الحل السوري: امتحان روسي ـ أميركي اليوم
سيناريو تفاهمات روسية ـ أميركية في اجتماع مجلس الأمن الدولي اليوم في نيويورك قد تشكل اختراقاً في مسار الأزمة السورية، وتأتي مجدداً بالمعارضة والحكومة السورية إلى قصر الأمم المتحدة في جنيف.
ويلوح خلف المشاورات، التي أجراها الثلاثي الروسي ـ الأميركي، من وزيري الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف فالرئيس فلاديمير بوتين، ما يشبه الصفقة التي قد تكون انعقدت في موسكو، تكون أول أثمانها اليوم رفع بيان فيينا من مجرد محطة أو تفاهمات بين 17 دولة إلى خريطة طريق لمسار سياسي في سوريا.
ومن المنتظر أن يقر مجلس الأمن برئاسة كيري، وإجماع الأعضاء الـ15، جدولاً زمنياً لتنفيذ بيان فيينا، في شقيه الأمني والسياسي. فسياسياً من المفترض بحسب البيان، الذي صاغه الروس إلى حد كبير، أن يذهب المعارضون إلى حكومة موسعة مع ممثلين للدولة السورية، وأن يلي ذلك وقف لإطلاق النار خلال ستة أشهر. كما نص البيان على أن يذهب السوريون إلى انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون 18 شهراً.
والراجح أن يذهب القرار إلى تحديد آليات أوضح لاختيار أعضاء الوفد المعارض، وتكليف الأمم المتحدة، ومبعوثها ستيفان دي ميستورا بلعب دور أكبر في هذا المجال.
ويتوقع ديبلوماسيون غربيون أن يبادر دي ميستورا، فور صدور القرار الدولي الجديد، إلى دعوة الحكومة السورية وممثلي المعارضة إلى اجتماع مطلع العام 2016 في جنيف لاستئناف المفاوضات، على ضوء خريطة الطريق التي سيقرها مجلس الأمن.
وكان الديبلوماسي المصري رمزي عزالدين قد زار دمشق، الأسبوع الماضي، لحث السوريين على تشكيل وفدهم، قبل أن تتضح صورة التفاهم الروسي - الأميركي؛ وأمنياً من المفترض أن يتم التصديق على قائمة المنظمات المصنفة إرهابية في سوريا، لتحديد المناطق التي ينبغي أن يعمل فيها التحالف ضد الإرهاب، وخريطة القوى التي يمكن ضمها إلى العملية السياسية والمناطق التي يمكن اختبار وقف لإطلاق النار فيها.
وكان مصدر في وزارة الخارجية الروسية قد أعلن أن «الأردن سلم الجانب الروسي قائمة بنحو 160 تنظيماً مشتبها به بالتورط في الأنشطة الإرهابية في سوريا»، متوقعاً أن تطرح القائمة الأردنية للنقاش خلال الاجتماع الوزاري للمجموعة الدولية لدعم سوريا في نيويورك اليوم. وأضاف أن «الأردن قد وضع على رأس القائمة تنظيم داعش والجماعات التي تتبعه في أنحاء سوريا كافة، كما ضمت القائمة جبهة النصرة وكتائبها كافة، وجيش المهاجرين، والأنصار، وفجر الإسلام، وجند الأقصى، وحركة نور الدين زنكي، ولواء التوحيد، وكتائب أحرار الشام».
وإذا صح وضع «أحرار الشام» على لائحة الإرهاب فإنه سيشكل صفعة لتركيا بشكل خاص، ولقطر التي تعد «أحرار الشام» ذراعها الرئيسية في سوريا، والتي يحاول الروس عزلها، ومحاصرة القوى التي تمولها وتسلحها لتسهيل ضربها، خصوصاً مع صدور قرار بالإجماع، بحضور وزراء مالية الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن، للمرة الأولى، في نيويورك حول تجفيف مصادر تمويل الإرهاب.
والقرار هو الثالث في هذا السياق لتجفيف منابع الإرهاب وتمويله، بعد القرارين 2170 و2173 اللذين لم تحترم تركيا ولا قطر ولا السعودية أيا منهما.
ويبدو التفاهم الروسي - الأميركي أقوى مما كان منتظراً، إلى الحد الذي يدفع الطرفين إلى التفاهم في زمن قياسي، يوم الثلاثاء الماضي، ليس على مجرد بيان وإنما على قرار جوهري حول سوريا للمرة الأولى منذ أربعة أعوام، بعد معارك كبيرة استُخدِم فيها أربع مرات حق النقض (الفيتو) ضد مشاريع القرارات الغربية. ويبدو القرار مهماً، لا سيما أنه يأتي بعد أسبوع من التهديدات الروسية بمقاطعة اجتماع نيويورك، وأن صيغة القرار أميركية بنسبة غالبة، وأن الأميركيين هم الذين اقترحوا طريق الحل، والروس وافقوا عليه من دون تردد، كما كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكان بوتين قد قدم أول المؤشرات على تبلور تفاهم أميركي - روسي بقوله أمس إنه «يؤيد بشكل عام مبادرة الولايات المتحدة، بما في ذلك الاقتراح حول إعداد مشروع دولي حول سوريا. وجاء كيري إلى موسكو (الثلاثاء الماضي) بهذا المشروع بالذات».
وجلي بالنسبة للروس أن انفلات «داعش» عن سيطرة الأتراك، وتمدده وانفجار أزمة اللاجئين السوريين بوجه أوروبا، وهجوم «داعش» الدامي في قلب باريس، ومقتلة سان برناردينو في كاليفورنيا، كلها أسباب تقف في خلفية الاستعجال الأميركي للتفاهم مع الروس على ضبط البؤرة السورية، واحتواء تفاعلاتها في قلب أوروبا والولايات المتحدة، فضلا عن الفرصة التي تلوح للتقدم في سوريا، بعد الهزيمة التي منيت بها الرياض و «عاصفة الحزم» في اليمن.
كما أن المبادرة تدل على قلق واشنطن والدول الأوروبية من التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، لا سيما في اليمن وسوريا والعراق، بنظر الرئيس الروسي الذي تساءل: «هل لدينا خطة (لتسوية النزاع)؟ نعم. وفي معظم جوانبها تتوافق مع الخطة التي عرضها الأميركيون».
وقد تكون التفاهمات التي لم يكشف عنها تجاوزت الملف السوري إلى ملفات أخرى، كالملف الأوكراني وانفراجات فيه، تساعد على اختبار الحل، فضلا عن الانفراج في المسار السعودي - الروسي، وانفتاح موسكو على التعاون مع الرياض ومنحها دورا في العملية السياسية من خلال دمج جزء من الشخصيات التي اختارتها في مؤتمر الرياض في الهيئة العليا للمفاوضات، مع ضم أسماء قريبة منها إلى الوفد، فضلا عن عدم إغلاق الباب أمام احتمالات «إطلاق عمليات مشتركة مستقبلا» كما قال بوتين مع التحالف الإسلامي الذي اعلنته الرياض.
كما أن التفاهم الروسي - الأميركي بني على تأجيل البحث بمستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن بعض نقاط القرار المنتظر تعكس تنازلات روسية في بعض جوانبه، كما كشف بوتين بقوله: «أعتقد أنه بعد أن تتعرف القيادة السورية على نقاط القرار يجب أن تقبل به. ربما هناك بعض النقاط التي لن تعجبها»، لكنه كرر أن «روسيا لن تقبل أبداً أن يفرض أحد من الخارج من سيحكم سوريا، أو أي بلد آخر»، مشددا على أن الموقف الروسي من هذا الموضوع لن يتغير.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد