الولايات المتحدة الدكتاتورية
الجمل ـ * ستيفن غوانس ـ ترجمة رنده القاسم:
خلال خطاب ألقاه في ضاحية بيروت الجنوبية الثالث و العشرين من تشرين الأول 2015 ، قدم السيد حسن نصر الله، قائد حزب الله المنظمة المقاومة المتجذرة في المجتمع الشيعي اللبناني، وصفا لإمبريالية الولايات المتحدة يتفق بشكل كبير مع وصف العلمانية الغربية المعادية للإمبريالية....
تأسس حزب الله بداية ثمانينات القرن العشرين لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان. و مع انسحاب إسرائيل عام 2000، و ما تبعه عام 2006 من هجوم إسرائيلي تصدى له مقاتلو حزب الله، بقيت منظمة المقاومة الحارس ضد أي اعتداءات إسرائيلية في المستقبل. و هي تقوم الآن بمساندة الجيش العربي السوري في معركته المصيرية ضد الإسلاميين السنة المتطرفين، و من بينهم داعش و جبهة النصرة، و هذه الفروع عن القاعدة تشكل خطرا وجوديا على المجتمع الشيعي في لبنان، ما يفسر سبب اختيار حزب الله الدخول في الصراع.
و قال نصر الله أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية يقودها مالكو النفط و شركات الأسلحة، لا منظمات حقوق الإنسان....
و فيما يلي تلخيص لآراء نصر الله إذ يقول:
الولايات المتحدة تريد من الشرق الأوسط أن يكون تحت سيطرتها السياسية و العسكرية و الأمنية و الاقتصادية و الثقافية...
تستخدم واشنطن إسرائيل كأداة لتعزيز أجندتها.
تعتمد إسرائيل من أجل وجودها على الولايات المتحدة، و إذا توقف الدعم المالي و الاقتصادي و العسكري الذي تؤمنه واشنطن لتل أبيب، سينتهي وجود إسرائيل...
ضحايا إسرائيل هم الفلسطينيون و اللبنانيون ، فكلاهما عانى من الاحتلال و المذابح على يد إسرائيل.
اللوم على أفعال إسرائيل يقع على واشنطن، سيد إسرائيل، أكثر من نيتينياهو و جيشه الإرهابي...و لهذا فان الفلسطينيين و اللبنانيين الضحايا الرئيسيون لمشروع هيمنة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط....
سياسة الولايات المتحدة الخارجية ترمي إلى نهب نفط المنطقة و الغاز و الثروات، و يقودها مالكو النفط و شركات الأسلحة ، لا منظمات حقوق الإنسان..
بالطبع ، كل حديث واشنطن عن حقوق الإنسان و الديمقراطية بلا معنى, فكبرى الدكتاتوريات في المنطقة ترعاها الولايات المتحدة، و هذه الدكتاتوريات تنتهك حقوق الإنسان و تزدري الانتخابات (في إشارة إلى حلفاء الولايات المتحدة مصر و السعودية و قطر و البحرين).
حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لاشيء سوى حكومات محلية يرأسها ملك أو رئيس مناسب لواشنطن. و قرارات الحرب و السلام و السياسات الخارجية و الأسواق بيد سيدهم، الولايات المتحدة..
الجوانب العقابية في السياسة الخارجية الأميركية تستهدف كل من يرفض الخضوع لهيمنة الولايات المتحدة، بمعنى آخر، يرفض أن يغدو امتدادا محليا لحكومة الولايات المتحدة (و ضمنا شركات النفط و الأسلحة المسيطرة عليها) . و من يتخذ قراراته وفقا لمصالح دولته مرفوض من قبل الولايات المتحدة.
على سبيل المثال، كل عداء واشنطن لإيران سببه رغبة الأخيرة بأن تكون دولة حرة و مستقلة تمتلك اقتصادها و تسيطر عليه و تحافظ على كرامة شعبها. ما يعني أنها ترفض هيمنة الولايات المتحدة و بالتالي هي منبوذة من واشنطن.
شنت واشنطن حروبا بالوكالة ضد تلك الدول الساعية لأن تغدو قوية و مستقلة. و الولايات المتحدة تشن حربا بالوكالة في الشرق الأوسط على كل من يرفض الخنوع لهيمنتها. و الوكلاء هم جهاديون إسلاميون سنة متطرفون طائفيون، أو تكفيريون (بما فيهم وليدتا القاعدة داعش و جبهة النصرة و الأخيرة تقوم البربوغندا الأميركية المضللة الآن بإعادة تصنيفها على أنها متمردون معتدلون) . القائد الحقيقي و المنسق للتكفيريين هو الولايات المتحدة بمساندة حلفائها الإقليميين (في إشارة الى تركيا و السعودية و قطر)
اليوم تخبرنا واشنطن أنه إما علينا أن نكون عبيدا للولايات المتحدة أو ستحاصرنا و ترسل لنا مفجرين انتحاريين.
الحرب الحالية ليست لأجل الإصلاحات و الديمقراطية و حقوق الإنسان و القضاء على الفقر أو مكافحة الجهل، و لكنها من أجل إخضاع أولئك الذين يرفضون طموحات الولايات المتحدة في الهيمنة".......
و وصف نصر الله إسرائيل بأنها أداة تنفيذية لتحقيق هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ما يستدعي للذهن تعليق المفكر الفلسطيني وليد خالدي إذ قال: "بالنسبة للكثيرين من العرب، إسرائيل هي جسر الإمبريالية الأميركية للشرق الأوسط و وكيلها"
وصف نصر الله السياسة الخارجية للولايات المتحدة على أنها مبينة على النموذج الشائع لقيادة الولايات المتحدة التي تفسح مجالا صغيرا أمام بقية الدول من أجل تحديد طريقها و إتباعه. و على الأقل هناك شخص قريب من السياسة الخارجية الأميركية يقر بأن هذا الرأي دقيق. انه آنا مونتيس ، التي كانت ليلة الحادي عشر من أيلول أكبر محلل للشؤون الكوبية في البنتاغون، و قد شجبت السياسية الخارجية الأميركية "لعدم احترامها حق كوبا بالقيام برحلتها الخاصة نحو قيمها المتعلقة بالمساواة و العدالة".. ما يوازي اتهام نصر الله واشنطن بأنها ترفض السماح لإيران بأن تغدو دولة حرة و مستقلة تمتلك اقتصادها و تسيطر عليه و تحافظ على كرامة شعبها، و أن الولايات المتحدة تعاقب الدول التي تغدو قوية و مستقلة..
ناضلت مونتيس دون نجاح لفهم لماذا تستمر واشنطن بالإملاء على الكوبيين كيفية اختيارهم لقادتهم، و أي قوانين هي الأنسب لأرضهم. تماما مثلما يتوجب على الكثير من السوريين ، و على ضوء إصرار واشنطن على تنحي رئيسهم، النضال من أجل فهم لماذا تملي الولايات المتحدة عليهم كيفية اختيار قادتهم و من لا يمكنه أن يكون قائدهم...
تساءلت موتتيس: "لماذا لا يمكننا أن ندع كوبا تسلك رحلتها الداخلية الخاصة ، كما تفعل الولايات المتحدة منذ أكثر من قرنين؟"
و لماذا لا تدع واشنطن سوريه و إيران تقومان بالشيء نفسه؟ و الجواب ،وفق تحليل نصر الله ،واضح. فلا يمكن السماح لسورية و لا إيران ، أكثر من كوبا، بامتلاك اقتصادياتهم الخاصة و السيطرة عليها، لأن هذا يتعارض مع طموحات الشركات النخبة التي تسيطر على صناعة السياسة في الولايات المتحدة.
و مع انزعاجها من افتقاد واشنطن للتسامح و الفهم حيال طرق الآخرين المختلفة، تبعت مونتيس ضميرها ، و زودت السلطات الكوبية بمعلومات حول منصات تجسس نصبها سرا جواسيس أميركيون في كوبا للمساعدة على تقويض حق كوبا بإتباع طريقها الخاص. و بسبب جهودها لأجل إعاقة الظلم، حكمت بالسجن خمسة و عشرين عاما بتهمة التجسس. و وصفت بأنها "أهم جاسوسة على الإطلاق"، و لكنها أيضا من بين "أهم سجناء الضمير" و التي لن تتحدث عنها العفو الدولية التي تدعي أنها نصيرة سجناء الضمير. و هذا يضاف إلى قائمة المواقف التي اتخذتها هذه المنظمة الإنسانية لصالح الإمبريالية الأميركية و التي بسببها اكتسبت سوء السمعة و تضم القائمة:
*انتقاد ويكيليكس لتسريب أسرار الولايات المتحدة.
*الترويج ، و دون أدلة، لامتلاك إيران لبرنامج أسلحة نووية.
*عدم التطرق لعقوبات الولايات المتحدة ضد كوريا الشمالية، و هو أطول برنامج حرب اقتصادية و الأكثر شمولية في تاريخ البشرية، في تقرير حول تقوض نظام الرعاية الصحية في هذا البلد. و عوضا عن ذلك عزت العفو الدولية صعوبات الرعاية الصحية في كوريا الشمالية فقط إلى القرارات التي اتخذتها بيونغ يانغ ، تماما مثل تحميل صدام حسين مسؤولية موت أعداد لا تحصى من الأطفال العراقيين خلال تسعينيات القرن العشرين، عوضا عن لوم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة.
*تعيين سوزان نوسل، الموظفة لدى وزارة الخارجية الأميركية، مديرا تنفيذيا لمنظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة الأميركية، و هي المرأة التي دعمت الغزو الأميركي غير الشرعي للعراق و كذلك الخيار العسكري لإجبار إيران على التخلي عن حقها، وفق القانون الدولي، في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية.
* اقتصار انتقادها للاعتداءات العسكرية الأميركية على التساؤل حول ما إذا كانت تتم بالتوافق مع قوانين الحرب أو كانت انتهاكا للقانون الدولي. الأمر الذي يمنح الأولوية لمبدأ (العدالة في طريقة قيادة الحرب) و لا يتطرق إلى مبدأ (عدالة الحرب) و هي الإستراتجية التي وفرت على العفو الدولية الحديث علنا عن أفظع الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة و حلفاؤها، لأن حروب واشنطن و أتباعها، لا يمكنها أن تلتقي مع معايير (عدالة الحرب)..
*المطالبة بفرض حظر أسلحة دولي على الحكومة السورية لا على المتمردين المدعومين من قبل الولايات المتحدة و حلفائها و من بينهم السعودية المبغضة لحقوق الإنسان.
غير أن أفظع خدمة قدمتها العفو الدولية لبروبوغندا السياسة الخارجية الأميركية كانت عام 1991، عندما نشرت تقريرا خلال التحضير لحرب الخليج جاء فيه أن جنودا عراقيين ألقوا أطفالا كويتيين خارج الحاضنات. و كانت هذه خدعة، دبرتها ابنة السفير الكويتي لدى الولايات المتحدة و قام بتنسيقها مؤسسة العلاقات الدولية Hill &Knowlton و التي تم استئجارها لشن حملة بروبوغندا من أجل حصد التأييد العام للحرب الأميركية على العراق. و عندما ظهر الرئيس جورج بوش على التلفاز لكي يعلن أنه يهيئ للحرب على العراق، كان يحمل نسخة من تقرير العفو الدولية في يديه.
الولايات المتحدة و حلفاؤها، وفقا للروايات المفضلة و المدعومة بشكل كبير من العفو الدولية، أبطال حقوق الإنسان تستهدف حروبهم في الخارج أعداء حقوق الإنسان، و لهذا هي شرعية بل و حتى جديرة بالثناء. و لكن فكرة أن السياسة الخارجية الأميركية مستلهمة من حقوق الإنسان، كما قال نصر الله، هراء تام.
و سجينة الضمير التي تجاهلتها العفو الدولية ، آنا مونتيس، لا تزال جريئة رغم مرور عقد و نصف من الاحتجاز في سجن نساء ذي تدابير أمنية كبيرة في الولايات المتحدة، و تقول: " السجن هو آخر الأماكن التي اخترت أن أكون فيها، و لكن هناك أمور في الحياة تستحق الذهاب للسجن من أجلها"...
كم تبدو منظمة العفو الدولية صديقة الإمبريالية مثيرة للشفقة أمام شجاعة آنا مونتيس، كم هو خسيس تواطؤها مع الإمبريالية أمام تحدي نصر الله و الأعداء الآخرين الكثيرين للدكتاتورية الدولية التي تمارسها الولايات المتحدة و أصحاب مصارفها و ملياريراتها و مستثمريها و شركات النفط و أصحاب معامل الأسلحة.....
*كاتب و ناشط سياسي كندي..
عن موقع Information Clearing House
الجمل
إضافة تعليق جديد