المفاوضات مع سوريا تحتل العناوين الرئيسية في الصحف الإسرائيلية
احتلت الاتصالات مع سوريا، أمس، العناوين الرئيـسية للصــحف الإسرائيلية، واختــلطت بأنباء تفاصيل الغارة الجوية على منشــأة سرية في شمالي سوريا، بل إن «معاريف» اعتبرت أن الغارة الإسرائيلية على المنشأة السورية حالت «في اللحظة الأخيرة» دون تحوّل سوريا إلى قوة نووية.
وبدا أن المعلقين الإسرائيليين يجمعون على أن الاتصالات الإسرائيلية مع سوريا لم تكن لتقود إلى استئناف المفاوضات، بسبب الشكوك الكثيفة من جانب سوريا بالنوايا الإسرائيلية.
ويستند هذا التقدير إلى حقيقة إيمان المعلقين بأن الإدارة الأميركية الحالية لم تكن لترحب بمثل هذه الاتصالات مع سوريا وأن الحكومة السورية مقتنعة بأن لا جدوى من هذه الاتصالات قبل رحيل الإدارة الأميركية الحالية.
ورغم الأنباء المدوّية حول الانقــلاب في مـوقف رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت من الانسحاب من هضبة الجولان، فإن ذلك لم يثر عاصفة قوية في الحلبة الداخلية. ومن الجائز أن هذا يعود إلى حقيقة أن أولمرت في وضع ضعيف لا يستطيع فيه، على الأقل في الكنيست الحالية، تمرير اتفاق كهذا مع سوريا.
ومن الجائز أن هذا ما دفع المعلق العسكري في «يديعوت» أليكس فيشمان للإشارة بأن ما جرى كان عملية جس نبض إسرائيلية تعاملت سوريا معها بشك كبير.
وكتب فيشمان أن «التلميحات التي يشيعونها في تل أبيب عن استئناف الاتصالات والتســريب السوري المقصود لرسالة اولمرت للرئيس الأسد، والتي يتعهد فيها بالنزول من هضبة الجولان، هي بالكاد أطراف خيوط، فالطريق إلى الســلام مع سوريا لا تزال معبدة بالعراقيل، ولا يزال الطرفان حالياً يتلمسان طريقهما لشكل إدارة المفاوضات إذا ما جرت أبداً».
ونقل فيشمان عن مصادر إسرائيلية قولها إن «تسريب الرسالة التي نقلها إلى الأسـد أردوغان باسم اولمرت، هو محاولة لفرض الشرط السـوري لبدء المفاوضات مع إسرائيل، وهو أن تجري بشكل علني ومكشوف. أما إسرائيل فتسعى إلى إدارتها سراً».
واعتبر فيشمان أن إسرائيل وسوريا تتبادلان الرسائل والبرقيات والمبعوثين منذ أكثر من نصف سنة. وقد بدأت محاولات جس النبض في الصيف الماضي، بعد وقت قصير من تسلم إيهود باراك وزارة الدفاع. وانتظر أولمرت تسلم باراك المنصب كي يتمكنا من أن يسحبا معاً، بشكل متعاون، عربة السلام في الاتجاه السوري.
ورأى أن الرسائل الإسرائيــلية بدأت بسلسلة أسئلة نقلت بين الحــين والآخر إلى الأســد عبر وسطاء مختــلفين جاءوا وغـادروا المنطقة: هل في إطار اتفاق سلام مع إسرائيل ستكون دمشق مستعدة، لأن تقطع عن حمـاس مصادرها من الوسائل القتـالية؟ هل في إطار اتفــاق السـلام، الذي يتضمن نزولاً عن الجولان، ستكون مستعدة لتبريد أو قطع العــلاقات مع «حــزب الله» ووقف نقل الذخيرة لهم؟ وماذا بالنسـبة للعـلاقات مع إيران؟
وأشار فيشمان إلى أن السوريين في ردودهم تعاملوا مع الرسائل الإسرائيلية ليس بوصفــها جس نبض بل كمــطالب: شيء من نوع «نحن مســتعدون للنزول من هضبة الجولان، ولكن ماذا سنــكسب من ذلك...». وعندما نشر التسـريب لرسالة رئيس الوزراء إلى الأسد قالت محافل رسمــية في إسرائيل أن شكل عرض الشروط الإسرائيلية في التسريب، هضبة الجولان في مقابل سلام كامل، هو تبســيطي ولا يعبر عن كل الرسالة الإسرائيلية. وبحــسب هذه المحافل، فإن الرسالة أكثر تركـيباً وهي تــتضمن ليس فقط موضوع هضبة الجولان بل اشتراطات أخرى عرضت على السوريين في أثناء المراسلات، وبتعبير آخر، فإن من قام بالتسـريب اختار ما يريحه.
وأوضح فيشمان أن أجوبة السوريين، بما في ذلك ردود الأيام الأخيرة، كانت شكاكة جداً بالنسبة لما وصف عندهم بـ«جدية الخطوة الإسرائيلية». الزعم الأول والمركزي الذي طرحته سوريا هو أنها لا تفهم من المبعوثين المختلفين ماذا تقصد إسرائيل عندما تتحدث عن نزول من هضبة الجولان، وأنهم في الماضي، أي في المفاوضات في العقد السابق، سمعوا في سوريا روايات مختلفة: نزول حتى خط الجروف، حتى الحدود الدولية وما شابه.
كــما أن الســوريين عبر ردودهــم رأوا أن إسـرائيل هي بمثــابة تــهديد أمني على ســوريا. وبزعمهم، أطلـقت إسرائيل أكـثر من مرة رسائل تهدئة تفيد بعدم نيتـها مهاجـمة ســوريا، ولكنها عملت حتى الآن مرتين على أراضيها. ويتبين من الأجوبة أن لسوريا مشكلة بالنسبة لمصــداقية صـافرات التهدئة التي تطلق بقنوات مختلفة من إسرائيل.
وهناك ما يتعلق بالانفصال عن محور الشر حيث يدعي السوريون بأن هذا الطلب الإسرائيلي والأميركي ليس واقعياً عندما يتم فحص الواقع الذي نعيش فيه في الشرق الأوسط. فسوريا، المتماثلة مع عناصر إسلامية، لا يمكن، كما ترى، أن تدير لهم ظهر المجن دفعة واحدة: أولاً، يقولون في دمشق، إن الحركات الإسلامية توجد في حالة زخم؛ ثانياً، ليس لسوريا ثقة في البدائل التي تطرحها إسـرائيل لقطع العلاقات مع تلك العناصر. وفي إسرائيل يتضح أن السوريين يطلبون مقابلاً من الأميركيين لقاء مثل هذه الخطوة الإستراتيجية. أما الأميركيون، فلا يعرضون على سوريا أي مقابل. وهكذا فإنه على الأقل حتى الآن يدور الحديث عن جس نبض، أما الاختراق فلا يزال بعيداً.
وفي «يديـعوت» كتب المراســل السيــاسي شمعون شيــفر أن من شــبه المؤكد أن المفــاوضات مع سوريا لن تبــدأ قبل نــهاية ولاية الإدارة الأميركية الحالية، وقبل أن يبادر الرئيس الجديد لتحريك هذا المسار. وأشار إلى أن هذه الحقيقة معروفة، لكل من الرئيس الأسد ولأولمرت. وكتب أن السلام مع سوريا يعني انسحاب إسرائيل من الهضبة والتزام سوريا بإغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية في دمشق ووقف دعم حزب الله وتبريد العلاقات مع إيران.
وشدد شيفر على أن الاتصــالات تعني الكثير لكل من الأسد وأولمرت. وفي نظره فإنّ أولمرت معني بالاتصالات، لأنها تبين للجمهور الإسرائيلي أنه يبحث فعلاً عن تسوية. والأسد معني بها، لأنها «تلمح للأميركيين بأن الصورة الوحشية التي يعزونها له ليست دقيقة».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد