الدراما الخليجية بنكهة سورية
بقيت الميلودراما والمسلسل الاجتماعي المنزلي والكوميديا مسيطرة على الأعمال التلفزيونية الخليجية. مسلسلات هذا الجزء من العالم العربي، لم تستطع ــ رغم فورتها الكمية أخيراً وإمكاناتها الإنتاجية ــ تقديم صورة أمينة عن مجتمعاتها أو الارتقاء بالمستوى الفني لتستقطب مشاهدين من خارج دائرتها الجغرافية المحدودة، إلا في ما ندر. لكن يبدو أن هناك توجهاً لتعامل مختلف مع قضايا الماضي والحاضر في هذه المنطقة العربية الغنية، وبالاستعانة بخبرات من خارجها في الغالب، تكون في معظمها سورية.
هكذا يطل مثلاً مسلسل «صراع على الرمال» للمخرج حاتم علي ونخبة من النجوم السوريين، وقد انتهى تصويره أخيراً، ليقدم حكاية تجري أحداثها في نجد في القرن الثامن عشر، مع حرص على التوثيق، وسعي إلى تثبيت نوع جديد هو البدوي التاريخي. أما «الأمير الثائر» الذي سيخرجه رامي حنا، فيصوّر فصلاً من الصراع البحري في الخليج في الفترة التاريخية نفسها (راجع «الأخبار»، عدد 28 آذار/ مارس 2008). ويجيء المسلسل السعودي «محسن الهزاني. أمير الحب والشعر» (يومياً 21:00 على «روتانا خليجية») للمخرج الكويتي خلف العنزي، الذي صوّر في سوريا، نموذجاً جديداً مصنوعاً بخبرات خليجية للمسلسل البدوي التاريخي. وهو يظهر بمشاهده وبصورته وبأداء ممثليه، أرقى مما اعتادت الدراما الخليجية تقديمه. ويسرد العمل سيرة متخيلة لشخصية تاريخية لشاعر وعاشق عربي عاش في القرن التاسع عشر.
في السياق عينه، وعبر معالجة موضوعات واقعية راهنة، يمثّل «بنت النور» للمخرج السوري سامر برقاوي، حالة فريدة في عرضه للحياة اليومية في دبي، بخليطها البشري المتنوع. وهو باتكائه على عدد لا بأس به من الشخصيات الإماراتية (يجسدها ممثلون خليجيون)، تبرز هويته في كونه مسلسلاً خليجياً. لكنّ العمل الذي بدأ عرضه أخيراً على شاشة «دبي»، يقدّمُ سابقة تصور حياة المقيمين في هذه المدينة الكوزموبوليتية. وهو من إنتاج مؤسسة «دبي» للإعلام وتنفيذ «المركز العربي» في الأردن، تأليف الكاتبة السورية المقيمة في الإمارات الدكتورة سوسن القابسي في عملها التلفزيوني الأول. ويشارك فيه 120 ممثلاً، من 9 بلدان هي: الإمارات (حبيب غلوم، وفاطمة الحوسني، وعبد الله بن حيدر)، والبحرين (هيفاء حسين)، وسوريا (مرح جبر، وليلى جبر، وعبد الهادي الصباغ، ومنى واصف، ومحمد خير الجراح، وسوسن ميخائيل، ونسرين فندي)، والأردن (حسن الشاعر، غسان الشمايلة، نادرة عمران)، ولبنان (طلال الجردي وبولين حداد)، وفلسطين (مارغو حداد)، والعراق (التفات عزيز، ومحمود أبو العباس)، والمغرب (هشام بهلول)، ومصر (خالد عبد الغفار)، إضافة إلى ممثلين من بريطانيا والهند.
وهذا هو العمل الثاني للمخرج الشاب سامر برقاوي، بعد كوميديا «الوزير وسعادة حرمه» (2006) مع أيمن زيدان وسوزان نجم الدين، وعدد من الأفلام القصيرة. كما عمل مساعداً مع هيثم حقي وحاتم علي والليث حجو، ومع يسري نصر الله في فيلم «باب الشمس». برقاوي لم تجمعه أي علاقة سابقة بدبي، وهو زارها للمرة الأولى لتحقيق هذا العمل. يجد في ذلك ميزة لمراقب لم يفسده التعود: «دبي التي تقدم في الفواصل الإعلانية، تعطي الإحساس بأنها غير حقيقية. أما هذا العمل فقد خلق علاقات إنسانية دمجها بهذه الأماكن، كأبراج الإمارات، وبث فيها حياة». ويؤكد اجتهاداته وعمله على النص، رغم اتفاقه مع رؤيته العامة «دبي مكان لتحقيق الأحلام، لكن بعض الشخصيات أتت إليها على سمعتها أنّها مكان يمكن قطف المال فيه من على الأشجار».
مرح جبر تعود في هذا العمل لتؤدي دور أم لفتاة شابة، وهو أمر مفاجئ لواحدة من أيقونات الجمال في الدراما السورية، ظلت حتى وقت قريب تؤدي دور الشابة المعشوقة. يرى برقاوي أن «مرح نجحت إلى حدّ كبير في تقديم هذا الدور، وخصوصاً أن الزواج المبكر شائع في الأوساط الدمشقية التقليدية. وهي بدأت ترى نفسها ممثلة أكثر من تقديم نفسها نجمة». ورغم أن مرح جبر وشقيقتها ليلى لم يعد لهما ذلك الحضور في الدراما السورية كما في الماضي، يوضح المخرج أن اختيارهما، أسوة بباقي الممثلين، انطلق من رؤية «ألا يتمحور المسلسل حول أسماء مهمة، تقوم بتسويقه». لكن «لمرح جبر أيضاً حضور خاص في ذاكرة المشاهد الإماراتي».
الشخصيتان اللبنانيتان في المسلسل يؤديهما طلال الجردي وبولين حداد، ويغرق الزوج في ديون طائلة من خلال قروض مصرفية للحفاظ على مظهر اجتماعي لائق. نسأل سامر برقاوي: لماذا قدمت الشخصية اللبنانية بهذه الصورة؟ فيؤكد أنه لا دلالات خاصة لذلك، «إنه يقدم قصصاً واقعية، وللعمل بناء روائي درامي، محكوم بنص».
ويعرج «بنت النور» بشكل طفيف على العمالة الآسيوية والظلم الذي تتعرض له، وهو الموضوع الحساس في الإعلام الخليجي. لكن المخرج يفضل رؤية الأمر من زاوية الخيارات: «المدينة تفتح أبوابها، ومن يرد الدخول فعليه أن يقبل بشرطها. وهناك إصلاحات متقدمة في التعامل مع العمالة في دبي».
وعن الصيغة التقنية التي كانت من إضافات المخرج على النص، يشرح: «العمل يتضمن مواد أولية لفيلم وثائقي ينجزه أحد أبطال المسلسل: سلطان (عبد الله بن حيدر). وهو السبب الذي جمع كل هذه الشخصيات، أبطال الفيلم المسمى «بنت النور» (إحدى تسميات دبي)، ستحضره هذه الشخصيات في النهاية في صالة عرض».
ويسعى برقاوي لكسر مفاهيم سائدة في الإضاءة، كالإضاءة (الفلات)، حيث يبدو كل شيء واضحاً، وقد اعتادها المشاهد العربي، ويعنى بالمشهد الليلي لدبي. كما يؤكد القطع المفاجئ لينتقل بين خطوط عدة وحكايات عدة، وهو يوظف المؤثر الصوتي والموسيقى (وليد الهشيم).
«بقعة ضوء» في سماء ملبّدة
«بقعة ضوء»، أشهر البرامج التلفزيونية السورية، يعود هذا الموسم بجزئه السادس مع المخرج سامر برقاوي. هذه الكوميديا، حملت أبعاداً في سوريا قلما يحملها برنامج تلفزيوني. إذ بدأت مع مرحلة من التغيير، انعكست على الخطاب الإعلامي. جرأتها فاجأت المشاهدين، وأثارت حالة من النقاش وصلت إلى مواقع رسمية عليا. إذ كان العمل يقدم كوميديا ساخرة ذات محمولات جدية تتناول قضايا عميقة على أكثر من مستوى، «وقد أثر في إحداث إقالات في بعض المواقع الحكومية، بتسليطه الضوء على السلبيات». لوحات من العمل منعت من العرض، أو عرضت على شاشات أخرى غير سورية. لكن العمل أتجه أخيراً، نحو طروحات أقرب إلى كونها كوميدية بحتة، لا تسعى إلى أكثر من الإضحاك. بدأ المسلسل في عام 2001 مع الليث حجو، وكان التأليف للممثلين باسم ياخور وأيمن رضا. حجو أخرج الجزءين الثاني والرابع أيضاً، بينما أخرج ناجي طعمي وفراس دهني الجزء الثالث. العمل غاب السنة الماضية. أما في 2006، مع الجزء الخامس الذي أخرجه هشام شربتجي، فلم يحظ العمل بمشاهدة كبيرة، لأنه اتخذ شكلاً مغايراً لما اعتاده الناس لناحية طول لوحاته وطروحاته وغياب أبطاله. يقول سامر برقاوي: «للمسلسل مشاهدة واسعة، وقد تحول إلى طقس رمضاني. الناس أحبوه بالنكهة التي قدم فيها في البداية، وكانوا ينتظرون عودته، ما دفع بالشركة إلى تجديد التجربة وحاولت جمع فريقه الأصلي: المخرج الليث حجو والفنانان أيمن رضا وباسم ياخور. ونظراً لاعتذار ليث، ولكوني عملت في الأجزاء السابقة تم اختياري». ويبدي برقاوي ميلاً للأعمال الكوميدية، كما أنه عمل في مجال الأفلام القصيرة، ولديه حب وملكة للاختزال في تقديم المواضيع. ويجد في حلقات «بقعة ضوء» المكون من لوحات تتباين في الطول، جاذبية قول الكثير في وقت قصير. «بقعة ضوء»، رغم خصوصية موضوعاته السورية، حقق شعبية عربية، نظراً لتشابه المشكلات المطروحة. وهنا، يؤكد برقاوي: «الجزء السادس سيستمر بقول الوجع نفسه، وبالزخم ذاته. لكننا لن نتكلم على الفساد مثلاً من خلال شخصيات محددة، بل على الظاهرة». ورشة «بقعة ضوء» بدأت بجمع النصوص، وستستمر باستقبالها حتى خلال التصوير الذي سيبدأ بعد أسبوع، ومن المتوقع أن ينجز العمل خلال 90 يوماً. لكن لن يُعِدّ عرابا البرنامج (ياخور ورضا) النصوص كما جرت العادة، وإن كانا سيُستشاران باستمرار. هناك نصوص من السنة الماضية حين كان مقرراً أن ينفذ العمل، غير أنه يجري تحديث دائم، لمواكبة تطورات الواقع، كطرح ظاهرة الغلاء التي تعانيها المنطقة، أو التكنولوجيا (تسلُّم الموظفين رواتبهم من الصرافات الآلية)، وصولاً إلى أحداث قريبة، كحفلة فيروز في دمشق، واحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية. وكالعادة، يستضيف الجزء السادس نجوماً مثل ناجي جبر وسلوم حداد وعباس النوري وجمال سليمان.
«بنت النور» 20:00 على «دبي»
«محسن الهزاني» 21:00 على «روتانا خليجية»
منار ديب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد