دير الزور تحت النار.. وعين «داعش» على حديثة في العراق

18-01-2016

دير الزور تحت النار.. وعين «داعش» على حديثة في العراق

ضاق الخناق على تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» في محافظة الأنبار بالعراق، فمدّ عنقه إلى محافظة دير الزور في سوريا ليلتقط أنفاسه، ويرتّب أوراقه التي بعثرتها هزائمه الأخيرة.صورة مأخوذة عن شريط فيديو بثته وزارة الدفاع الروسية أمس الأول لطائرة ترمي مساعدات لأهالي دير الزور (رويترز)
وكعادته دائماً في لحظات الانكسار التي يمرّ بها، يكون هاجسه الأساسي هو التأكد من حالة «كسر الحدود» التي اصطنعها بين البلدين، والاطمئنان إلى أن خطوط الإمداد بينهما لن تتأثر استراتيجياً بسلسلة تراجعاته في حلب والرمادي.
وفي مفارقة غريبة، يبدو أن «داعش» هو وحده مَن يقرأ الساحتين السورية والعراقية قراءةً موحدة، الأمر الذي مكّنه، حتى الآن، من تفادي أي هزيمة استراتيجية، رغم عشرات الجبهات المفتوحة ضده من قبل تحالفات ودول وجيوش، جمعها شعار «محاربة الإرهاب»، لكن شتت جهودها السعي لاستثمار الشعار من أجل تحقيق أجندات متناقضة في ما بينها.
ويأتي الهجوم الواسع الذي قام به «الدولة الإسلامية» على محافظة دير الزور، وما زال مستمراً، خلال اليومين الماضيين، ضمن الإطار الاستراتيجي الذي واظب التنظيم على العمل به منذ أصبح ملاحَقاً من قبل تحالفين، أحدهما بقيادة واشنطن والثاني بقيادة موسكو، وهو ما قلل الخيارات أمامه، ودفعه إلى إعادة ترتيب أولوياته من جديد، وبالتالي العمل على صياغة «استراتيجية مناورة معقدة»، تتيح له التقليل من خسائره البشرية والجغرافية قدر الإمكان، مع الحفاظ على جوهر «خلافته»، وهو الترابط بين الأراضي السورية والعراقية والذي يسمّيه هو بـ «كسر الحدود».
التنظيم المتشدّد يخوض في العراق معارك مصيرية بالنسبة إليه، وقد تترتّب عليها نتائج في غاية الخطورة على مستقبل بقائه في مناطق لها أهمية استراتيجية عنده. وهنا تبرز معركتا الرمادي وحديثة اللتان يحاول كل من «داعش» أو الجيش العرقي حسمهما لمصلحته. فأهمية الرمادي، ولاسيما القسم الشمالي منها، والذي يشهد معارك ضارية، تأتي من أن سيطرة الجيش العراقي عليه تعني فرض الحصار على معقلين مهمَّيْن للتنظيم، هما هيت والفلوجة، لذلك يبذل «داعش» جهوداً استثنائية من أجل المحافظة على طريق هيت ـ الفلوجة. كما تأتي أهمية حديثة، التي يحاصرها التنظيم، وجرّب مرات عدة اقتحامها من دون جدوى، من كونها تؤمّن له الربط بين مدينة القائم وراوة مع هيت.
وبعبارة أخرى فإنه «إذا استمر الجيش العراقي في التقدم في الرمادي، وخسر التنظيم شمال الرمادي أيضاً، فستكون الأمور صعبة جداً، حيث ستصبح مدينة هيت محاصرة بين الرمادي وبين حديثة وتصبح الفلوجة محاصرة بين الرمادي وبغداد»، كما قال الخبير في الجماعات الإسلامية عمر الفلاحي، وهو من المتابعين بدقة لتحركات «داعش». وأضاف الخبير «لهذا سيحاول التنظيم السيطرة على حديثة، وربط خطوط إمداده إلى مدينة هيت لتقوية شمال الرمادي الذي يوصله إلى مدينة الفلوجة. وأيضاً سيعمد إلى تقوية وجوده في الرمادي، واستعادة ما فقده، أو على الأقل يوقف زحف القوات الحكومية».
وبما أن الجيش العراقي مستمرّ في التقدم، وإن ببطء في بعض أحياء الرمادي، وبما أن محاولات التنظيم لاقتحام حديثة لم تنجح حتى الآن، علاوة على الضغوط الكبيرة عليه في ريفَيْ حلب الشرقي والشمالي، فقد وجد التنظيم نفسه مضطراً إلى معالجة هذا الاستعصاء بطريقة بدت له أكثر فاعلية، وهي الهجوم على محافظة دير الزور، وذلك في محاولة لتحقيق أهداف عدة.
ومن أهم الأهداف التي يتوخاها التنظيم هي تحرير المئات من عناصره من مهمة الرباط حول مطار دير الزور العسكري، والاستعانة بهم في معاركه الأخرى، سواء في حديثة أو في حلب وحمص. وتشير المعلومات من مصادر خاصة إلى أن المشاركين في «الرباط» حول المطار ينتمون إلى «ولايات» عدة، هي «ولاية الفرات» التي تشهد معركة حديثة و «ولاية الأنبار» التي تنتمي إليها بلدة هيت المهمة، و «ولاية حمص» حيث معارك القريتين مستمرّة. وبالتالي سيكون بإمكان هؤلاء الالتحاق «بولاياتهم» الأصلية وتقوية جبهاتها في حال النجاح بإنهاء قصة مطار دير الزور العسكري والهيمنة على كامل المحافظة. والهدف الثاني هو سعي التنظيم للسيطرة على مستودعات الأسلحة في المطار وفي عياش ومقرّ اللواء 137، من أجل استخدامها في حسم المعارك المستعصية لديه، خصوصاً معركة حديثة.
وهنا تبرز نقطة في غاية الأهمية وهي قيام «داعش» بهجومه على دير الزور، في الوقت الذي يتعرّض فيه لهزائم متلاحقة في كل من ريف حلب الشمالي من قبل الفصائل المسلحة، وريف حلب الشرقي من قبل الجيش السوري. ومما لا شك فيه أن الضغوط على التنظيم في ريفَي حلب بلغت أقصى ذروة ممكنة لها، لأن سماء حلب هي وحدها التي تشهد التقاء طائرات التحالفين أثناء قيامها بتغطية مهاجمي التنظيم على الأرض.
لذلك لا يستبعِد الخبير الفلاحي، أن «يكون تراجع التنظيم من باب الانسحاب المنظم، خصوصاً بما يتعلّق بريف حلب الشمالي، لأن تقدّم الجيش السوري باتجاه مدينة الباب هو أكثر ما يقلقه في هذه المرحلة على الجبهة السورية، وبالتالي سيستفيد من انسحاباته من الريف الشمالي لمحاولة بناء جدار صدّ، أو خط دفاع، لحماية معاقله في مدينة الباب، وكذلك لتقوية خطوطه حول معقله في الرقة».
ولكن هذا لا يعني أن التنظيم استعاد قدرته على المبادرة، فهجماته، سواء في العراق أو سوريا، ليست سوى تطبيق لمبدأ «أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم».

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...