رالي «الشرق الأوسط يرحّب بكم في سوريا»
من الحديقة الخلفية لمدينة دوما، المعقل الأبرز للمجموعات المسلحة في غوطة دمشق، رسم الجيش السوري وحلفاؤه الطريق نحو الحدود العراقية في «معركة الفجر الكبرى». وفي عمق البادية، خلقت إرادة فتح الطريق واحة خصبة من الخيارات العسكرية. حمل الجيش السوري جراح أهالي عدرا العمالية، ذخيرةً من الإصرار نحو المعركة الأوسع جغرافياً والمفتوحة على كل الاحتمالات.
يقف العميد في سلاح الاشارة في الجيش مستنداً إلى سيارة رباعية الدفع ــ راشدة للطيران السوري ــ منتظراً الوفود الصحافية المتجهة نحو الحدود مع العراق. سيارته هي البوصلة، وأحد عوامل الاحتياطات الأمنية للطيران، حتى يحمي ثلاث عشرة سيارة من الضياع في قلب الصحراء. فغارات الولايات المتحدة تمثّل قلقاً مشروعاً بالنسبة إلى جميع هؤلاء المسافرين الذين يأمل بعضهم أن يساعد إلصاق عبارة «TV» على ظهر السيارات التي تقلّهم في جعل الطيار الأميركي متردّداً قبل استهدافها.
الكثير من هؤلاء يعلم أن «ألغام السماء» أخطر من الألغام المزروعة على جانبي الطريق الصحراوي. وحملت العبارة المكتوبة على مدخل بلدة خنيفيس، والتي تحذّر المارّة من خطر الألغام، مزيداً من الأدرينالين إلى عروق المسافرين على الطريق المعبّد الذي لا يبدو أن هناك نهاية له.
وحدها المضافات المدمّرة على الطريق الدولي نحو التنف، تذكرك بأن حياة كانت هنا في الماضي، ما يجعلك تبحث عن «فضة» (شخصية مثّلتها أمل عرفة في مسلسل خان الحرير) تحت ركام مضافة أبو الشامات المعروفة، والتي كانت استراحة لسائقي الشاحنات. ولكن ليس «على كيفك» ستختار المسير، فالقواعد الأميركية في معبر التنف دفعت القادة الميدانيين إلى اختيار بقعة مختلفة من الحدود، لتحقيق الغاية بربط الحدود السورية ــ العراقية عند نقطة القصر شمال شرق التنف.
الى الشرق من مثلث ظاظا الذي يعدّ مفترق طرق بين بغداد وتدمر ودمشق، هناك لافتة صفراء كتب عليها «الشرق الأوسط يرحّب بكم في سوريا»، بقيت منذ كانت هذه الطرقات تستخدم للسباقات الرياضية، وتشكّل عصباً اقتصادياً مهماً لربط سوريا بالعراق. هذه اللافتة جعلتها الصدفة عنواناً مثالياً لمعارك البادية، قد لا تتفق القوى المتنازعة إلا عليه، فلم يبقَ لتنظيم «داعش» أي حليف، وبدأت «دولته» تغرق في رمال متحركة، تخشى من الوقوع فيها بعد أن تبدأ مسيرك من العليانية، آخر المناطق التي عبّد نحوها الطريق.
يشترط أحد القادة أن تكون السيارات جميعها رباعية الدفع لتستطيع السير في صحراء التي باتت كلها «أتوستراداً»؛ فشرطة المرور والشاخصات هي عبارة عن براميل وضعت بشكل متناسق، حتى لا تضل في غدر الصحراء. فهنا لا جِمال ولا طيور جارحة ولا حتى خيم أو أشجار نخيل... كلّ ما شاهدناه في الرسوم المتحركة كان خدعة! «يا ريت يطلعلنا رامز من تحت الأرض»، يقول أحد الزملاء ممازحاً، أقلّه سنعلم أن هناك عيوناً تراقبنا، وسيقضى الأمر بعناق مع الممثل المصري الكوميدي.
وقبل الوصول إلى النقطة العسكرية الأخيرة على الحدود، تلحظ بضع أشجار وسواتر رملية، لن تستطيع التعرّف على أشكال الجنود المتمترسين فيها، فقد لوّنهم غبار الصحراء، لكن لم يغيّر من وضعية قبضاتهم على الزناد. «شوب يا خيو»، يقول الجندي الحلبي ضاحكاً، وبجانبه عناصر من قوات الحلفاء يخاطبهم: «الله يعينكم». وفي طيّات كلامه مدح وامتنان لجهدهم الكبير، لكونهم يقاتلون في مناطق بعيدة عن بيوتهم، رغم قربها والتصاقها من عقيدتهم.
يقول أحد قادة المقاومة الميدانيين: «اضطررت إلى التحرك ليلاً من الحدود نحو النقاط الخلفية، ولولا جهاز (جي بي اس) لأصبحت في مناطق (داعش). هي معركة حسابات بكل تفاصيلها، لكن بعد اليوم لم يعد الليل لـ(داعش)»، في غمزة منه حول هجمات «داعش» التي كانت تحدث على نقاط الجيش ليلاً. أما دير الزور فلم تعد سراً لعمليات الجيش المقبلة، خاصة مع التقدم من محاور مختلفة، فهناك «موصل» أخرى في انتظار الجيش والحلفاء، ولن يكون فيها أي نوع من أنواع خفض التوتر.
في طريق العودة، نخطو الخطوات الأولى على الطريق الذي سيكون معبراً جديداً نحو العراق، بعيداً عن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في التنف. السباق في البادية لتحصيل المساحات الأكبر جغرافياً، جعل الخارطة تضيق على أحلام المعارضة المسلحة، فلا ثورة هنا ولا ثائرين، فهم كانوا أول المنسحبين، لتصبح الصورة أوضح. لكن القاعدة التاريخية تقول إن من يضع رايته أولاً في الصحراء هو من يسيطر عليها، مهما علت أصوات طائرات «التحالف الدولي».
سومر حاتم
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد