تقرير عن حالة القوات العسكرية الأمريكية اليوم
مقدمة: من الجوانب الهامة المرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية المتقدمة هي القدرة على مواجهة الذات ونقدها وإعادة تقييم الواقع المعيش والمجالات المختلفة المرتبطة به، وبشكل خاص تلك المتعلقة بمستقبل أمريكا وقدرتها على الحفاظ على مكانتها المتقدمة بين الأمم. وفي هذا الإطار يمكن للمرء أن يذكر تقرير "أمة في خطر" الصادر عام 1983 والذي تناول بدقة متناهية واقع التعليم الأمريكي في ذلك الوقت وتخلفه قياسا لغيره من الدول الغربية الأخرى. وهو التقرير الذي ترتبت عليه العديد من الإصلاحات الجوهرية في واقع التعليم الأمريكي. ولا ينفصل التقرير الحالي الذي صدر عن دورية "الفورين بوليسي" الأمريكية، والذي يتناول واقع الجيش الأمريكي المعاصر، وقدراته المختلفة في مواجهة التحديات الآنية والمستقبلية التي تواجهه، عن قدرة أمريكا على مواجهة ذاتها، وتجديد أحوالها.
وتنبع أهمية التقرير أنه قد تأسس بناء على مسح واسع للعديد من الرتب العسكرية العليا في الجيش الأمريكي، عبر كافة أفرع القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية. فالتقرير ليس نتاج فكر نظري، أو نتاج لآراء شخصية، بقدر ما يرتبط بمسح اشتمل على 3400 ضابط أمريكي من الرتب العسكرية العليا المختلفة، التي خدمت في الجيش الأمريكي لفترات طويلة، سواء من بين العاملين الحاليين أو من بين المتقاعدين. ويمثل التقرير تقييما واسعا للجيش الأمريكي وقدرته على مواجهة حروب مستقبلية جديدة في العديد من المناطق الساخنة حول العالم مثل إيران وكوريا الشمالية وسوريا.
إن أي قراءة عابرة لنتائج هذا التقرير القائم على المسح الميداني تكشف عن التدهور الواسع المدى الذي يواجه الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان، بل إن التقرير يبين كيف أن هذين الحربين هما الأطول في الحروب الأمريكية في القرن العشرين،باستثناء ما حدث في فيتنام. كما أن التقرير يكشف عن مسألة بالغة الأهمية تتمثل في الضعف الكبير الذي يشمل كافة أفرع الجيش الأمريكي، والصعوبة التي تواجه القوات الأمريكية في مواجهة أية حروب جديدة قد تندلع هنا أو هناك.
إن هذه الجوانب السلبية المختلفة، وعدم قدرة السياسة الأمريكية على خلق مشروع حقيقي لأمريكا اليوم قد أدي بالكثيرين إلى الفرار من الالتحاق بالقوات الأمريكية. وهي المعضلة الكبرى التي تواجه الجيش الأمريكي المعاصر حيث ذلك النقص الهائل في أعداده، وهو الأمر الذي يرشح لالتحاق العديد من المجرمين والقتلة والراغبين في التجنس بالقوات الأمريكية، إضافة إلى المتقدمين في السن، وهو الأمر الذي يضعف الجيش الأمريكي في المستقبل، ويفسر تلك السلوكيات الدموية التي يقوم بها الكثير من أفراد القوات الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان. إن الواقع العسكري الأمريكي أسوأ مما كان عليه في فترات تاريخية سابقة، ففي ظل ضعف القيادات السياسية الأمريكية وعدم إلمامها بأحوال الجيش الأمريكي، وفي ظل عدم وجود أسس أخلاقية واضحة للتدخلات الأمريكية الواسعة في الكثير من أرجاء العالم، وفي ظل الهزائم المتواصلة اللاحقة بالجيش الأمريكي في الكثير من مناطق العالم يتحول العديد من أفراد الجيش الأمريكي إلى مجرد مجموعة من القتلة الذين يستقوون بسلاحهم من جانب، ويفتقدون أية أطر أخلاقية ومهنية في معاركهم العسكرية من جانب آخر. يأتي هذا التقرير في موعده تماما ليكشف لنا تلك الحالة المزرية للجيش الأمريكي، وليكشف لنا أيضا العوامل المختلفة التي تجعل إيران تتحرك بحرية تامة في المنطقة.
الترجمة:
قامت مجلة الفورين بوليسي Foreign Policy بالتعاون مع مركز الأمن الأمريكي الجديد Center for a New American Security في عددها الأخير) مارس/أبريل 2008( بمسح فريد من نوعه لـ 3400 ضابط أمريكي متقاعد وعامل من المستويات القيادية العليا عن حالة الجيش الأمريكي اليوم. لقد أكد الضباط على أن توسع وانتشار القوات العسكرية الأمريكية يتم الآن بدرجة كبيرة من الضعف، كما أن أمريكا غير مستعدة اليوم لخوض غمار أية حروب أخرى جديدة.
فاليوم تشتبك الولايات المتحدة في حروب أكثر صعوبة وضراوة لم تشهدها منذ عقود طويلة. فقد دخلت الحرب المستمرة في العراق عامها الخامس، كما دخلت الحرب المستمرة في أفغانستان عامها السابع. وهي حروب طالت واستمرت أكثر من أي حروب أخرى خاضتها أمريكا في القرن الماضي، باستثناء الحرب في فيتنام. لقد جرح أكثر من 25000 ألف جندي أمريكي من الرجال والنساء، كما قتل أكثر من 4000 آخرين. ويضيف الانتشار في منطقة البلقان وفي شبه الجزيرة الكورية وفي مناطق أخرى من العالم أعباء أكثر على المصادر العسكرية الأمريكية المحدودة. ويمكن أن تجد الولايات المتحدة نفسها مدعوة في أي وقت للتدخل في أي من مناطق العالم الساخنة مثل إيران أو سوريا أو كوريا الشمالية أو مضيق تايوان، وهو ما يمثل أعباء زائدة على وضعية القوات المسلحة الأمريكية في المستقبل.
علاوة على ذلك، وعلى الرغم من مطالبة القوات العسكرية الأمريكية بالحفاظ على السرعة غير المسبوقة لعملياتها العسكرية في كافة أنحاء العالم، فإن الكثير من الأمريكيين يعلمون الآن بدرجة مخيفة القليل عن القوات المسئولة عن حمايتهم. وتقريبا، فإن ما نسبته 70% من الأمريكيين قد بينوا أن لديهم ثقة كبيرة في الجيش، ومع ذلك فإن أقل من واحد من بين كل عشرة أمريكيين قد خدموا في الجيش. كما أن الساسة غالبا ما يتحدثون بشكل إيجابي عن الجنود لكن أقل من ربع أعضاء مجلس النواب الأمريكي قد ارتدوا الزى العسكري. ومن غير الواضح إذا ما كانت الخطب والمقتطفات المؤثرة التي نسمعها من الساسة والخبراء تعكس الاهتمام بهؤلاء الذين يتولون حماية أمتنا.
ما هي الحالة الفعلية للجيش الأمريكي؟ وما هو مدى قدرة القوات المسلحة الأمريكية؟ وما هو مدى استعدادها للصراعات المستقبلية؟ وما هي تأثيرات الحروب في العراق وأفغانستان على وضعية هذه القوات؟ لكي يمكن الإجابة على هذه التساؤلات قامت مجلة الفورين بوليسي ومركز الأمن الأمريكي الجديد بإجراء مسح غير مسبوق للضباط الأمريكيين الحاليين والمتقاعدين. وينطلق التقرير من صعوبة الاتفاق حول تقييم الجيش، من هنا فإن الهدف الذي ارتكز إليه يتمثل في الكشف عما يراه الأفراد الذين ينتمون للقيادات العليا الأمريكية، وهم الأفراد الذين عملوا في الجيش خلال نصف القرن المنصرم، فيما يتعلق بحالة القوات العسكرية الأمريكية، وقدرات الجيش، ومسار الحرب في العراق، والتحديات المتوقعة. وهو واحد من المسوح القليلة التي أجريت حول الجيش الأمريكي خلال الخمسين سنة الماضية.
وبشكل عام فإنه تم سؤال ما يزيد على 3400 ضابط من درجة رائد أو رائد بحري أو يزيد عبر كافة أفرع القوات العسكرية، سواء أكانوا في الخدمة أو من المتقاعدين، والذين حازوا على مسؤوليات عسكرية مستقلة لفترات طويلة أو قصيرة. حوالي 35% من أفراد العينة جاءوا من القوات البرية، و33% من القوات الجوية، و23% من القوات البحرية، و 8% من العاملين في الأساطيل البحرية. ومئات عديدة من حملة الأعلام من رتبة أدميرال، ومن صفوة الجيش من رتبة أميرال وجنرال الذين خدموا في أعلى المناصب العسكرية. وتقريبا فإن ثلث أفراد العينة ينتمون إلى رتبة كولونيل أو نقيب من الذين يقع تحت إمرتهم آلاف الجنود والبحارة والطيارين. كما أن 37% من أفراد العينة حاملين لرتبة مقدم أو أقل، و 8% منهم قد خدموا في الجيش لأكثر من 20 عاما، و12% تخرجوا من واحدة من أهم الأكاديميات العسكرية الأمريكية، وأخيرا فإن أكثر من ثلثي أفراد العينة لديهم خبرات قتالية مع وجود نسبة تقارب 10% منهم قد خدموا في العراق أو أفغانستان أو في كليهما.
رأى هؤلاء الضباط أن الجهاز العسكري الأمريكي مُجهد اليوم بسبب المطالب المستمرة للحرب. فقد بين 60% من أفراد العينة أن الجيش الأمريكي أضعف اليوم مما كان عليه الحال منذ خمس سنوات. كما كشف أكثر من نصف أفراد العينة أن السبب وراء ذلك يعود إلى الحروب في العراق وأفغانستان وما تتطلبه هذه الحروب من سرعة نشر القوات. كما بين أكثر من نصف أفراد العينة بأن الجيش الأمريكي أضعف مما كان عليه الحال من عشر سنوات أو خمس عشرة سنة. وحينما تم توجيه التساؤل "عما إذا كانت متطلبات الحرب في العراق قد أضعفت الجيش الأمريكي"، أجاب ما نسبته 56% من الضباط بالرفض، ولا يعني ذلك أنهم لا يعون واقع القوات العسكرية الأمريكية، فتقريبا أجاب ما نسبته 90% من أفراد العينة بالقول بأنهم يعتقدون بأن متطلبات الحرب في العراق قد "أدت إلى انتشار القوات الأمريكية على نحو كبير من الضعف".
كما كانت كفاءة القوات البرية والأساطيل البحرية والقوات العسكرية التي تحملت عبء الحرب في العراق ذات أهمية كبيرة بالنسبة للحالة العسكرية الأمريكية اليوم. فقد تم سؤال الضباط عن مدى كفاءة كل سلاح ضمن الجيش الأمريكي من خلال استخدام متصل يبدأ بالرقم 1 وينتهي بالرقم 10، وعندما تشير الاستجابة إلى الرقم 1 فإن هذا يعني أقل كفاءة للقوات المسلحة، والعكس صحيح عندما تشير الاستجابة إلى الرقم 10 فإن هذا يعني أقصي كفاءة للقوات المسلحة. لقد جاءت استجابات الضباط على المتصل كالتالي: 7.9 بالنسبة للقوات البرية، و 7.0 بالنسبة للأساطيل البحرية، وجاءت كفاءة القوات الجوية 5.7، أما المتوسط العام للقوات العسكرية بكافة أفرعها فقد بلغ 6.6. كما قال أكثر من 80% من الضباط بأنه في ضوء الضغوط الحالية الناجمة عن انتشار القوات الأمريكية فإنه من غير المعقول أن يقوم الجيش بالاشتباك في أية حروب كبرى جديدة. كما عبر الضباط عن انعدام ثقتهم في مدى استعداد الجيش للدخول في مثل هذه الحروب الجديدة. فعلى سبيل المثال قال الضباط بأن الولايات المتحدة غير جاهزة كلية للقيام بأي مهمات عسكرية ناجحة ضد إيران أو كوريا الشمالية.
أكد أغلب الجنود الأمريكيين على أن بعض القرارات السياسية التي اتخذت أثناء الحرب على العراق أعاقت إمكانية الانتصار في هذه الحرب. وتشمل تلك القرارات تقليص الفترة التي تقضيها الوحدات في أمريكا بين انتشارها وبين قيامها بتعيين جنود جدد لا يتوافقون مع المعايير العسكرية للجيش. كما أكد أغلب الجنود على أن قدرة الجيش على الاهتمام بالجانب العقلي لبعض جنوده ومحاربيه متخلفة قياسا للمعايير المتبعة.
