تشابه الدور الإستعماري في الحرب الإسبانية والحرب السورية

18-06-2013

تشابه الدور الإستعماري في الحرب الإسبانية والحرب السورية

الجمل- جيروا أو كولما- ترجمة: د. مالك سلمان:

في مقابلة مع المحطة التلفزيونية الفرنسية (إل سي بي), قال وزير الخارجية الفرنسية السابق رولان دوما:
"سأقول لك شيئاً. كنت في إنكلترا في عمل قبل سنتين من اندلاع العنف في سوريا. التقيت بمسؤولين بريطانيين اعترفا لي أنهم يحضرون لشيء في سوريا.
كان ذلك في بريطانيا, وليس في أمريكا. كانت بريطانيا تحضر لغزو سوريا من قبل المتمردين. حتى أنهم سألوني, على الرغم من أنني لم أكن وزيراً للخارجية عندها, إن كنت أرغب في المشاركة.
وبشكل طبيعي, رفضت, وقلت أنا فرنسي, وإن ذلك لا يهمني."
ثم تابع دوما ليعطي المشاهدين درساً سريعاً حول السبب الحقيقي للحرب التي زهقت أرواح عشرات الآلاف من الناس حتى الآن:
"تعود هذه العملية إلى وقت بعيد. فقد تم تحضيرها والتخطيط لها بعناية ... في المنطقة, من الضروري أن نعرف أن هذا النظام السوري معادٍ لإسرائيل.
وبالتالي فإن أي شيء يحصل في هذه المنطقة مرتبط بهذه الحقيقة – وقد قال لي رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ‘سنحاول التفاهم مع جيراننا, لكن سندمر كل من لا يتفق معنا.،
إنه نوع من السياسة, نوع من رؤية التاريخ, في نهاية المطاف. لكن يجب أن يعرف الناس ذلك."
دوما وزير خارجية فرنسي متقاعد ملزم بشيء من التكتم والتحفظ في كشفه عن بعض الأسرار التي تؤثر على السياسة الخارجية الفرنسية. ولهذا السبب قال "أنا فرنسي, وإن ذلك لا يهمني". إذ لم يستطع الكشف عن الدور الفرنسي في الخطر البريطانية كيلا يعرضَ نفسَه للمساءلة القانونية بسبب فضح أسرار الدولة.
هناك الكثير من العملاء الذين يمارسون التضليل الإعلامي في الصحافة البريطانية والفرنسية, والعديد منهم مراسلون ومعلقون حربيون ‘يساريون’ معروفون حاولوا نشر معلومات كاذبة مفادها أن إسرائيل تدعم الأسد في السر. وأولئك الذين يروجون لمثل هذه الشائعات هم إما أغبياء, أو جهلة, أو عملاء للناتو وإسرائيل يعمدون إلى تضليل الرأي العام.
لقد تم الاعتراف بدعم إسرائيل لمتطرفي القاعدة في سوريا من قبل الصحافة الرسمية. فعلى سبيل المثال, نشرت الصحيفة الألمانية "داي ڤيلت" تقريراً في 12 حزيران/يونيو حول العناية الطبية التي تقدمها إسرائيل لمقاتلي القاعدة.
خططت إسرائيل لحرب الإبادة هذه منذ سنوات بعيدة تبعاً ﻠ "خطة يينون" التي تشجع على "بَلقنَة" جميع الدول التي تشكل تهديداً لإسرائيل. ويستخدم الكيان الصهيوني بريطانيا وفرنسا لإقناع إدارة أوباما لإرسال مزيد من الجنود الأمريكيين لكي يموتوا في سوريا نيابة عن تل أبيب.
من بين كافة الدول المعتدية على سوريا, كانت إسرائيل الأكثر صمتاً منذ البداية. وهذا لأن لوران فابيو, وفرانسوا أولان, ووليم هيغ, وديفيد كاميرون يفعلون ما في وسعهم لجرِ "لويثان" إسرائيل الأمريكي إلى حرب مدمرة أخرى تمكن إسرائيل من الهيمنة على احتياطي الطاقة في الشرق الأوسط, ومن ثم احتلال مكان الولايات المتحدة بصفتها الدولة المسيطرة في العالم. كما كان من الضروري بالنسبة إلى تل أبيب التزام الصمت كيلا تفضحَ دورَها في ‘الثورات’, مع الأخذ بعين الاعتبار أن المتعصبين الجهاديين لا يدركون أنهم يقاتلون لصالح إسرائيل.
هذه هي الإيديولوجيا الصهيونية التي لم تعد تكترث باليهود إلا بقدر اكتراثها بأعدائها المستهدفين. فمن المقرر أن تصبحَ المستعمرة اليهودية دولة حاكمة في الشرق الأوسط في خضم هذيان جنوني مفاده أن ذلك سيمكنها من احتلال مكانة أمريكا كقوة كونية مهيمنة, هذا بعد انهيار الولايات المتحدة التي تخوض الحروبَ الإسرائيلية.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي مرة لمقدم برنامج "توك شو" الأمريكي بيل ماهر [كوميديان أمريكي/يهودي] أن السرَ الكامن وراء انتصار إسرائيل في النزاعات القصيرة, بينما تغرق الولايات المتحدة في حروب طويلة لا تنتهي, هو – كما قال – "هو أنه لدينا أمريكا".
لكن إسرائيل نفسها تتهاوى ببطء. فإذا استبعدَ المرء الشعب الفلسطيني المستعبَد, لا تزال الدولة اليهودية تملك أعلى مستوى من الفقر في العالم المتطور مع ازدياد عدد اليهود الذين يقررون مغادرة الأرض ‘الموعودة’, وهي دولة عسكرية يقودها رجال مجانين, وكيان معادٍ للسامية يهدد بإغراق العالم في الحروب والدمار. فإسرائيل لا تهتم بالطبقة العاملة اليهودية إلا بقدر اهتمامها بأي مجتمع إثني آخر.
وفي الحقيقة, إذا نجح محتالو الليكود الذين يديرون المستعمرة الإسرائيلية في تنفيذ سياساتهم, فسوف يكون أبناء الطبقة العاملة الإسرائيلية أولَ من يدفع ثمن هذه السياسات إذ إنهم مجندون في الجيش لمقاتلة الإرهابيين الذين خلقتهم حكومتهم نفسُها. فمع احتجاجات اليهود الأرثوذكس في شوارع نيويورك ضد إسرائيل, ومع معارضة الأقلية اليهودية "الهاريدي" للنزعة العسكرية القوية في إسرائيل, تتعرض الصهيونية لهجمات متزايدة من قبل السلطات الدينية اليهودية واليهود من غير الصهاينة داخل الأراضي المحتلة وخارجها.
ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها رولان دوما ضد الحروب العدوانية التي شنتها الأنظمة الفرنسية المتعاقبة. فقد كشف أن الولايات المتحدة قد طلبت منه, عندما كان وزيراً للخارجية الفرنسية في إدارة ميتيران, أن ينظمَ عملية قصف ليبيا. لكن الفرنسيين رفضوا التعاون في تلك المناسبة. وقد عرض دوما, المحامي, الدفاع عن العقيد القذافي في "محكمة الجنايات الدولية" في حال اعتقاله من قبل الناتو.
كما أدانَ دوما بلهجة قوية القصف الفرنسي الوحشي الكولونيالي/الجديد لساحل العاج قبل ذلك, حيث تم إرسال فرق الموت والإرهابيين, الشبيهين بأولئك الذين تم استخدامهم لاحقاً في ليبيا وسوريا, لقتل الشعب العاجي بهدف تنصيب الدكتاتور الدمية ألاسان كواتارا, الذي كان "صندوق النقد الدولي" يريده. هذا على الرغم من أن جان زيغلر – عالم الاجتماع والعضو السابق في "اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان في الولايات المتحدة" – قد وصف غَباغبو على أنه أحد أعظم القادة الأفارقة في العشرين سنة الأخيرة.
كان غباغبو يخطط لتأميم البنوك ويستعيد السيطرة على عملة البلد من المؤسسات المالية الفرنسية الاستعمارية في باريس. كما كان يريد إزالة الآثار السلبية لإعادة الهيكلية التي قام بها "صندوق النقد الدولي" من خلال تأميم الصناعات وتأسيس خدمات صحية فاعلة ومجانية للجميع. وقد هددت كل هذه الخطط مصالحَ الشركات والمؤسسات الفرنسية في المستعمرة الفرنسية السابقة. ولذلك بدأت الأوليغاركية (حكم الأقلية) الفرنسية في البحث عن بديل مناسب يكون حارساً أميناً لمستعمرتها العاجية.
فقد أرسلوا العصابات الإرهابية المسلحة, أو ‘الثوار’ في لغة الإمبريالية المزيفة, التي ذبحت كل من رأته في وجهها, بينما قام الإعلامُ الفرنسي بتحميل الرئيس غباغبو المسؤولية عن العنف الحاصل في البلاد. وكان غباغبو والقذافي قد عارضا "آفريكوم", وهي خطة البنتاغون لإعادة استعمار أفريقيا. وكان ذلك سبباً آخرَ لقصف البلدين الأفريقيين لاحقاً.
هناك الصيغة نفسها دائماً. الإمبريالية تدعم ‘المتمردين’ كلما تعرضت مصالحُها للخطر من قبل الأنظمة التي تحب بلدانَها أكثرَ من الشركات الأجنبية. ويجب ألا ننسى أنه خلال "الحرب الأهلية الإسبانية" (1936), كان الجنرال فرانكو وزمرته ‘متمردين’ أيضاً وقد تم إيصالهم إلى الحكم, كما حدث مع نظرائهم في ليبيا في سنة 2011, عن طريق قصف القوى الأجنبية لبلدهم, حيث تم استبدال إدارة جمهورية تقدمية بمجموعات فاشية.
هناك متعصبون مؤيدون لإسرائيل في فرنسا استخدموا مثالَ "الحرب الأهلية الإسبانية" كتبرير للتدخل في ليبيا وسوريا. والمتفلسف هنري- برنار ليفي أحد هؤلاء. وبالطبع فإن الجاهل ليفي لا يدرك أن سببَ عدم تدخل فرنسا وإنكلترا والولايات المتحدة بشكل رسمي في "الحرب الأهلية الإسبانية" هو أن هذه الدول كانت تدعم ‘الثوار’ بشكل سري منذ البداية. حيث قامت بتزويد ‘المتمردين’ الفرانكويين بشحنات الأسلحة بالإضافة إلى منع وصول الأسلحة إلى الحكومة الإسبانية التي كانت – مثل سوريا اليوم – تتلقى المساعدة من موسكو. وأي شخص درس "الحرب الأهلية الإسبانية" يعرف أن جميعَ البلدان الرأسمالية كانت تدعم فرانكو ليكونَ سداً في وجه الشيوعية.
ليس هناك شيء تحبه الإمبريالية أكثر من متمرد بلا قضية. لكن الإمبريالية تكره الثوار. ولهذا السبب يتم تسويق ‘المتمردين’ الذين ترسلهم الإمبريالية إلى بلدان أخرى نيابة عن البنوك والشركات الأجنبية بصفتهم ‘ثواراً’ لكي تضمنَ دعمَ البرجوازية الصغيرة والمعاتيهَ ‘اليساريين’ من أمثال حركة "الديمقراطية الآن" ومثيلاتها.
إن دوما ليس المسؤولَ الفرنسي الرفيع الوحيد الذي يهاجم "النظام العالمي الجديد". فقد كتب السفير الفرنسي السابق إلى سوريا, ميشيل ريمبو, كتاباً في سنة 2012 يحمل عنوان "السودان ولعبة الأمم" يكشف فيه كيف قامت إسرائيل بالتخطيط والتحريض على حرب أهلية في جنوب السودان بهدف بَلقنة بلدٍ تقوده حكومة مؤيدة للفلسطينيين. كما فضحَ المجموعات الإعلامية المؤيدة لإسرائيل ومنظمات ‘حقوق الإنسان’ غير الحكومية التي اختلقت السردَ ‘الإنساني’ الداعي إلى التدخل العسكري من قبل الولايات المتحدة في النزاع.
تمت تغطية هذا الموضوع بشكل كامل من قبل صحفي التحقيقات الأفريقي تشارلز أونانا في كتابه "البشير ودارفور: " (2009).
هناك الكثير من المسؤولين الفرنسيين الآخرين الذين يتحدثون عن السياسات المدمرة لهذه الحكومة الفرنسية, ومن بينهم الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية الداخلية, إيڤ بونيه. كما تحدثت بعض التقارير عن انشقاقات في القوات المسلحة الفرنسية وأجهزة الاستخبارات.
بعد اغتيال العقيد القذافي في تشرين الأول/أكتوبر 2011, قال السفير الفرنسي السابق إلى ليبيا, كريستيان غراييف, للمحطة الإذاعية الفرنسية "فرانس كولتور" إن السفارة الفرنسية كانت مسؤولة عن نشر الأكاذيب والدعاية الحربية نيابة عن الناتو خلال الحرب. كما حذرَ غراييف المذيعين من أن مثل هذا النوع من التضليل يليق بعقول العبيد وليس بعقول أناس يعيشون في بلد حر.
إن تأثيرَ اللوبي الإسرائيلي في فرنسا موضوع نادراً ما يتم الحديث عنه في الدوائر الراقية. فهناك قانون في فرنسا يمنع التشكيك في "الهولوكوست" أو إنكاره. لكن إنكارَ الهولوكوست الكوري, أو الفلسطيني, أو الإندونيسي, والإبادات الجماعية الأمريكية/الإسرائيلية ليس قانونياً فقط, لكنه عرف طبيعي محترم.
إن نفس اللوبي الذي أقرَ قانون "لوا غيسو" في سنة 1990, الذي قضى على حرية التعبير في فرنسا, يسعى أيضاً إلى حظر أي تحقيق مستقل في الإبادات الجماعية التي كتبَ سرودَها هذا اللوبي, مثل الإبادة الجماعية في راوندة, حيث لعبت إسرائيلُ دوراً أساسياً في دعم ‘المتمردين’ بقيادة بول كاغام الذي غزا راوندة من أوغندة بين سنتي 1991 و 1994, مما أدى إلى إبادة "التوتوز" و "توتسيز". وقد كتب العديد من الباحثين المرموقين عن الإبادة الجماعية في راوندة, والتي يستخدمها اللوبي الإسرائيلي كدراسة تطبيقية لتبرير التدخل ‘الإنساني’ من قبل القوى الغربية. وتسعى الشرطة الفكرية الصهيونية إلى ملاحقة مثل هؤلاء الكتاب بسبب ‘رفضهم’ للأكاذيب الإمبريالية المقرفة حول الصراعات الأفريقية.
والآن, يجبر اللوبي الإسرائيلي الحكومة الفرنسية على ملاحقة رسائل "تويتر" التي يصنفها هذا اللوبي على أنها ‘معادية للسامية’. وهذه خطوة أخرى في عملية خلق دولة شمولية حيث يمكن لأي نقد للإمبريالية, أو الحروب الخارجية, أو العرقية, أو الاضطهاد, وربما الرأسمالية نفسها فيما بعد, أن يقعَ في خانة ‘معاداة السامية’.
لقد قرفَ الناس, وأولئك الذين يخضعون لهم مقرفون أكثر. وربما ليس من قبيل المصادفة أن يتقاطع أصل كلمة "قرف" مع الكلمة الألمانية "سيكرهايت" ("الأمن"). لأن المقرفَ في مجتمعنا هو
عبادة الأمن, والمراقبة الدائمة, والكاميرات المنصوبة في كل مكان, عبادة العين التي ترى كلَ شيء, والتحديق الشبق الذي يشكل جزأ من الخطاب المستمر حول الإرهاب من قبل أولئك المتخصصين في نفس الإرهابيين الذين يدعون حمايتنا منهم. فسواء كان هناك رابط لغوي بين كلمتي "الأمن" و "القرف" أم لا, إلا أنهما مرتبطتان بالمعنى الفلسفي.
يجب احترام رولان دوما وأمثاله لتجرؤهم على قول ما يخشى الكثيرون من الفاسدين أخلاقياً, والضعفاء, والجبناء, الاعتراف به.
بينما تقوم الحكومة الفرنسية ووكالات الإعلام المرتبطة بها بقرع طبول الحرب على سوريا, يقوم رولان دوما – في خريف عمره – بتحذير الناس من عواقب جهلهم بالمصير الذي تقود إسرائيل العالمَ إليه. فهل من آذان صاغية؟

http://www.globalresearch.ca/former-french-foreign-minister-the-war-against-syria-was-planned-two-years-before-the-arab-spring/5339112

تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 15 حزيران/يونيو 2013)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...