الهجوم على غزة وإعادة ضبط توازنات الأمن الإسرائيلي
الجمل: تزايدت وتائر التصعيد الجارية بين إسرائيل وقطاع غزة، وذلك بفعل تبادل الضربات العسكرية، والاتهامات المتبادلة إضافة إلى عمليات التعبئة السلبية الفاعلة في أوساط الجانبين، فما هي التطورات الجارية وما هي مفاعيل جولة الصراع الحالية، وما هي النوايا الحقيقية لطرفي الصراع وما مدى مصداقية أن تصل التصعيدات بما يؤدي إلى اندلاع صراع شرق أوسطي مرتفع الشدة هذه المرة؟
* التطورات الميدانية في مسرح قطاع غزة: توصيف المعلومات الجارية
تقول المعلومات والتقارير الجارية بأن قيام عناصر حركة حماس، بتنفيذ عملية اغتيال أفراد أسرة إسرائيلية في إحدى مستوطنات الضفة الغربية، قد أتاح لرئيس الوزراء الإسرائيلي فرصة غير مسبوقة لجهة القيام بالآتي:
• استخدام وسائل الإعلام العالمية لجهة الترويج وبث الدعاية السلبية التي سعت من جهة إلى تشويه سمعة الفلسطينيين ومن الجهة الأخرى إلى تحسين صورة إسرائيل.
• قيام كتائب القسام التابعة لحركة حماس بالإعلان عن مسؤوليتها عن العملية، ثم استغلاله بواسطة الإسرائيليين كمبرر لتشديد الاستهدافات ضد قطاع غزة، واستهداف رموز حركة حماس وبدرجة أقل بقية الفصائل المسلحة الفلسطينية.
• تعبئة الرأي العام الإسرائيلي لجهة احتمالات قيام إسرائيل بالرد ضمن نطاق واسع هذه المرة.
• استغلال الفرصة لجهة القيام بتوسيع نطاق وحجم حركة الاستيطان وبناء المستوطنات الجديدة.
هذا، وأضافت المعلومات إلى أن تل أبيب قد استخدمت عمليات إطلاق الصواريخ والقذائف من قطاع غزة كمبرر وذريعة لنشر منظومة القبة الحديدية، والسعي أكثر فأكثر لابتزاز واشنطن وبلدان الاتحاد الأوروبي لجهة الحصول على المزيد من الدعم لحماية أمن الإسرائيليين. هذا، ولم يتوقف الأمر عند هذه الحدود، فقد سعت تل أبيب بالتعاون مع واشنطن لجهة استغلال النجاح الذي أحرزته الدعاية السلبية حول حادثة اغتيال الأسرة الإسرائيلية بما يتيح لإسرائيل القضاء بشكل نهائي على ملف تقرير غولدستون وتبعاته.
أشارت الإحصائيات الإسرائيلية إلى أن عمليات إطلاق القذائف والصواريخ من قطاع غزة، تشير إلى أن إسرائيل منذ لحظة انتهاء عملية الرصاص المسكوب في كانون الثاني (يناير) 2009 م وحتى يوم 15 آذار (مارس) 2011 م:
282 صاروخاً تم إطلاقها من قطاع غزة.
193 قذيفة مورتر تم إطلاقها من قطاع غزة.
هذا، وأضافت التقارير والمعلومات بأن إسرائيل قد تلقت مؤخراً العشرات من الصواريخ والمقذوفات منها 50 قذيفة مورتر في يوم واحد. الأمر الذي اعتبره الإسرائيليون بمثابة تصعيد خطير يستوجب الرد والتعامل.
* لماذا التصعيدات المتزايدة؟
توجد حالياً العديد من المبررات والذرائع التي يعتمد كل واحد من طرفي الصراع لجهة تحميل الطرف الآخر المسؤولية، وذلك ضمن ما يطلق عليه خبراء النزاعات والصراعات "لعبة إلقاء اللوم"، ولكن على أساس اعتبارات المعلومات الوصفية ونتائجها التحليلية يمكن الإشارة إلى الآتي:
• الاعتبارات المتعلقة بالأوضاع الجزئية للصراع: توجد حالة من الشحن العدائي المفرط بين الطرفين، بما أدى إلى قابلية حرص كل طرف لجهة المبادرة متى ما سنحت الفرصة لضرب الآخر. وإضافة لذلك، تعاني حركة حماس من ضغوط داخلية، على السواء داخل القطاع وداخل الحركة نفسها، وبالتالي فإن توجيه الضربات المتلاحقة ضد إسرائيل هو السبيل لتجاوز هذه الضغوط. ونفس الشي بالنسبة للإسرائيليين، حيث تواجه حكومة بنيامين نتانياهو المزيد من الضغوط والخلافات الداخلية، وبالتالي فإن تصعيد الصراع ضد حركة حماس هو السبيل الأفضل لتجاوز الضغوط والحفاظ على تماسك التحالف الإسرائيلي الحاكم.
• الاعتبارات المتعلقة بالأوضاع الكلية للصراع: تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من الاحتجاجات، بما أدى إلى إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك المصري، وإسقاط نظام الرئيس زين العابدين بن علي التونسي. إضافة إلى تزايد الضغوط المهددة لاستمرار نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وملك البحرين والاحتجاجات التي تشغل النظام السوري، وفي هذا الخصوص تشير المعطيات إلى الآتي:
ـ إدراك حركة حماس الفلسطينية إلى ضرورة تصعيد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية بما يمكن أن يتيح إشعال الصراع في الضفة الغربية بما يؤدي إلى إسقاط حركة فتح.
ـ إدراك إسرائيل لضرورة تصعيد الأوضاع في المنطقة، بما يتيح لإسرائيل إعادة ضبط توازنات الأمن الإسرائيلي ضمن ترتيبات جديدة تتيح سد الفجوات والثغرات التي حدثت بفعل سقوط نظام حسني مبارك.
حتى الآن، لا توجد أي مؤشرات تفيد لجهة احتمالات احتواء التصعيدات المتبادلة بين حركة حماس، والإسرائيليين، وكلما سعى طرف إلى التهدئة سعى الطرف الآخر إلى توجيه الضربة ضده.
* قاطرة تصعيدات حماس ـ إسرائيل: إلى أين؟
استعراض التطورات الجارية ومفاعيلها، يشير بكل وضوح إلى النقاط الآتية:
• تقوم حركة حماس بالتركيز على استخدام استراتيجية بث الإشارات المتعاكسة، فمن جهة تقوم قيادة حماس بالتلميح بإمكانية العودة للتهدئة. وفي نفس الوقت تقوم القيادات العسكرية الميدانية بعمليات إطلاق الصواريخ والمقذوفات. الأمر الذي يشير إلى المغالطة القائلة: هل تخضع القيادة العسكرية للقيادة السياسية؟ أم أن القيادة السياسية (الموجودة في الخارج) تخضع للقيادة العسكرية (الموجودة في داخل قطاع غزة)؟
• تقوم إسرائيل بالتركيز على استخدام استراتيجية بث الإشارات المتعاكسة، فمن جهة تقول القيادات السياسية الإسرائيلية بضرورة التزام التهدئة واستئناف عملية سلام الشرق الأوسط. وفي نفس الوقت تقول القيادات العسكرية الإسرائيلية بضرورة توجيه الضربات ضد حركة حماس. وذلك لأن مبدأ الحفاظ على قوة الردع الإسرائيلي يتطلب ذلك.
هذا، وبعيداً عن الساحة الفلسطينية والإسرائيلية، وتحديداً في واشنطن توجد بعض العناصر التي تساعد بقدر كبير في إكمال المشهد:
• ترغب إسرائيل في استغلال الاضطرابات الشرق أوسطية الجارية حالياً، وتحديداً من خلال استخدام تحركات حركة حماس الدبلوماسية والعسكرية، هذا وتحاول تل أبيب تخفيف المفاجأة لجهة القيام بتوجيه ضربة عسكرية شاملة ضد قطاع غزة بما يتيح لإسرائيل السيطرة على خط الحدود بين القطاع والأراضي المصرية، إضافة إلى استعادة السيطرة الإسرائيلية على منطقة وسط القطاع التي سبق أن أقامت فيها إسرائيل المناطق الاستيطانية، وذلك بما يتيح لإسرائيل بالنتيجة: فصل قطاع غزة إلى جزئين شمالي يضم مدينة غزة والمخيمات المجاورة لها، وجنوبي يضم مناطق رفح وخان يونس ودير البلح، إضافة إلى السيطرة على الحركة بين القطاع والأراضي المصرية بشكل كامل.
• تنظر واشنطن إلى النوايا الإسرائيلية بالمزيد من التحفظ والشكوك، وذلك لإدراك واشنطن المتزايد بأن إشعال الإسرائيليين لأي مواجهة عسكرية ضد قطاع غزة في هذا الوقت سوف تؤدي بالمقابل إلى إشعال الرأي العام العربي والإسلامي بما سوف لن يؤدي سوى إلى تهديد استقرار حلفاء واشنطن في المنطقة: النظام الملكي الأردني ـ النظام الملكي السعودي ، النظام الملكي المغربي ـ والسلطة الفلسطينية إضافة إلى تعزيز قوة ونفوذ الحركات الإسلامية في المنطقة.
هذا، وتشير المعطيات والوقائع الجارية إلى أن واشنطن قد سعت بالتنسيق مع بريطانيا وفرنسا إلى القيام بعمل دبلوماسي يتيح إجهاض النوايات العدوانية الإسرائيلية بشكل مبكر واستباقي، وذلك من خلال عقد اجتماع اللجنة الدولية الرباعية لعملية سلام الشرق الأوسط والتي تضم (أمريكا ـ روسيا ـ الأمم المتحدة ـ الاتحاد الأوروبي)، وبالفعل، فقد انعقدت في العاصمة البريطانية لندن ثلاثة اجتماعات هامة هي:
• اجتماع لجنة الارتباط: ركز على مناقشة تحسين أوضاع الفلسطينيين في الضفة والقطاع.
• اجتماع اللجنة الرباعية: ركز على مناقشة كيفية العودة لمحادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
• اجتماع مجموعة 3+3: ركز على مناقشة الملف الإيراني.
هذا، وأشارت التسريبات إلى أن تل أبيب قد سعت إلى إرباك هذه الاجتماعات الثلاثة، من خلال استخدام الضربة الدبلوماسية الاستباقية، عندما سعت إلى مطالبة واشنطن بضرورة أن تلتزم هذه الاجتماعات الثلاثة بمناقشة الملفات وفقاً لمنظور واحد هو: الموازنة الدقيقة لمصالح الأمن القومي الإسرائيلي بما يتيح لإسرائيل من جهة حق توجيه الضربات متى أحست بالخطر. ويمنع الأطراف الأخرى من حق توجيه الضربات ضد إسرائيل!؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد