الديمقراطية والتدخل الخارجي: برهان غليون نموذجاً
الجمل ـ عبد الله علي: يربط خيط دقيق لكن ملحوظ بين فكر برهان غليون ورؤيته لكيفية الانتقال من نظام حكم إلى آخر، والذي عبر عنه في مقدمة الطبعة الخامسة لكتابه "بيان من أجل الديمقراطية"، وبين فكر ابن خلدون في مقدمته الشهيرة.
يعتقد غليون أن الدولة أو نظام الحكم تصاب أولاً بالهرم وفق تعبير ابن خلدون أو بالإفلاس والوصول إلى طريق مسدود وفق تعبيره هو، وأن ما يعجل في سقوط الدولة أو نظام الحكم ثانياً، عدم قدرتها على الدخول في تحالفات جديدة من شأنها أن "تستجد لها عمراً خالياً من الهرم" وفق تعبير ابن خلدون، أو تبدُّل البيئة الدولية والجيوسياسية وما نجم عنه من زوال مناخ الحرب الباردة وبالتالي تغير قواعد التحالفات بين الدول وفق تعبير غليون. وثالثاً قيام عصبية جديدة على أنقاض العصبية التي كانت تحمل نظام الحكم المصاب بالهرم، وفق تعبير ابن خلدون، أو انبعاث الحركات الاجتماعية وفق تعبير غليون.
والنتيجة الاهم التي يمكن الانتهاء إليها من هذا التقارب بين غليون وابن خلدون هي أن الاثنين لا يؤمنان بإمكانية إصلاح الدولة أو النظام وإنهما يعتبران التغيير من نظام إلى آخر من الأمور الحتمية التي لا يد للبشر وإرادتهم في إحداثها، لأن أهم عامل من عوامل التغيير عندهم هو إصابة الدولة أو النظام بداء الشيخوخة والهرم وعدم قدرتها على إضافة عمر جديد لها من خلال تغيير تحالفاتها، وهذه الأمور خاضعة لقوانين صارمة لا يمكن الفكاك منها شأنها في ذلك شأن الحوادث الطبيعية. وعدم الإيمان بإمكانية الإصلاح عند غليون وابن خلدون، يجعل إسقاط النظام القائم في نظرهما شرطاً اساسياً من شروط التغيير، فلا يمكن إقامة نظام جديد إلا بعد دفن النظام السابق، وبالتالي الدخول فيما يسمى بـ "الدوامة الخلدونية" (يمكن الاطلاع على مقالتنا التغيير السوري على طريقة ابن رشد).
*****
وإذا كانت الحتمية تعني عدم تدخل الإرادة البشرية في إحداث التغيير من نظام حكم إلى آخر، فإن اللاإرادية تقود بدورها عند غليون إلى تضخيم العامل الخارجي في عملية التغيير وتحقيق الانتقال من نظام إلى آخر.
يقول غليون: ((وتركيزنا في هذا الإطار على موقف الدول الكبرى صاحبة النفوذ في الدول العربية، نابع من الاعتقاد بأن الديمقراطية لم تعد قضية وطنية .... ... لقد أصبحت اليوم منظومات إقليمية عالمية)). ولا يمكن حسب غليون لأي بلد أن يحفظ استقلاله أو قراره الوطني دون أن يكون جزءاً من منظومة إقليمية جيوستراتيجية وأهم هذه المنظومات، بحسبه أيضاً، منظومة الديمقراطية الغربية، ويستشهد غليون هنا بمجموعة الدول التي انضمت إلى منظومة الديمقراطية الغربية في ثمانينات القرن الماضي كإسبانيا والبرتغال، وكذلك بمجموعة دول أوروبا الشرقية والوسطى التي انضمت في تسعينيات نفس القرن.
إذاً لا بد من التدخل الخارجي لإحداث التغيير، لكن غليون يعاين مبكراً، كما تدله على ذلك تجربة العراق ولبنان، إلى أي مدى يمكن أن يصطدم التدخل الخارجي حتى لوكان من أجل الديمقراطية مع الخيارات الوطنية وما يرتبط بها من مفاهيم السيادة والهوية.
وإضافة إلى حقيقة الاصطدام بين التدخل الخارجي وبين السيادة، فإن غليون يقرُّ كذلك بعدم ثقته في أن يكون التحول الديمقراطي خياراً نهائياً بالفعل للولايات المتحدة وأوروبا، ويعترف بوجود شكوك كبيرة في مدى التزام القوى الغربية بمسيرة التحول الديمقراطي في المنطقة العربية.
يبدو كأن غليون يحاول أن يرتقي بنا من خلال توصيفه لمخاطر التدحل الخارجي وما يحيط به من شكوك كثيرة، إلى ذروة عالية بإمكاننا أن نستشرف من على رأسها أفق الحل لهذه الإشكالية التي عمل على تعقيدها، لكننا نتفاجئ سريعاً بأن غليون لا يملك من الحلول سوى ما تجود به عليه الولايات المتحدة وأوروبا أو ما تقبل أن تتصدق عليه به.
فالحل الذي يطرحه هو ضرورة العمل على تغيير البيئة الدولية بما يسمح بكسب الرأي العام الدولي، لأن معركة الديمقراطية في الداخل لا تنفصل عن المعركة لكسب الحلفاء الجدد في الخارج.
وإذ لا يخفى ما ينطوي عليه هذا الحل من سذاجة سياسية وحسن ثقة بالدول التي كان منذ قليل يشكك بها، فإنه من البديهي أن نسأل عما هو الثمن المطلوب دفعه عربياً من أجل كسب الرأي العام الدولي أو الفوز بدعم الدول العظمى، سواء على صعيد قضية فلسطين أو على صعيد الهيمنة على مقدراتنا وثرواتنا الوطنية وتخصيص حصة الأسد منها لها.
عدم تفسير غليون لماهية تصوره عن كيفية كسب الدعم الدولي في ظل تفاعل القضية الفلسطينية وتأثيراتها الواسعة المدى، وما ترتب على هذا الصراع من وقوف الدول العظمى إلى جانب الكيان الصهيوني ضد حقوق الشعب العربي، يعتبر نقصاً بارزاً في رؤية غليون للتحول الديمقراطي، لاسيما وأنه يعتبر التدخل الخارجي عاملاً هاماً من عوامل تحقيق هذا التحول. أي أن تفسير هذه النقطة ضمن رؤيته لعملية التحول، يعتبر أمراً جوهرياً لا ينبغي المرور عليه دون شرحه والإسهاب في توضيحه.
التعليقات
يا غليون النحس ما بتعرف انه
إضافة تعليق جديد