ولا يُترجم هذا الوعي السلبي بالضرورة إلى قوة مُحررة من الوهم أو إلى تمرد وسخط. فلقد أكد ما نسبته 64% من الجنود إيمانهم بارتفاع المعنويات داخل الجيش. كما أبدى الكثير منهم اهتمامه بمستقبل القوات العسكرية الأمريكية. فعلى سبيل المثال، وبعد مرور خمس سنوات على الحرب في العراق أكد أغلب الضباط على أنه لا الصين ولا إيران وأيضا لا الولايات المتحدة قد ظهرت بوصفها المنتصر الاستراتيجي في الحرب. ومن المتوقع في الحقبة الحالية التي تنتشر فيها القوات الأمريكية بشكل مخيف ظهور العديد من التحديات الخطيرة التي سوف تواجه أمريكا.
وبخصوص ما يتعلق بالتهديدات العسكرية مثل الطموحات النووية الخاصة بإيران أو كوريا الشمالية فإن المسئولين الأمريكيين مغرمون بالقول بأن "كل الاحتمالات مطروحة". ولكن بالنظر للصراعات القائمة في كل من العراق وأفغانستان كيف يمكن الثقة بقدرة الولايات المتحدة اليوم على خوض عمليات عسكرية كبيرة أخرى بنجاح في مكان آخر من العالم؟ ووفقا للمسح الحالي فإن أغلب الجنود قد أجابوا بالنفي.
وبسؤال أفراد العينة عما إذا كان من المعقول أو من غير المعقول توقع قيام الولايات المتحدة بشن حرب أخرى ضخمة بنجاح الآن، أجاب ما نسبته 80% من الضباط بعدم معقولية ذلك. كما سُأل الضباط أيضا عن أربع مناطق ساخنة تتعلق بإيران وكوريا الشمالية وسوريا وتايوان، ومدى استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لخوض أي حروب كبيرة بنجاح إذا ما اندلعت الحروب في تلك المناطق. وباستخدام المتصل من 1 إلى 10، حيث يعني الرقم 10 الاستعداد التام من جانب الولايات المتحدة لخوض غمار الحرب بينما يعني الرقم 1 العكس تماما، جاء استعداد أمريكا لخوض الحرب مع إيران عند الرقم 4.5، بينما جاء متوسط استعداد الجيش الأمريكي للعمل في هذه المناطق الساخنة الأربع 4.8%.
وبالتأكيد فإن أي صراع مستقبلي يمكن أن يضعف بعض قطاعات الجيش أكثر من بعضها الآخر. فتحديد ماهية الأعباء التي يمكن أن تخلفها أي حرب على قطاع معين من قطاعات الجيش تعتمد على نوعية الأعداء، وجغرافية الصراع، والإستراتيجية التي يتبناها القادة الأمريكيون، إضافة إلى مجموعة أخرى من العوامل. وواحد من بين المحددات الخاصة بأي صراع مستقبلي يتعلق بمدى استعداد القطاعات العسكرية اليوم. وعندما سُأل الضباط بأن يقيّموا مدى استعداد كل قطاع من قطاعات القوات المسلحة الأمريكية على متصل من 1- 10، قيم الضباط مدى استعداد القوات البرية بأنه الأسوأ بمتوسط بلغ 4.7، بينما حصل كل من سلاح البحرية والقوات الجوية على أعلى تقييم وصل إلى 6.8 و 6.6% على التوالي. أما الأساطيل البحرية التي تشارك الجيش أكثر أعباء الحرب في العراق وأفغانستان فقد حصلت على تقدير أكثر قليلا من المتوسط العام للاستعداد حيث بلغت الدرجة 5.7، مع التذكير بأنه في أوقات الحروب من السهل الحديث بشكل صارم أكثر من إلقاء المحاضرات والحديث الناعم.
إن واحدا من أهم الجوانب التي تتعلق بالديمقراطيات الحديثة يتمثل في أن القادة المدنيين، وليس العسكريين، هم من يتخذون القرارات الإستراتيجية التي تتعلق بكل من الحرب والسلام، لكن ذلك لا يعني دائما أن القادة العسكريين يوافقون دائما على هذه القرارات أو لديهم الثقة بها.
وعندما سُأل أفراد العينة عن مدى ثقتهم في مؤسسات وإدارات الحكومة الأمريكية فإن الاستجابات كشفت عن مستوى ضئيل من الثقة تقريبا في كافة المؤسسات والإدارات. فعلى سبيل المثال، وعبر متصل من 1 – 10، حيث يعني اختيار الرقم 10 بأن الضباط لديهم ثقة كاملة في المؤسسات والإدارات الحكومية، بينما يعني الرقم 1 انعدام هذه الثقة، جاء مستوى ثقة الضباط عند الدرجة 5.5 بالنسبة لمؤسسة الرئاسة، حيث عبر ما نسبته 16% من أفراد العينة عن انعدام ثقتهم في الرئيس، وحصلت هيئة المخابرات الأمريكية على الدرجة 4.7، وحصلت وزارة الخارجية على 4.1، ووزارة شؤون المحاربين القدماء على 4.5، ووزارة الدفاع على 5.6، بينما حاز مجلس النواب على أقل تقدير من الثقة حيث حصل على 2.7 فقط.
وهذه النسبة الضئيلة من إدراك وضعية الإدارات الأمريكية والمسئولين الأمريكيين ربما تنبثق جزئيا من الحقيقة القائلة بأن غالبية الجنود الذين تم سؤالهم بخصوص حالة القوات العسكرية الأمريكية لا يؤمنون بأن القادة الأمريكيين المنتخبين لديهم الإلمام المناسب عن حالة الجيش الذي يشرفون عليه. فلقد بين ما نسبته 66% من أفراد العينة بأن قادة أمريكا المنتخبين إما أنهم لا يدركون أي شيء عن حالة الجيش الأمريكي أو يدركون بعض الشيء عنه.
كيف يمكن تطوير إدراك القادة المنتخبين عن حالة الجيش؟ أجاب الضباط بشكل جزئي بالقول عن طريق انتخاب قادة من بين هؤلاء الذين خدموا في الجيش فيما قبل. فقد وافق 9 من بين كل 10 أفراد على أنه في حالة ثبات باقي العناصر الأخرى فإن الجيش سوف يحترم رئيس الولايات المتحدة الذي خدم في الجيش فيما قبل أكثر من ذلك الذي لم يخدم فيه. فالبشر الذين نثق بهم أكثر هم هؤلاء الذين يوجد بيننا وبينهم قواسم مشتركة.
وبالنسبة للكثيرين، فإن واحدة من أكثر القضايا المثارة ضد استخدام الوسائل المثيرة للجدل عند استجواب المعتقلين في الحرب على الإرهاب تتعلق بأنه إذا ما استخدمت الولايات المتحدة التعذيب ضد المعتقلين فإنه من المرجح خضوع الجنود الأمريكيين إلى التعذيب حال وقوعهم في أيدي الأعداء. وهو المنطق ذاته المرتبط بالتوقيع على اتفاقية جنيف بعد الحرب العالمية الثانية، لكن المسح المرتبط بحالة القوات العسكرية الأمريكية اليوم يكشف عن أن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك اليوم.
فحينما سُئل الضباط عما إذا كانوا يوافقون على المقولة القائلة بأن "التعذيب مرفوض تماما" أو لا يوافقون عليها، انقسمت الآراء حيث أجاب ما نسبته 53% من أفراد العينة بالموافقة، بينما أجاب ما نسبته 44% بالرفض. كما أن ما نسبته 19% من الضباط، بما يعني تقريبا واحد من بين كل خمسة ضباط، قد أكدوا على رفضهم بقوة لمقولة "التعذيب مرفوض تماما". وحينما سُأل الضباط عما إذا كانوا يعتقدون بأن الإغراق في الماء يعتبر تعذيبا أم لا، انقسمت آراؤهم أيضا. فقد بين 46% منهم بأنهم يوافقون على الرأي القائل بأن الإغراق في الماء يعتبر تعذيبا، بينما رفض ذلك ما نسبته 43% من أفراد العينة.
وتكشف هذه النتائج عن الانقسام الحاد الموجود في العقلية العسكرية الأمريكية تجاه ما يتعلق بمسألة التعذيب وما يشكلها. كما تكشف أيضا أن أكثر القضايا الانفعالية والخلافية لا يمكن البت والقطع فيها حتى في ظل أجواء الحرب. فبعد مرور خمسة أعوام على الحرب في العراق فإن تقرير الحالة العسكرية في أمريكا قد كشف عن وجود رؤى سلبية عديدة بشكل كاسح فيما يتعلق بالعديد من أكثر القرارات المبكرة أهمية والتي شكلت مسار الحرب. فالكثير من الضباط يعتقدون بالحاجة للمزيد من القوات عند بداية الحرب على العراق، كما أنهم يعتقدون بخطأ تسريح الجيش العراقي فيما بعد.
وعندما طُلب من الضباط أن يضعوا على متصل من 1- 10 تقييما لأهم الأوامر العسكرية أهمية، بحيث يشير الرقم 10 إلى أن القرار المتخذ له انعكاسات إيجابية، بينما يشير الرقم 1 إلى أن القرار له انعكاسات سلبية، فإن الضباط قد منحوا تقييما للقوات العسكرية الأمريكية بلغ 3.1 عند بداية الحرب، بينما قيموا قرار تسريح القوات العسكرية العراقية عند الدرجة 3.1، وهو التقييم الذي يضع هذا القرار عند أدني السلم التقييمي الخاص بالقرارات العسكرية الأمريكية المختلفة. وعندما سُأل الجنود بشكل عام عما إذا كانت القيادة المدنية قد حددت أهدافا معقولة أو غير معقولة بالنسبة للجيش الأمريكي في مرحلة ما بعد سقوط صدام حسين، فإن ثلاثة أرباع الجنود قد بينوا أن الأهداف لم تكن معقولة.
ورغم ذلك، فإن الضباط لا يؤمنون بالضرورة بأن النصر صعب المنال، فتقريبا بين تسعة جنود من بين كل عشرة على سبيل المثال بأن إستراتيجية التمرد المضاد والدفع بقوات إضافية نحو بغداد والتي قام بها الجنرال ديفيد بيتروس، القائد الأعلى للقوات الأمريكية قي العراق، قد سارعت فرص أمريكا للانتصار في تلك الحرب.
لقد عاني الجيش الأمريكي في العام 2007 من عجز بلغ 3000 نقيب ورائد، وهو العجز المتوقع ازدياده إلى الضعف عام 2010. فما نسبته 58% من خريجي الويست بوينت لعام 2002 قد قدموا استقالاتهم في الوقت الذي ينتهي فيه تاريخ خدمتهم الإجبارية في العام 2007. وهذه الأوضاع المعاكسة وغيرها من الأمور المعاندة تمثل أوضاعا خطيرة من أجل تطوير أوضاع الجيش الأمريكي.
وفي ضوء النقص العددي الحاد، وتلك الظروف المعاندة للقوات المسلحة الأمريكية، فإن نسبة كبيرة من بين أفراد العينة وافقت على اقتراح العديد من الحلول من أجل مساعدة الجيش في مواجهة نقص أعداده واحتياجاته المختلفة. ومن بين تلك الاقتراحات وافق ما نسبته 80% من أفراد العينة على إتاحة الخدمة في القوات العسكرية الأمريكية أمام المقيمين الأجانب الشرعيين في الولايات المتحدة كمقابل لحصولهم على الجنسية. كما وافقت نسبة كبيرة من أفراد العينة، بما يعادل ستة ضباط من بين كل عشرة ضباط على الفكرة التي تسمح بتعيين حملة المؤهلات المتوسطة في الجيش، وتقريبا يفضل ما نسبته 40% من أفراد العينة العودة إلى نظام القرعة في الخدمة العسكرية.
وتقريبا لم يوافق أي من أفراد العينة رغم ذلك على تدعيم التوسع في استخدام نظام "إسقاط الجرائم الأخلاقية" الذي يمكن بموجبه إعادة تعيين أفراد في القوات المسلحة ذوي تاريخ يتعلق بارتكاب الجرائم وتعاطي المخدرات مرة أخرى ومنحهم فرصة جديدة للخدمة في الجيش. وفي عام 2003 تسلم الجيش 4644 حالة تتعلق بنظام إسقاط الجرائم الأخلاقية، وفي العام الماضي تضاعف الرقم ثلاث مرات حيث بلغ 12057 حالة. وإذا كان لاستجابات الضباط أي دلالة فإن هذا التحول نحو المزيد من قبول تلك الحالات يعتبر تحولا في الاتجاه الخاطئ.
بين ما نسبته 7% من أفراد العينة بأنهم يدعمون إعادة تعيين المجرمين ومن لديهم مشكلات صحية من أجل زيادة أعداد المقبولين في الجيش. وفي المقابل، فإن أكثر من 20% من أفراد العينة قد قبلوا السماح بتعيين الشواذ جنسيا من الرجال والنساء على نحو صريح من أجل زيادة عدد أفراد الجيش الأمريكي. وتقريبا فإن نصف أفراد العينة قد قالوا أن العمر الأقصى للتعيين في الجيش، الذي تم زيادته فعلا منذ عام 2006 إلى 42 عاما، يجب مراجعته وزيادته من جديد. لقد أجمع كل أفراد العينة على أن الأمر حينما يتعلق بسد النقص المتعلق بأعداد أفراد الجيش الأمريكي فإنه من المرجح أن البنتاجون سوف يتعامل مع هذه المسألة بشكل حاسم.
ما الذي يجب أن يقوم به الجيش لكي ينتصر في حربه على الإرهاب؟ بالنسبة لأفراد العينة فإن قوات العمليات الخاصة الأمريكية سوف تكون ذات أهمية حاسمة في هذا الشأن حيث بين ما نسبته 40% من أفراد العينة أن حجم قوات العمليات الخاصة الأمريكية يجب توسيعها لكي تضمن الانتصار في الحرب على الإرهاب.
وفوق كل ذلك، فإن الضباط رغم ذلك كانوا قاطعين بأن فرص الانتصار على الإرهاب لا تقع على كاهل الجيش وحده. فتقريبا فإن ثلاثة أرباع أفراد العينة بينوا أن الولايات المتحدة يجب أن تطور مقدرتها التخابرية، وهي أعلى النسب التي ارتبطت بأحد الحلول المقترحة. كما منح الضباط العاملون في الجيش وهؤلاء الذين تقاعدوا من الخدمة خلال السنة الماضية أولوية مطلقة بالنسبة للوسائل غير العسكرية بما في ذلك الدبلوماسية الفعالة، وتطوير قوة من الخبراء المدنيين المنتشرين، مع زيادة برامج المساعدات الأجنبية.
وبالنظر لما هو أبعد من الحرب الحالية، فإن الضباط قد بينوا أنه لا توجد خطوة أكثر أهمية بخصوص إعداد الولايات المتحدة للتهديدات والتحديات الكبرى المرتبطة بالقرن الواحد والعشرين من زيادة أعداد القوات العسكرية الأمريكية على الأرض. ولقد ارتبطت هذه التوصيات بتوصية لصيقة تتعلق بالتوسع في زيادة حجم قوات العمليات الخاصة. فعدد غير قليل من الضباط، أكثر من واحد بين كل خمسة ضباط، قد تمنوا أن يروا تطورا في مجالات حروب الفضاء والقدرات المرتبطة باستخدام الإنترنت وحرب المعلومات، وبالمثل فقد أكدت نسبة مماثلة عن رغبتها في أن تعمق الولايات المتحدة كفاءتها الخاصة بالمجالات المتخصصة مثل العمليات النفسية وما يرتبط بها من وجود خبراء نفسيين، وهى المجالات التي كانت مطلبا ملحا أثناء الحرب في العراق وأفغانستان. لقد بين فقط ما نسبته 2% من إجمالي أفراد العينة أن الولايات المتحدة تحتاج لجيل جديد من الأسلحة النووية. وبشكل واضح فإن الجيش الأمريكي يطور وسائله واستعداداته العسكرية لكي يتعامل مع التهديدات المتغيرة التي تواجهه.
الجمل- ترجمة وتقديم: صالح سليمان عبدالعظيم- كاتب مصري
مترجم عن: Foreign Policy
التعليقات
لمن تقرع الأجراس
إضافة تعليق جديد