الشلفنطح السوري
الجمل ـ سعاد جروس :الملصق الضخم الذي علق على كامل خلفية مسرح قصر المؤتمرات في افتتاح المؤتمر الرابع للصحفيين, بدا فضفاضاً كمساحة لا يشغل هامشها سوى أقانيم الصحافة السورية الثلاثة «الثورة وتشرين والبعث» المتساوية في الشكل والحجم, الواحدة في الجوهر, لكنها تركت جزءاً من المساحة المتبقية لشعار عريض: «الالتزام الوطني والقومي من أجل الحرية والمسؤولية».
أمام هذا المشهد الصحفي الرسمي السوري العنيد المكتفي بذاته, والمصر على بقائه سوريالياًَ في ركاكته, تحضر إلى الذاكرة قصة مزبد €أبو اسحاق المدني صاحب النوادر الشهير عند العرب€ حين دخل بيته يوماً, وجد امرأته تخونه مع رجل غريب, وباب الدار مفتوح وقد علا صوتها, فقال: سبحان الله, أنتِ على هذه الحال وباب الدار مفتوح؟ لو كان غيري ألم تكن فضيحة؟
يعني لو لم نكن نحن الصحفيين في حفل الافتتاح سوريين ألم تكن فضيحة أكدها تهامس الزملاء حول سبب عدم اعتراف اتحاد الصحفيين الأشم إلا بالصحف الرسمية, وأهمل ذكر, ولا نقول مشاركة, حوالى 200 مطبوعة ما بين مجلة وجريدة أسبوعية وشهرية؟ أم انه أحد أشكال الاعتراف بأن الصحافة غير الرسمية ليست صحافة؟! فعلاً احترنا, والله حيرّنا مع القائمين على الإعلام, وهم كثر. هل يمنحون تراخيص لصحافة لا يحترمونها إلى درجة أن اتحاد الصحفيين لم يشملها برعايته أو بنظرة اعتراف لغاية الآن, ولم تدرج مشكلاتها على جدول أعمال المؤتمر الرابع لاتحاد طالما أبهجنا رئيسه السابق الدكتور صابر فلحوط بأفاعيل مماثلة, ولقد صبرنا عليه وصبر علينا حتى مل الصبر منّا, إلى أن هجر كرسيه بحركة كانت كرم أخلاق منه لا فشلاً في الانتخابات. نعيد ونضيف, أبهجنا الدكتور صابر أيضاً وأسعدنا في كلمته الافتتاحية حين عدد منجزات الاتحاد العظيمة, وكان أهمها على الإطلاق, تعزيز الثقة بين المواطن والإعلام. فتذكرنا ونحن نسمعه أننا كالحمصي الذي قال له صديقه, انظر إلى الشلفنطح على البلكون. فرد عليه, ماذا يعني بلكون. إلا أن الفارق بيننا وبين الحمصي, أننا سنسأل عن أكثر من معنى تائه, فماذا تعني كلمة «إعلام» وأيضاً لفظ «ثقة», وإذا شئنا التمادي في السؤال والاستهبال, سنسأل ماذا يعني «مواطن»؟ والسؤال الأهم من كل ذلك: الى متى يستمر الضحك على الذقون والاستعباط على طريقة مزبد؟ غالباً تتم مناقشة القضايا المتعلقة بالصحفيين الموظفين في المؤسسات الحكومية من تأمين صحي وتقاعد وجمعيات سكنية... إلخ وهي مسائل تعاد وتكرر في كل مؤتمر على نهج جوزيف صقر «ميري بتهجي وبتعيد», فيما لا يذكر شيء عن ضرورة إيجاد وضع قانوني معترف به للصحفيين العاملين في الصحافة الخاصة والالكترونية ومراسلي وسائل الإعلام الخارجي ومكاتب الخدمات الصحفية, وكأن هؤلاء نبتوا في غفلة عن العيون الساهرة على الحريات, فكانوا ومن دون امتياز لقطاء الإعلام السوري, لا يتذكرهم إلا المخابرات, حين يزلّ قلم أي منهم سهواً عن صراط الالتزام الوطني والقومي, المرسوم بتدرجات اللون الأحمر المعتمد رسمياً, من «أجل الحرية والمسؤولية» حسب شعار المؤتمر الرابع, ولا نعرف من مبتكره الفهلوي, وكيف استقام معه المعنى والمبنى. فمن أين يأتي الصحفي أو غيره بالالتزام والمسؤولية, إذا لم يكن بالأساس حراً؟ وهل هناك التزام ومسؤولية من دون حرية, إلا إذا كانت بالإكراه؟!
على أن زملاءنا الأكارم انشغلوا بالانتخابات, وكأن الديمقراطية ممزقة ثيابها في اتحادنا, لم يناقشوا شعار مؤتمرهم الغرائبي, وكيف يمكن للصحفي الملتزم بصراط الذين سكتوا, أن يعبر عن التزامه الوطني, إذا لم تتوافر منابر حرة مستقلة وقانون بشرنا من شهور الدكتور صابر بأن مسودة تعديلاته انتهت. وبالمختصر غير المفيد, لماذا لا يريدون إعلاماً حقيقياً, رغم الاعتراف المزمن للجميع بالحاجة الماسة إليه, خصوصا مع مسلسل الضغوط والأزمات التي نتعرض لها من اربع سنوات؟!
اخيراً بعدما شاهدنا تجربة الإعلام اللبناني خلال العدوان على لبنان, لمس القاصي والداني ضرورة وجود إعلام وطني حر وإعلاميين أحرار ينقلون حقيقة ما يجري, يكونون هم مصدر المعلومة التي تغذي الإعلام الخارجي, في مواجهة الحرب النفسية والتضليل الإعلامي. ثمة حقيقة لا بد من الاعتراف بها, أنه لولا وجود قناة «المنار» التي أثبتت فعالية ومهنية عالية خلال الحرب, ولولا وجود قنوات محلية أخرى ومراسلين أكفاء, سجلوا بأمانة وبسالة ما يجري, لما تمكنت المقاومة من إعلان نصرها بهذا القدر من الثقة, ولترك منجز النصر التاريخي عرضة للتشكيك والتبخيس, وتحول الى هزيمة كاملة. فماذا ننتظر بعد في سوريا؟ ومتى تنتهي استخارة القرارات والقوانين اللازمة لحلحلة عُقد إطلاق سراح الإعلام المستقل. علماً أن خمس سنوات من التردد كانت كافية لخلق واقع إعلامي جديد أكثر تعقيداً, كونه تسلل من الثقوب ليأخذ مساحته في الفراغ تحت التهديد بالإغلاق دون أي قانون يحميه.
قد نكون نفضنا اليد من تصليح المؤسسات الإعلامية الرسمية, وكذلك من تسكيج اتحاد الصحفيين, لكننا حتماً لم نيأس. وبالتالي انطلاقاً من التزامنا الوطني من المثابرة على المطالبة بإعلام مستقل وحر, في مرحلة مفتوحة على أخطر الاحتمالات, ما من شك أن الإعلام لا الشلفنطح أحد أكثر الوسائل الأساسية فعالية في معركة الدفاع عن الوطن, ومن حقنا كصحافيين وإعلاميين أن نكون أول المدافعين لا آخرهم.
بالاتفاق مع الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد