الخلاف الأوروبي – الأمريكي حول حرب أفغانستان: المقدمات والنتائج

14-09-2009

الخلاف الأوروبي – الأمريكي حول حرب أفغانستان: المقدمات والنتائج

الجمل: أكدت التقارير قيام الثلاثي رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون – الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي - المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بإطلاق اقتراح رسمي يقضي أن تتبنى الأمم المتحدة عقد قمة حول أفغانستان قبل انتهاء عام 2009.
* ماذا تقول معطيات الاقتراح؟
أرسل الزعماء الثلاثة براون – ميركل – ساركوزي خطاباً مشتركاً إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يقترحون فيه أن تدعو الأمم المتحدة لعقد قمة حول أفغانستان، وأكدت المعلومات أن الخطاب تضمن النقاط الآتية:
• أن يتم عقد مؤتمر القمة خلال فترة الـ75 يوماً المتبقية من هذا العام.
• أن يتضمن المؤتمر مرحلتين بحيث يتم عقد الأولى في العاصمة البريطانية لندن والثانية في العاصمة الأفغانية كابول.
• أن يركز المؤتمر على موضوع التورط الغربي في أفغانستان.
• أن يسعى المؤتمر باتجاه تحديد النقاط المطلوب إنجازها في أفغانستان خلال الفترة القادمة.
• أن يسعى المؤتمر لتحديد جدول زمني.
• أن يتم دمج النقاط المطلوب إنجازها مع الجدول الزمني ضمن سياق عمل مشترك يحدد الخطوط العامة للمرحلة الانتقالية القادمة.
• أن يتم التأكيد على أن الفراغ من سياق العمل ضمن المرحلة الانتقالية المحددة سيكون بعده الانسحاب ومغادرة أفغانستان.
حتى الآن لم تتضح بعد ردة الفعل في الأمم المتحدة ولكن على الأغلب أن تحدث بعض المشاورات الجانبية وعلى وجه الخصوص مع واشنطن التي وإن كانت غير حاضرة ضمن توقيعات لندن – برلين – باريس فإنها ستكون حاضرة بقوة في رد الأمم المتحدة على الخطاب.
* الأبعاد غبر المعلنة في موقف لندن – برلين – باريس:
جاء الاقتراح الذي حملته رسالة هذا المثلث بعد مشاورات وتفاهمات دبلوماسية – مخابراتية أوروبية وما هو لافت للنظر يتمثل في الآتي:
• عدم مشاركة واشنطن تشير إما إلى رغبة الثلاثي الأوروبي تغييبها أو الرغبة في جعل الموقف الأوروبي إزاء أفغانستان يأخذ طابعاً مستقلاً أو ربما احتمالات أن تكون واشنطن قد اختارت أن لا توقع طوعاً على هذا الخطاب وتركت الأمر مفتوحاً.
• إرسال الاقتراح بدون مشاركة واشنطن يعكس قدراً من الانغلاق وعدم التفاهم إن لم يكن عدم الانسجام في نافذة علاقات عبر الأطلنطي.
• ظلت برلين وباريس أكثر ميلاًَ لتفضيل خيار الاستقلالية الأوروبية وبالتالي فإن دخول لندن على خط هذه الاستقلالية يشير إما إلى رغبة لندن في الاندماج ضمن بيئتها الأوروبية بعد مخاطر الأزمة المالية التي ما زالت تعصف بالاقتصاد البريطاني من جراء انتقال عدوى الأزمة المالية الأمريكية وما ترتب عليه من خسائر بريطانية أو رغبة لندن في الوقوف مؤقتاً إلى جانب خط برلين – باريس ريثما يتسنى إكمال دور حصان طروادة الأمريكي الذي ظلت بريطانيا تقوم به داخل البيئة الإقليمية الأوروبية.
برغم تعدد الأبعاد غير المعلنة فإن تداعيات ملف الأزمة الأفغانية ستظل تدق بقوة في المسرح السياسي الأوروبي ونافذة علاقات عبر الأطلنطي.
* ما هي محفزات موقف الثلاثي الأوروبي:
تشير معطيات الوقائع والأحداث الجارية إلى أن الحرب الأفغانية أصبحت تشكل تأثيراً متعدد الجوانب ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• على الجانب الأوروبي: حدثت في أوساط الرأي العام الأوروبي المزيد من التطورات والتحولات، وعلى غرار تحول الرأي العام الأمريكي من تأييد حرب العراق إلى رفضها، فقد تحول الرأي العام الأوروبي من تأييد حرب أفغانستان إلى رفضها، وبدأت أحزاب المعارضة الأوروبية تستخدم شعارات رفض الحرب الأفغانية ضمن حملات التسويق الانتخابي وعلى وجه الخصوص في ألمانيا بما أدى لإضعاف شعبية المستشارة ميركل وتعرضها لضغوط وانتقادات كبيرة.
• على الجانب الأفغاني: تشير الإحصاءات الميدانية إلى أن المسرح الأفغاني ظل خلال الفترة من نهاية 2001 حتى نهاية 2006 منقسماً تحت سيطرة ما يعرف بحركة طالبان التي تسيطر على الجنوب والوسط الشرقي، وحركة تحالف الشمال التي تسيطر على الشمال والوسط الغربي، لكن بحلول عامي 2006 و2007 بدأت موازين القوى تتغير في المسرح الباكستاني وتؤكد آخر الإحصاءات بأن حركة طالبان كانت في العام 2007 تسيطر على حوالي 54% من المسرح الأفغاني وفي نهاية 2008 باتت تسيطر على 72% منه.
لم يهتم الرأي العام الأوروبي كثيراً بأمر الحرب في أفغانستان ولكن بسبب ضغوط واشنطن المتزايدة على حلفائها الأوروبيين بزيادة عدد القوات والعتاد بدأت تظهر المعارضة للحرب الأفغانية بشكل متزايد وتبلورت المئات من المنظمات غير الحكومية الأوروبية التي ضمت عشرات آلاف الناشطين المطالبين بالانسحاب الأوروبي النهائي من أفغانستان.
عموماً، تقول المفارقة أن أوباما نجح في توظيف معارضة حرب العراق في حملته الانتخابية بما أدى لإخراج الجمهوريين من البيت الأبيض وبعد وصوله سعى للتسويق من أجل انسحاب القوات الأمريكية من العراق وزيادة عددها في أفغانستان، ويجري السيناريو ذاته حالياً في حملات الانتخابات الأوروبية، وتشير التوقعات إلى أن نجاح المعارضة الألمانية في توظيف ملف معارضة حرب أفغانستان لإسقاط المستشارة ميركل سوف لن يترتب عليه خروج ألمانيا وحسب من مسرح الحرب الأفغانية وإنما سيترتب عليه تزايد خطوات ألمانيا باتجاه بناء وتعزيز الروابط مع روسيا ولما كانت ألمانيا تمثل القوة الاقتصادية الأوروبية الرئيسية فإن تحولها إلى جانب روسيا سيترتب عليه من جهة بناء ارتباط اقتصادي أوروبي – روسي ومن جهة أخرى فك الارتباط الاقتصادي مع أمريكا، أما بالنسبة لفرنسا التي تمثل القوة العسكرية الأوروبية الرئيسية فإنها ستجد نفسها مضطرة إلى خوض الحرب الباردة مع واشنطن وعلى وجه الخصوص في الاعتبارات المتعلقة بزعامة حلف الناتو ودوره وقد تضطر فرنسا إلى السير مع خيارات ألمانيا لأن الردع الاقتصادي الألماني سيكون أكثر فعالية من الردع العسكري الفرنسي إزاء التأثير في توجهات الأوروبيين وعندها لن يكون أمام واشنطن من خيار سوى إغراء باريس بالمزيد من تدفقات الاستثمارات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة بما ينعش الاقتصاد الفرنسي ويجعل باريس في غنى عن الاستثمارات الألمانية والمشكلة ستتمثل في كيفية قيام واشنطن بتمويل الاستثمارات الفرنسية في ظل الأزمة المالية الأمريكية الحالية وفعاليات ضغوطها الزاحفة.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...