج والأوقاف بعض المسلمين الراغبين في الحج بدعاوى مختلفة ، لكن يظل الموقف السياسي للدولة السعودية من دول هؤلاء المسلمين هي السبب الرئيسي في منعهم ، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل يحق للدولة السعودية تعطيل فريضة إلهية؟! فهناك آلاف المسلمين من الدول التي تختلف سياسة دولهم مع الدولة السعودية يمنعون من الحج دون ذنب ، فالمسلم السوري والفلسطيني في الداخل المحتل والشتات والإيراني واليمني والعراقي والقطري حرم من الحج ، وبالطبع تسيس فريضة الحج من قبل الدولة السعودية يضعها أمام موقف حرج على المستويين الإنساني والإلهي.
فعلى المستوى الإنساني بدأنا نسمع الكثير من الأطروحات حول مدى أحقية الدولة السعودية في فرض سيطرتها وهيمنها على مناطق الحج ، ومنع المسلمين من ممارسة فريضة دينية ، وهو ما يتعارض مع المواثيق الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة حول حرية الدين والعقيدة ، لذلك تعالت الأصوات التي تنادي بتدويل مناطق الحج وجعلها تحت سيطرة هيئة ممثلة لكل الدول التي يتواجد بين سكانها مسلمين ، بحيث تتولى هذه الهيئة الإشراف على مناسك الحج وتكون للعائدات المالية من فريضة الحج صندوق خاص يصرف منه على تطوير البنية الأساسية لمناطق الحج وما يتبقى يصرف على فقراء المسلمين ، وقد تقدمت بعض الدول التي منع مواطنيها المسلمين من الحج بشكاوى للمقرر الخاص بحرية الدين والعقيدة بالأمم المتحدة.
أما على المستوى الإلهي فإن الدولة السعودية ووفقا لذلك المنع تكون قد عطلت ركن من أركان الإسلام ، وهو فريضة الحج التي قال عنها المولى عز وجل “على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا” وهناك الكثير من المسلمين في هذه الدول الممنوع مواطنيها من الحج يرغبون في الحج وقادرون عليه لكنهم ممنوعون قسريا من أداء الفريضة ، وبذلك تضع الدولة السعودية نفسها بهذا المنع السياسي أمام معضلة مزدوجة إحداهما انسانية والثانية إلهية ، لذلك يجب التحرك السريع لحل هذه المعضلة على مستوى الدول الإسلامية حتى لا تتفاقم في السنوات القادمة ، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
د. محمد سيد أحمد- مصر
إضافة تعليق جديد