جولة وزير الخارجية الروسي في الشرق الأوسط ماذا تحمل؟
الجمل: وصل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في جولة شملت عواصم شرق المتوسط، التقى فيها مع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، وبغض النظر عن التفاؤل والتشاؤم إزاء احتمالات نجاح الدعوة الروسية لعقد مؤتمر سلام شرق أوسطي في موسكو، فإن جولة وزير الخارجية الروسي تحمل أكثر من دلالة.
* الإشارات الجديدة القادمة من موسكو: ماذا تحمل وماذا تقول؟
تقول المعطيات النظرية لعلم العلاقات الدولية بأن التوازن الإقليمي يرتبط دائماً بالتوازن الدولي، وبتنزيل هذه الحقيقة إلى الواقع الميداني فقد كان التوازن الإقليمي الخاص بمنطقة شرق المتوسط يرتبط بالتوازن الدولي الخاص بنظام القطبية الثنائية خلال فترة وجود القوتين العظميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ولكن بعد انهيار القطبية الثنائية وانفراد الولايات المتحدة بالزعامة محاولة الهيمنة على النظام الدولي، بدا واضحاً أن منطقة شرق المتوسط قد شهدت:
• على أساس اعتبارات التوازن الدولي:
* حدوث فراغ في الميزان الدولي بسبب غياب القوة السوفييتية التي انهارت وعدم تقدم روسيا أو الصين لملء الفراغ.
* صعود نفوذ الولايات المتحدة التي تقدمت لملء الفراغ في الميزان الدولي.
• على أساس اعتبارات التوازن الإقليمي:
* صعود قوة إسرائيل في ميزان القوى الإقليمي.
* هبوط قوة الأطراف العربية في ميزان القوى الإقليمي.
سادت حالة انقسام في المنطقة العربية بحيث أكدت مصر، الأردن، السلطة الفلسطينية، حكومة السنيورة، على ضرورة المضي قدماً في القبول بالنفوذ الأمريكي وتقديم التنازلات للمشروع الإسرائيلي. وعلى الطرف الآخر، أكدت سوريا، المقاومة اللبنانية، المقاومة الفلسطينية، على ضرورة المضي قدماً في الاعتماد على الإرادة العربية والقدرة الذاتية ومبادئ العدالة والحقوق المشروعة كوسيلة لمواجهة المشروع الإسرائيلي – الأمريكي في المنطقة.
الآن تمثل جولة وزير الخارجية الروسي ومطالبة روسيا بعقد مؤتمر سلام شرق أوسطي في موسكو، رسالة جديدة، تحمل الإشارات الآتية:
• بدء عودة روسيا لمنطقة شرق المتوسط، من أجل ملء الفراغ الذي خلفه انهيار الاتحاد السوفييتي.
• ردع النفوذ الأمريكي في المنطقة، عن طريق التأكيد بأن أمريكا لن يكون في وسعها الانفراد الكامل بممارسة النفوذ على المنطقة.
• ردع الإسرائيليين من مغبة اعتماد استخدام القوة الغاشمة المفروضة، ودبلوماسية العمل من طرف واحد عن طريق وضع الإسرائيليين أمام روادع مثل:
* إن موسكو تمثل لاعباً دولياً مؤثراً في الساحة الدولية لأن لها دوراً كبيراً في إدارة الصراع الدولي الدبلوماسي في مجلس الأمن واللجنة الرباعية.
* إن موسكو قادرة على تعزيز قوة الأطراف الأخرى، وإعادة نظام سباق التسلح الذي سبق أن شهدته المنطقة على النحو الذي يضعف التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي الحالي.
* خارطة طريق موسكو الجديدة في الشرق الأوسط؟
تقول بعض التحليلات بأن موسكو تسعى حالياً إلى معاقبة الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق القيام بلعب دور معاكس لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط رداً على دور واشنطن المعاكس لموسكو في منطقة البلقان وشرق أوروبا.
الذين يتبنون وجهة النظر هذه يلمحون بطريقة أو بأخرى إلى الفرضية القائلة باحتمالات أن تؤدي ضغوط موسكو على إسرائيل وواشنطن في الشرق الأوسط إلى عقد صفقة بين موسكو وواشنطن تتراجع بموجبها واشنطن وتقدم التنازلات لموسكو في ملفات نشر برنامج الدفاع الصاروخي والقواعد العسكرية الأمريكية وغيرها، وبالمقابل تتراجع موسكو عن ملفات الشرق الأوسط، واستهداف جورجيا وغيرها.
ولكن على العكس تماماً، تبدو التحركات الروسية، وهي تشير إلى أن ثمة "خارطة طريق روسية دولية" تقوم موسكو بتقفي معالمها الرئيسية، وذلك لأن التحركات الروسية المعاكسة لأمريكا شملت:
• منطقة الخليج العربي: سبق أن قام الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين بزيارة السعودية.
• منطقة الشرق الأدنى: يوجد صعود روسي معاكس لأمريكا في أوكرانيا، أرمينيا، منطقة القوقاز والقفقاس، إضافة إلى الموقف الروسي الداعم لإيران.
• منطقة آسيا الوسطى استطاعت موسكو أن تضعف الوجود الأمريكي في آسيا الوسطى عن طريق الاتفاقيات الثنائية مع دول آسيا الوسطى الخمسة: تركمانستان، أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، وكيرغيزستان.
• منطقة الشرق الأقصى: تحركات روسيا في ملف الأزمة النووية الكورية الشمالية، أدت إلى إضعاف الموقف الأمريكي المتشدد في المنطقة، ويضاف إلى ذلك انخراط موسكو – بكين ضمن منظمة تعاون شنغهاي التي استطاعت أن تفرض نفوذها الجيوبوليتيكي على الإقليم الأوراسي الذي يضم روسيا، الصين، منغوليا، دول آسيا الوسطى، والذي سبق أن أجمعت كل النظريات الإستراتيجية على أنه يمثل مفتاح السيطرة على العالم باعتباره يمثل منطقة القلب الإستراتيجي لخارطة العالم.
* إعادة القراءة في أوراق موسكو الشرق أوسطية:
تقول المعلومات والتقارير الواردة في الصحافة العربية والإسرائيلية حول جولة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأنه:
• أجرى الاتصالات في العاصمة السورية دمشق.
• أجرى الاتصالات في رام الله عاصمة السلطة الفلسطينية.
• أجرى الاتصالات مع حركة حماس.
وعند ذهابه إلى إسرائيل أكد أمام الإسرائيليين على الآتي:
• عرض التهدئة بين حركة حماس والإسرائيليين.
• المفاوضات السورية – الإسرائيلية حول مصير هضبة الجولان السورية.
هذا وكانت ردود الفعل الإسرائيلية حول الدعوة الروسية لعقد مؤتمر سلام شرق أوسطي في موسكو كالآتي:
• إن إسرائيل لا ترى فائدة أو جدوى لعقد مؤتمر سلام شرق أوسطي في موسكو.
• التهرب من مناقشة ملف الجولان السوري المحتل مع وزير الخارجية الروسي.
• التأكيد على أن إسرائيل تخوض حالياً المفاوضات مع الفلسطينيين وبالتالي فإن أي تحرك جديد خارج إطار المفاوضات الثنائية الفلسطينية – الإسرائيلية غير ممكن في الوقت الحالي.
• التأكيد على مخاوف إسرائيل من وصول الأسلحة الروسية إلى حزب الله اللبناني.
• التأكيد على مشروطيات إسرائيل المتعلقة بضرورة أن يتخلى السوريون عن دعم وتأييد حزب الله وحركة حماس أولاً وقبل كل شيء.
كذلك لم تخلو زيارة وزير الخارجية الروسي من الإنجازات التي شملت:
• توقيع اتفاق مع إسرائيل ينص على إلغاء الفيزا أو التأشيرة إزاء حركة الأفراد الروس والإسرائيليين بين البلدين.
• توقيع اتفاق مع إسرائيل ينص على موافقة إسرائيل على قيام موسكو بفتح الأرشيف السري السوفييتي لإسرائيل بما يغطي الفترة من عام 1953 حتى عام 1967م، وهي الفترة التي باشر فيها الاتحاد السوفييتي الوقوف إلى جانب العرب في الصراع العربي – الإسرائيلي.
برغم الموقف الإسرائيلي السلبي، فإن الجهود الروسية لعقد مؤتمر سلام شرق أوسطي في موسكو لن تتوقف، وفي هذا الصدد أشار تقرير موقع ستراتفورد الإلكتروني الأمريكي إلى أن التسريبات الروسية تقول بأن روسيا قد أنجزت الآتي:
• المشاورات مع أعضاء اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة،الاتحاد الأوروبي، أمريكا).
• حصلت روسيا على تفاهم وتوافق مبدئي بشأن عقد المؤتمر على أساس الخطوط التالية:
* أن يتم وضع جدول زمني لأعمال المؤتمر.
* أن يتم التركيز على متابعة أجندة أعمال أنابوليس الجارية حالياً.
• تنخرط روسيا حالياً في أجندة الصراع العربي – الإسرائيلي ضمن جهد روسي شامل يهدف إلى مكافحة ومواجهة انخراط الولايات المتحدة المتزايد في إقليم أوراسيا (آسيا الوسطى، القوقاز، القفقاس).
• البدء بالتحركات المتعلقة بالملف النفطي، مع كل من مصر، الجزائر، وغيرها من البلدان الشرق أوسطية النفطية، لبناء "قوة ناعمة" نفطية روسية لجهة بناء تحالف نفطي روسي – شرق أوسطي.
حتى الآن، تنظر التحليلات الأمريكية إلى أن التحركات الروسية في الشرق الأوسط تهدف إلى معاقبة أمريكا، ولكن كما هو واضح فإن التحرك الروسي يمكن أن يكون جزئياً بسبب هذه المعاقبة، وما لم تنتبه إليه التحليلات الأمريكية الصادرة حتى الآن، هو أن روسيا قد باشرت التصدي للسلوك الأمريكي في ملف كوسوفو عن طريق استخدام الملف الجورجي.
وكما نعلم فإن جورجيا التي تمثل الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة القفقاس، تتعرض حالياً لأزمة انفصال أبخازيا الشركسية، وانفصال أوسيتيا الجنوبية، وفي رد الفعل الروسي على انفصال كوسوفو، أعلنت روسيا عن استعدادها لتأييد ودعم انفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا إذا تجرأت جورجيا على الانضمام إلى حلف الناتو.
الإجراء الروسي ضد جورجيا، كما هو واضح، لو حدث فإنه سيشكل خسارة كبيرة للولايات المتحدة وحلف الناتو، لأنه يقضي نهائياً على دولة جورجيا ككيان سياسي بما يترتب عليه سقوط النظام الجورجي الموالي لأمريكا وصعود المعارضة الموالية لروسيا، إضافة إلى أنه يعيق بشكل نهائي تمدد حلف الناتو والنفوذ العسكري الأمريكي إلى واحدة من أهم المناطق الإستراتيجية التي تمثل الحلقة الرئيسية في مخطط إغلاق البوابة القفقاسية في وجه روسيا.
تشير المعطيات الحالية، والنتائج الأولية المترتبة على جولة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بأن الدعوة لمؤتمر موسكو الدولي لسلام الشرق الأوسط، سيتم توزيعها على كل الأطراف المعنية بما في ذلك إسرائيل، وتقول المعلومات والتسريبات الأخيرة بأن إسرائيل وألمانيا قد اتفقتا على عقد مؤتمر دولي في العاصمة الألمانية برلين يهدف إلى تعزيز تطبيق العقوبات ضد إيران والبحث في كيفية القضاء على البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، فهل ستحاول إسرائيل بالتعاون مع أمريكا وألمانيا وفرنسا عقد صفقة مع موسكو تقايض حضور مؤتمر السلام الروسي مع حضور روسيا مؤتمر برلين المتعلق بإيران؟ وإذا كانت أمريكا (وإسرائيل) قد اشترطت أن تكون الأجندة متعلقة حصراً بمتابعة التقدم المحرز في مؤتمر سلام أنابوليس، فهل ستشترط موسكو بأن تكون أجندة مؤتمر برلين الدولي بالبحث في خيارات التفاوض الدبلوماسي مع إيران؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد