خطوط الجهد العسكري الإسرائيلي في العدوان على غزة
الجمل: دخلت مواجهة حماس – إسرائيل يومها التاسع عشر مقتربة بذلك من نهاية أسبوعها الثالث وحتى الآن ترصد التحليلات والتقارير المزيد من التكهنات التي تجمع بين التفاؤل والتشاؤم على كلا الجانبين على خلفية الإشارات المتعاكسة الصادرة من داخل غزة ومن تل أبيب وهي إشارات تتعاكس لجهة رهان حماس المتفائل بخيار المقاومة في مواجهة الرهان الإسرائيلي المتفائل بمذهبية استخدام القوة المفرطة وكسر إرادة المقاومة.
* ماذا تقول آخر التطورات الميدانية في مسرح غزة؟
تقول المعلومات والتقارير الصادرة اليوم بأن القوات الإسرائيلية تقدمت فيما يبدو أنه بداية المرحلة الهجومية الثالثة، ضمن ما يمكن الإشارة إليه على النحو الآتي:
• تطويق مدينة غزة من جميع الجهات.
• حجم القوة العسكرية المستخدم في عملية التطويق بلغ حوالي 10 ألوية (4 مدرعة و2 هندسة و2 قوات خاصة ولواء قوات جوية ولواء بحري).
• بعد إحكام عملية التطويق تقدمت بعض الوحدات البرية واحتلت منطقة تل الهوى التي تمثل أحد أحياء مدينة غزة.
• بدأ الطيران الإسرائيلي عملية قصف نوعية جديدة داخل مدينة غزة استهدفت مقرات غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومقرات البعثات الصحفية.
بالمقابل، تزايدت عمليات المقاومة المسلحة بحيث كثفت حماس وبقية الفصائل المتحالفة معها عمليات إطلاق الصواريخ إضافة إلى القيام بتنفيذ المزيد من العمليات التعرضية العسكرية التي استهدفت مقدمة القوات الإسرائيلية. هذا، وتعتبر المناطق الأكثر استهدافاً لجهة العمليات القتالية العنيفة الجارية حالياً هي منطقة باب الهوى الواقعة في الجزء الجنوبي الغربي من غزة ومنطقة التفاح الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة.
* الأبعاد السياسية للتطورات الميدانية العسكرية الجارية:
تشير التحليلات السياسية إلى أن القيادة الإسرائيلية ما تزال أكثر اعتقاداً بقدرتها على المضي قدماً في تنفيذ العملية العسكرية ويعتمد الإدراك الإسرائيلي على النقاط الآتية:
• لا يوجد حتى الآن حجم كبير من الخسائر الإسرائيلية مقارنة بالخسائر الكبيرة التي تعرض لها الجانب الفلسطيني.
• ردود الفعل الدولية برغم سلبيتها لجهة التأثير على إسرائيل فإن حجمها الجاري حالياً من الممكن أن تسيطر عليه إسرائيل بقليل من الجهد.
• الجهود الدبلوماسية الجارية حالياً لا تشكل مصدراً للخطر وحتى الآن ما تزال التحركات الإسرائيلية قادرة على الإمساك بزمام السيطرة على هذه التحركات سواء على مستوى الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الأطراف العربية.
هذا، وتشير التسريبات الإسرائيلية إلى توافق القيادة السياسية مع القيادة العسكرية إزاء ضرورة تنفيذ العملية العسكرية ضمن وتائر وخطوط بطيئة تركز على:
• استخدام القصف المكثف بما يحقق أي درجة من الترويع يترتب عليها إخلاء أحياء الأطراف.
• بعد إفراغ أحياء الأطراف تتقدم أولاً القوات المدرعة ثم القوات الخاصة ثم قوات الهندسة بما يؤدي إلى إحكام السيطرة والارتكاز النهائي مع ملاحظة أن القوات الخاصة قد تتقدم في بعض الأحيان بحيث تليها المدرعات والهندسة بحسب الظروف وخصائص الوضع الميداني.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الأداء العسكري السلوكي الميداني قد شهد بعض التعديلات ذات الصلة والارتباط بالخصائص الجغرافية لمسرح غزة، فقد بدأت القوات الإسرائيلية غاراتها البرية محاولة اقتحام مدينة غزة من الاتجاهين الشمالي والشمالي الشرقي، فتقدمت على محور بيت حانون – بيت لاهيا، باتجاه مخيم جباليا مع محاولة القيام بتطويق المخيم إضافة إلى فصله عن بقية مدينة غزة.
وحالياً، كما هو واضح ميدانياً، فقد لجأت القوات الإسرائيلية إلى محاولة التقدم على الجزء الجنوبي الغربي لغزة، وتحديداً عبر منطقة باب الهوى وتفسير هذا التغيير المفاجئ في الأداء السلوكي العسكري الميداني يشير إلى العديد من الاحتمالات التي منها على سبيل المثال لا الحصر:
• تجنب التقدم عبر المناطق الآهلة بالسكان بحيث يتم التقدم والتغلغل عبر المساحات الطرقية الخالية والأحياء.
• إرهاق حركة حماس والمقاومة بحيث يتم دفعها إلى بذل الجهود الدفاعية المضنية في جميع الاتجاهات.
• توزيع طاقة الصدمة والرعب بما يؤدي إلى ترويع سكان غزة من كافة الاتجاهات.
• دفع السكان إلى النزوح بموجات كبيرة مرة من الشمال باتجاه الجنوب ومرة من الشرق إلى الغرب وهكذا مما يؤدي إلى فوضى وضغوط سكانية داخل المدينة بحيث يكون ذلك مصحوباً بعمليات قصف جوي إسرائيلي مركزة ضد وسط المدينة.
هذا، وعلى خلفية التطورات الميدانية الجديدة تشير بعض التحليلات العسكرية إلى أن القوات الإسرائيلية قد بدأت بالفعل بتنفيذ المرحلة الثالثة من عملياتها العسكرية ولكن بشكل غير معلن هذه المرة.
* مراحل العملية العسكرية الإسرائيلية: مؤشر الجهود العسكرية الرئيسية إلى أين؟
تقول المعلومات والتسريبات بأن الخيار المعلن بواسطة القيادة الإسرائيلية هو أن تمضي العملية العسكرية قدماً في تنفيذ أهدافها التكتيكية وصولاً إلى الهدف الاستراتيجي المتمثل في النقاط الآتية:
• أن تعلن حماس عن التزامها المطلق بعدم إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل.
• تدمير أكبر ما يمكن من قدرات حماس العسكرية والأمنية والسياسية.
تقول التحليلات والتسريبات أيضاً بأن إسرائيل قد استفادت من خبرة أخطاء حربها ضد حزب الله في جنوب لبنان وقامت بتطبيق خطة ركزت على تفادي سلبيات الأداء العسكري في لبنان. هذا، ويمكن الإشارة إلى مبادئ الخطوط العملياتية الحربية الإسرائيلية ضد غزة على النحو الآتي:
• المفاهيم العملياتية الرئيسية هي:
- استمرار ومواصلة شن الهجمات ضد حماس والحركات المساندة لها.
- السماح لحماس بالقليل من الوقت لإعادة تجميع قدراتها بحيث تعيد حشد عناصرها ويعقب ذك توجيه الضربات الإسرائيلية الجديدة.
- توجيه الضربات على نحو يتخلل كافة أنحاء القطاع ويستهدف منظومة حماس المدنية والعسكرية.
- ضبط الضربات بحيث تكون حصرية في إصابة الأهداف وتدميرها ضمن أقل تكاليف وجهد ممكن.
- عزل قطاع غزة عن مصر باستخدام الهجمات الجوية إلى حين تتمكن القوات الإسرائيلية من تحديد خيارها النهائي باللجوء إلى احتلال مناطق الشريط الحدودي مع مصر وإقامة المنطقة العازلة.
- تقسيم القطاع إلى منطقتين شمالية وجنوبية في بداية الأمر تمهيد لاحتمالات تقسيمه إلى مناطق أخرى عن طريق التغلغل العسكري العرضي بين خط الحدود مع إسرائيل وخط الساحل مع البحر المتوسط.
- الانتباه إلى موضوع المتطلبات الإنسانية خلال وقت تنفيذ العملية العسكرية مع ملاحظة أن لا يتعارض ذلك مع حرية عمل وحركة القوات الإسرائيلية في مجرى تنفيذ العملية العسكرية.
- الانتباه لموضوع الجوانب المعلوماتية والنفسية المتعلقة بالمعارك والعمليات القتالية.
- تقليل خسائر القوات الإسرائيلية البشرية عن طريق استخدام قوة النيران الكثيفة وتجنب القتال في المناطق الكثيفة المباني والمزدحمة السكان.
هذا، وأشارت التحليلات العسكرية للأداء الميداني بأن هذه النقاط تمثل الخطوط العامة أو المبادئ التوجيهية العامة للعمليات القتالية ومن الممكن أن يصعب على القوات التقيد بها حرفياً وبكلمات أخرى، من المسموح للقوات الإسرائيلية عدم التقيد بهذه المبادئ متى ما دعت الضرورة إذا كان ذلك يؤدي إلى تدمير قدرات حركة حماس وحلفائها.
* خطوط الجهد العسكري الإسرائيلي في عدوان غزة:
من المعروف أن خطوط الجهد العسكري تتضمن تسلسل الأعمال المتعاقبة والمرتبطة ببعضها البعض بحيث يتيح إنجاز السابق لإنجاز اللاحق، إضافة إلى ضرورة الانتباه إلى أن إنجاز كل عمل ميداني يقدم بالضرورة المساندة والموازاة للعمل الآخر في مجرى عملية تحقيق الأهداف الكلية لخطة العمل العسكري. هذا، ومن الممكن رصد خطوط الجهد العسكري الإسرائيلي في عملية غزة على النحو الآتي:
• الخط الأول: تدمير قدرات حماس وحلفائها.
• الخط الثاني: تدمير قيادة حماس وحلفائها.
• الخط الثالث: تدمير مصادر الإمدادات لحركة حماس وحلفائها.
• الخط الرابع: تدمير البنيات التحتية المدنية والعسكرية والأمنية الموجودة في قطاع غزة، والتي يمكن أن تستخدمها حماس.
هذا، وتقول المعلومات بأن العملية العسكرية الإسرائيلية الجارية تتضمن أربعة مراحل هي:
• المرحلة الأولى: تنفيذ خطة القصف الشامل وتعتقد تقديرات الموقف الإسرائيلي بأن هذه المرحلة قد تم إنجازها بأكثر من 75%.
• المرحلة الثانية: تنفيذ عملية عسكرية برية – جوية متزامنة من أجل فصل منطقة شمال غزة عن جنوبها إضافة إلى القيام بالاختراقات البرية في الجزء الشمالي الذي يتضمن مدينة غزة ومخيم جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون وغيرها.. وتقول تقديرات الموقف الإسرائيلي بأن هذه المرحلة قد تم إنجازها بنسبة 70%.
• المرحلة الثالثة: تنفيذ عملية عسكرية برية – جوية متزامنة من أجل القيام بعمليات اخترق وتغلغل برية بواسطة القوات المدرعة والقوات الخاصة ووحدات الهندسة، باتجاه عمق المناطق المدنية الكثيفة المباني والمكتظة السكان بحيث يتم التغلغل في بادئ الأمر بما يتيح فصل المناطق والأحياء المكتظة السكان عن بعضها البعض ومحاصرتها بما يؤدي بالمقابل إلى تقطيع قوام حركة حماس وحلفائها بحيث تتحول إلى وحدات منعزلة عن بعضها البعض وتواجه الحصار ضمن مناطق تمركزها.
• المرحلة الرابعة: إعادة وضع كامل القطاع تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي بحيث تتمركز القوات الإسرائيلية في القطاع وتترك مصير القطاع لقرار القيادة السياسية الإسرائيلية.
هذا، وتشير المعلومات والتسريبات الاستخبارية إلى أن تنفيذ المرحلة الثالثة يتطلب الزج بالمزيد من العناصر البشرية الإسرائيلية وبهذا الخصوص تقول التسريبات بأن القيادة العسكرية الإسرائيلية قد استدعت الآلاف من جنود الاحتياطي لزجهم في هذه المرحلة إضافة إلى ذلك تقول بعض المعلومات بأن جنود الاحتياطي قد شاركوا في العمليات العسكرية الخاصة بنهاية المرحلة الثانية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد