سلطانات الرمل الحب و الخيل والصقر نقوش في ذاكرة الصحراء
نضال قوشحة: تدهمنا لينا هويان الحسن في روايتها سطانات الرمل بشلال من الحكايا والأمكنة والتواريخ دفعة واحدة ، تحوك من خلالها نسيج حياة الصحراء المليء بالمغامرات والتشويق حاملا للقارىء حب الصحراء ورائحتها وتأريخ أيامها بخبرة العارف .
تمتد أحداث الرواية على مساحة زمنية طويلة تقارب المائة وثمانين عاما ، بدأ من ثلاثينيات القرن الثامن عشر في منطقة بادية الشام والعراق وصحراء الجزيؤة العربية كمكان للحدث الأساسي ثم تمتد خارج هذا الإطار نحو فضاءات أرحب وصولا إلى الزمن المعاصر .
تتفجر الأحداث مع حمرا ابنة شيخ عشيرة طي التي تحب أمير قبيلة الموالي أحمد أبو الريش البيك الذي عينه الأتراك بيكا على سنجقي دير الرحبة وسلمية وعانة والحديثة ، و الذي خطفها في عز النهار من قبيلة أبيها مخلفا قتلى وأسرى وثكلى، فتسمى من لحظتها حمرا الموت ، تقول الرواية :" في عز الظهيرة غزا قومها وبلغ منزل أبيها المرفوع على أحد عشر عامودا كل عبيد أبوها قتلهم البيك وجندل واحدا من أشقائها وعقيد حرب قومها وأخذ حمرا معه مكرسا بذلك حقيقة أن الحب كلمة مكتوبة على أسلحة المحاربين وتيجان الملوك وعلى روائع سرديات الزمن وعلى كل أشكال الحياة المتألقة ،يوجد للحب أثر من دم " .
تنجب حمرا الموت ، مراية السيدة التي تعتز بعروبتها حتى النهاية وتقتل دويشر الذي قتل أخيها الذبلان غدرا ، في مجلس المحاكمة بين العديد من جلساء هذا المحفل ثأرا له . تقول الرواية : " جرت المحاكمة في ربعة جدعان ولأن صاحب الدم جسار فإن مراية شقيقة الذبلان وابنة حمرا الموت أنهت المحاكمة بسرعة حملت مسدسا لزوجها وبخطى سريعة حاسمة دخلت الربعة وسط ذهول الحاضرين واطلقت الرصاص على قاتل أخيها وأردته قتيلا وهي تقول ياريت قتالك قتيل ودمه على دمك يسيل " ثم تتالى الأحداث والأسماء .
تمتلأ الرواية بأسماء شخوصها الزيناتي خليفة وابنته سعدا ابن الكنج شيخ قبيلة السردية في بادية الأردن ورديني أبو الدندل وجدعان وعنقا وسكرى وفكرى ومنوى وملكشاه وراكان وسلطانة السيدة النورية والمغنية الشهيرة وطراد الذي رفض عام 1932 طلب المندوب السامي الفرنسي فكرة إقامة دولة بدوية في بادية الشام يكون مركزها تدمر متمسكا بالدولة السورية الواحدة .
تتخاطف الرواية ذاكرة الحياة البدوية بكامل تفاصيلها . فمن شجاعة فرسان القبائل مرورا بقصص الحب العنيفة التي تتربص بالعديد منهم ، وصولا لقصص الخرافات الشعبية وكذلك قصص مكر النساء ببعضهن رغبة في الدفاع عن أنفسهن أو لرغبة في الوصول لأهداف يطمحن بالوصول إليها .
بالطبع لم تنس الكاتبة أن تفرد في روايتها فصولا خاصة بما تشتهر به الصحراء ، فكان هنالك فصل عن الخيل ، الذي ظهرت فيه الفرس رفعه التي هي للشيخ طراد الزبن شيخ بني صخر والحصان الرثوعي للشيخ فيصل من عشيرة العنزة وكأنهما من شخوص الرواية ، بحيث تدور حولهما أحداث وقصص . في هذا الفصل تبين أن عقيدا في الجيش النمساوي قد حضر إلى المنطقة وتجول في البادية السورية والعراقية ، ثم حدث أن وجدوا في بادية الشام حصانا اسمه شاجي نقل عام 1836 إلى مدينة بابولنا قرب بودابست وتمت من حينها عملية تنسيل الخيول العربية في أوروبة .
كما أفردت الكاتبة فصلا عن الصقور وكيفية إصطيادها ورغبة البدوي بالتحصل عليها ولو كلفه الأمر السفر إلى صحراء منغوليا داخلا إليها من حدود روسيا .
في الرواية يظهر شامخا قاموس اللهجة البدوية المحبب، بحيث نتعرف على الكثير من مفردات الحياة البدوية من خلال بعض المسميات . فنقرأ مثلا : ربيع الطفحة وهو شكل من أشكال الربيع و ربيع الفنجان ، سوابير بمعنى جواسيس ، الشنينة لبن ، الغوار ، الكمين وهما مصطلحان مختصان بالحرب ، كذلك مصطلحي الطرح والنقل ، وهما إسما طريقتي صيد الصقر عند البدو.
وفي الرواية معلومات تاريخية هامة ، كما في حدث هبوط أول طائرة في مدينة دمشق عام 1914 وكانت تركية . وكيف توافد أهل المدينة ليروا هذا العجب جسم معدني هائل يطير . كذلك هنالك إشارة للقرار الذي صدر في سورية في بداية عهد الوحدة والذي أنهى الحياة العشائرية في سورية وإنتهت للأبد .
وفي الرواية قصص حب جارفة مجنونة ، تظهر بجلاء فنون البدوي في عواطف الحب الذي لايبخل في إبرازها تجاه من يحب ، هذه القصص التي يسير أبطالها في مساراتها حتى لو كانت ذات نهايات قاتلة . ففي بيروت يتعرف دندل البدوي القادم من الصحراء إلى عنقا البدوية التي تعمل في مشفى فيبادرها بالقول شعرا : لو عرفنا الاسم سلمنا ، فترد عليه لو عرفنا الاسم لرددنا السلام فيجاوب قائلا أنا حر لك ، مذكور لك ، مكحول العين بلا نيل فتجاوبه أنا السحلة ، براس النخلة ، ما تقواني يامسكين فيبتسم ويقول منتصرا أنا الرقاي ابن الرقاي أحسك الشوك بسكيني .
سلطانات الرمل ، رواية تأخذنا بمتعة نحو الصحراء ، ونعيش برفقتها صورا من الحياة الجميلة التي تبدو هناك ، مستعرضة طيفا هائلا من تفاصيل حياة البدو في تجليات حياتهم اليومية بما تحمله من ملامح إنسانية تنوس بين الخير والشر الشجاعة والتردد الصدق والغدر وغيرها .
زمن الرواية يمتد لعشرات السنين ومكانها مساحات كبيرة من الصحراء والبادية وبعض الحواضر في عالمنا العربي دمشق حلب حماه وبيروت . فيمكن إعتبارها مزيجا متناغما أحيانا ومتنافرا أحيانا أخر عن طبيعة الحياة العربية بمجملها .
صدرت الرواية في دمشق عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع في نهاية عام 2009 .
إضافة تعليق جديد