المرتزقة في العراق
المرتزقة جزء من التاريخ منذ الصراعات الأولى، بدءا باستعانة كزينوفون بالعشرة آلاف يوناني للمحاربة في بلاد الفرس، ووصولا الى الحراس السويسريين الذين يؤمنون الحماية للفاتيكان اليوم. وفي الواقع، فإن كلمة جندي مشتقة من كلمة الصلدوس التي تعني العملة الذهبية الرومانية؛ وبكلمات أخرى، فإن صفة الجندي كانت تطبق على كل من يحارب من أجل المال.
في العصور الحديثة، استعين بالمرتزقة في أكثر مظاهر الصراع الإقليمي وحشية: كلاب الحرب الذين يقاتلون ضمن حملات صغيرة وحشية في افريقيا. لكن بالنسبة الى نوع جديد من جنود المال، أثبتت الحرب في العراق انها منبع ذهب. فقد تضخمت شركات الأمن الخاصة لتصبح ثاني أكبر قوة عسكرية في العراق بعد القوات الاميركية.
وتشير التقديرات الى ان أعداد العناصر المرتزقة في العراق يتراوح بين 10 آلاف و30 ألف مسلح. وهم يقومون ببناء وتجهيز المخيمات العسكرية، وحراسة الأماكن مثل المنطقة الخضراء في بغداد، وحماية المواكب، إضافة الى جمع المعلومات وتوفير الحراس الشخصيين للمسؤولين ورجال الأعمال وعمال الإغاثة والصحافيين. وقد أمست شركات الأمن البارعة في عملها تحقق مكاسب بملايين الدولارات.
ويقال اليوم ان تدفق الذهب قد يكون بلغ نهايته. فمشاريع إعادة الإعمار تقل، ومعها عقود المقاولين. كما ان السوق مشبع، ما يعني انخفاضا في الأسعار. ذلك الى جانب انه ليس من المؤكد المدة التي ستبقى فيها أميركا في العراق، وليس من المعروف أيضا كمية الأعمال التي ستلزّمها الحكومة لشركات محلية.
وفي مؤتمر لشركات الأمن في لندن الأسبوع الماضي، عبر أصحاب العضلات الجنود السابقون الذين قايضوا تعبهم ببزات مخططة، عن قلقهم تجاه المستقبل: الطلب في أفغانستان منخفض، وهناك احتمالات صغيرة بأن تشن أميركا حربا كبيرة جديدة يتأتى عنها عقود مثمرة.
لكن هؤلاء يتنبأون خيرا: شركات كبيرة تشتري شركات صغيرة، وتوطيد العلاقات عبر الأطلسي. وفيما تعتمد الشركات الاميركية بشكل كبير على عقود البنتاغون، تتخصص البريطانية منها في الاستشارات والخدمات الأمنية للأعمال الخاصة، وبالذات شركات النفط والتنقيب.
وتشير بعض التقديرات الى ان هذه الصناعة تدر أكثر من 100 مليار دولار في العام، برغم أن التعريفات في هذا السياق مبهمة: فما هي الشركات الى تعد شركات عسكرية، وما هي الشركات الهندسية التي لا تقوم سوى ببناء الثكنات؟ والأقل جدلا في هذا الأمر هو الحاجة الى التنويع. فالعمل الأكثر ربحا لا ينحصر بأسلحة على الشاحنات، لكنه يشمل الأمور اللوجيستية والأعمال الأخرى الأقل أهمية، مثل المحافظة على أنظمة الأسلحة. والرجال المتبخترون مع نظارات شمسية قاتمة، قد يتصدرون العناوين خاصة عندما يتهمون بإطلاق النار على مدنيين عراقيين لكن الأموال الحقيقية في مكان آخر.
وفتح البنتاغون الطريق أمام تخصيص الأعمال التي عادة ما كان يقوم بها الجنود العاديون. والأمور اللوجيستية التي توفرها شركة براون اند روت (اليوم جزء من كي بي آر)، وهي شركة متفرعة من هاليبرتون، كانت أساسية بالنسبة للانتشار الاميركي في البلقان في التسعينات. وقال رئيس هاليبرتون التنفيذي حينها (نائب الرئيس الحالي) ديك تشيني الرجل الأول الذي يرحب بجنودنا لدى وصولهم الى البلقان والرجل الأخير الذي يودعهم هو أحد موظفينا. واستعانت أميركا أيضا بالشركات الخاصة لتقديم التدريبات العسكرية للجيوش الأجنبية. والمساعدة المبهمة التي وفرتها شركة ميليتري بروفشنال ريسورسز الى كرواتيا مرتبطة بشكل أساسي في نجاح هذا البلد في المرحلة الأخيرة من حرب البوسنة.
والاستعانة بالمقاولين غير الحكوميين لا تسمح فقط للحكومات بالإشراف على عمليات سياسية حساسة تتعلق بالأسلحة، بل يقتطع أيضا التكلفة السياسية للعمليات العسكرية المباشرة: مقاولون موتى يعني تظاهرات أقل من جنود قتلى. والخسائر العسكرية في العراق تسجل بشكل دقيق، لكن ليس هناك من أرقام خاصة بالشركات حول أفراد الأمن، رغم ان المئات منهم قد قتلوا.
وتنظر المراجعة الدفاعية الحالية التي تصدر كل أربعة أعوام الى المقاولين الخصوصيين على انهم جزء مكمل للقوة الإجمالية التي تقع تحت تصرف أميركا. غير ان المقاولين يواجهون انتكاسات. فهم متهمون بالحلول مكان الجنود الذين يتمتعون بالخبرة في الوحدات العسكرية العادية وبكونهم أقل عرضة للمحاسبة من الجنود. والمقاولون الخصوصيون تورطوا في فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب في العراق، غير انه لم تتم مقاضاة سوى المحققين العسكريين.
وفي إطار البحث عن محاور جديدة للأعمال، تنظر الشركات الأمنية في إمكانية تأمين الحماية للأحداث العالمية مثل الأولمبياد، ونقل المساعدات الى الأماكن التي يخشى عمال الإغاثة التوجه إليها، إضافة الى توفير الخدمات والخبرة للأمم المتحدة.
وقد بدأت الشركات الأمنية العمل بالفعل في هذه الميادين، غير ان أي اختراق سيتطلب منها تلميع سمعتها بشكل مقنع أكثر. ويقول المدير العام لجمعية الصناعة البريطانية، الجمعية البريطانية لشركات الأمن الخاصة اندرو بيربارك، ان الناس يسألونني دائما حول المرتزقة وكلاب الحرب. أقول لهم اننا في الواقع قطط السلام. (يشار الى ان المجموعة الاميركية من هذه الشركات تحمل اسما ألطف هو جمعية عمليات السلام الدولية).
المصدر: السفيرعن الايكونوميست
إضافة تعليق جديد