الرمادي تتداعى أمام «داعش» ومجلس النواب الأميركي يقر قانون تسليح الأكراد والسنّة
اقتحم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» المجمع الحكومي في الرمادي محققاً أبرز تقدم ميداني له في العراق منذ حزيران الماضي، وذلك غداة كلمة زعيم التنظيم «أبو بكر البغدادي»، التي دعا فيها عناصر تنظيمه ممن أسماهم «كواسر الأنبار» إلى «الثبات والتقدم» في المحافظة، وفي ظل التخبط الذي تعاني منه القوات الأمنية العراقية فيها بسبب رفض قيادات سياسية مشاركة مقاتلي «الحشد الشعبي» في المعارك، وفي ظل لجوء هذه القيادات إلى واشنطن للحصول على تسليح «مباشر» عبر قانون الكونغرس المثير للجدل الذي أُقرّ في مجلس النواب الأميركي، أمس.
ويأتي هذا التقدم الميداني للتنظيم الإرهابي، بعد حوالي الشهر على زيارة رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي لقاعدة الحبانية في المحافظة، والتي تتمركز فيها قوات من «المارينز» الاميركي، معلنا عن بدء العمليات العسكرية لتحرير الأنبار، ليبدأ «داعش» بعد ذلك هجوماً واسعاً أدى إلى تطويق المجمع الحكومي في الرمادي الذي كان يعد المعقل الأخير للدولة العراقية فيها، في ظل حديث أميركي عن «عدم رمزية» المدينة، وترقب لدور أردني محتمل في المحافظة.
وجاء سقوط الرمادي بعد صمود استمر نحو 17 شهراً، أمام محاولات متكررة من «داعش» لاحتلالها، بدأت مطلع العام 2014، حيث لم تستسلم حامية المدينة بعد سقوط نينوى وصلاح الدين وديالى الصيف الماضي. وحتى يوم أمس، استبسل العشرات من جنود الوحدات الخاصة في الجيش العراقي في الدفاع عن آخر مواقعهم التي دخلتها موجات الانتحاريين.
ولم تنجح جميع المحاولات لصد مسلحي التنظيم الذين عادوا، بعد كر وفرّ خلال الأسبوع الماضي، ليطلقوا فجر أمس، هجوماً واسعاً عند معظم خطوط التماس مع القوات الأمنية مركزين هجماتهم بالانتحاريين، الذين بلغ عددهم ستة بينهم أحد البريطانيين على المجمع الحكومي، لينجحوا في اقتحامه ورفع علم التنظيم فوقه، ليستكملوا في ما بعد هجومهم على مقر قيادة عمليات الأنبار شمال المدينة أي إلى حيث انسحب ما تبقى من القوات الأمنية.
ونتيجة لهذا التقدم بات «داعش» قاب قوسين أو أدنى من الاستحواذ على كامل مدينة الرمادي التي تبعد نحو 100 كيلومتر إلى الغرب من بغداد. وقال ضابط برتبة رائد في شرطة الرمادي إن «داعش سيطر على المجمع الحكومي وسط الرمادي ورفع راية التنظيم فوق مبنى قيادة شرطة الانبار، بعد انسحاب القوات الامنية... الى مقر قيادة عمليات الانبار» في شمال المدينة، وأشار إلى أن الانسحاب سببه «شدة الاشتباكات وانفجار عدد من السيارات المفخخة التي تسببت بإلحاق أضرار كبيرة بعدد من مباني المجمع» الذي يضم مباني حكومية عدة، أبرزها مقر المحافظة ومديرية شرطة الانبار.
من جهته، أعلن «داعش» في بيان تداولته حسابات الكترونية مقربة منه وعبر إذاعة «البيان» التي تبث باسمه في المحافظة عن «اقتحام المجمع الحكومي الصفوي وسط الرمادي من قبل كواسر الانبار»، مضيفا ان ذلك «أدى للسيطرة عليه بعد تصفيه من فيه من المرتدين ومن ثم تفخيخ ونسف مباني مجلس محافظة الانبار ومديرية شرطة الانبار الصفوية المتجاورين».
وفي إشارة إلى غياب التنسيق بين الوحدات المدافعة عن المدينة، الذي تزامن مع رفض متكرر من قبل رئيس مجلس المحافظة صباح كرحوت ومحافظ الأنبار صهيب الراوي دخول «الحشد الشعبي» إلى مناطق العمليات، والتهديد الأميركي على لسان سفير واشنطن ستيوارت جونز بقصف وحدات «الحشد» في حال مشاركتها في العمليات، أكد أحد وجهاء العشائر الشيخ حكمت سليمان أن القوات الأمنية «تقاتل في مناطق متفرقة بدون قيادة مركزية».
وفي هذه الأثناء، أقر مجلس النواب الأميركي ميزانية الدفاع الوطني بما يشمل «دعم تسليح الأكراد والسنّة بشكل مباشر ومنفصل عن الحكومة المركزية في العراق» والتعاطي مع هذه الكيانات على أنها «دول مستقلة» كمسوغ قانوني لتسليحها، وهو القانون الذي أثار جدلاً عراقياً واسعاً تخوفاً من جعله مقدمة لتقسيم البلاد، ولكنه لم يثنِ رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، والوزير العراقي الأسبق رافع العيساوي (من الأنبار) عن التوجه إلى واشنطن لطلب «تسليح مباشر».
وبعد تمرير مشروع القانون سينتقل الى مجلس الشيوخ الاميركي للمصادقة عليه، وقال رئيس لجنة القوات المسلحة في المجلس جون ماكين إنه «سوف يتقدم في مجلس الشيوخ بمقترح يدعو إلى تسليح البشمركة بعيدا عن الحكومة»، معبرا عن «وجود دعم كبير لهذا الاجراء من قبل اعضاء حزبي الجمهوريين والديمقراطيين».
وكان رئيس هيئة الأركان الاميركية مارتن ديمبسي قد توقع، الشهر الماضي، سقوط الرمادي بيد تنظيم «داعش»، مفاضلا بينها وبين مصفاة بيجي النفطية، معتبراً أن بيجي «ذو أهمية استراتيجية» أكبر من الرمادي «التي ليس لها أي رمزية»، ما استدعى رداً آنذاك من إحدى أمهات الجنود الأميركيين الذي قتل في الرمادي في العام 2006 في رسالة بثتها قناة «فوكس نيوز»، مذكرة بالجنود الاميركيين القتلى في المدينة ومهاجمة «استهتار» ديمبسي بهم.
وبعد فقدان المجمع الحكومي، باتت القوات الامنية تسيطر على أحياء معدودة شمال الرمادي وجنوبها، إضافة الى مقر قيادة عمليات الانبار، حيث أكد مصدر أمني في «قيادة العمليات» أن منطقتي الملعب وسط الرمادي والبوذياب شمالها، هما كل ما تبقى تحت سيطرة القوات الأمنية في المدينة، مشيراً إلى أن تنظيم «داعش» يشن هجمات في محاولات للسيطرة عليهما أيضا.
وذكر ضابط في الجيش العراقي أن معظم وحدات الجيش والشرطة تراجعت إلى المنطقة المحيطة بقيادة العمليات لحمايتها، لكن بعض قوات مكافحة الإرهاب الخاصة «تقاتل دفاعا عن حياتها» في منطقة الملعب بوسط الرمادي حيث حوصرت.
وإذا تمكن التنظيم من السيطرة على كامل الرمادي، فسيصبح مسيطرا على مركزي محافظتين عراقيتين، اذ يسيطر منذ حزيران الماضي على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى.
وحازت الانبار حيزاً مهماً في التسجيل الصوتي الأخير للبغدادي، هو الأول له منذ ستة أشهر، قال فيه «أثني على أسود الولاء والبراء الكواسر في الانبار الذين هدموا حصون المرتدين... وانتزعوا الانبار انتزاعا من أعين المرتدين وحلوق الروافض رغم أنف أميركا وحلفائها».
وتعد المحافظة ذات طبيعة جغرافية صعبة، تمزج بين المدن والاراضي الزراعية والصحراوية الشاسعة، وتتشارك حدودا طويلة مع سوريا والسعودية والأردن التي بحث مسؤولون عراقيون فيها مؤخرا مسألة تسليح عشائر الأنبار من أجل مواجهة تنظيم «داعش». ومن المرجح أن تفتح سيطرة «داعش» على مركز المحافظة الباب واسعاً أمام دور أردني محتمل فيها.
وأدت سيطرة التنظيم المتشدد على المجمع الحكومي في الرمادي، إلى إطلاق موجة نزوح كبيرة من المحافظة، بعد أقل من شهر على نزوح حوالي 90 ألفاً من سكان المحافظة نحو بغداد وأربيل، نتيجة انطلاق العمليات العسكرية هناك. وقالت مصادر من مستشفيات الرمادي إن 11 شخصا قتلوا على الأقل في هجمات «داعش» على المجمع الحكومي، بينما أعلن الأخير عن قتل 14 جندياً عراقياً.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد