سوريا: الدواء على إيقاع الدولار

13-06-2016

سوريا: الدواء على إيقاع الدولار

خمس سنوات من عمر الحرب السورية كانت كفيلة بتراجع الكثير من البنى الاقتصادية والخدمية، ومن بينها القطاع الدوائي، لتدخل البلاد في أزمة خانقة مع أحد أكثر المجالات أهمية للناس، بعدما كانت في عداد الدول المنتجة والمصدرة للدواء.
على باب إحدى الصيدليات الكبرى في دمشق يقف ماجد مصدوماً بعدما اكتشف سعر علبة المضاد الحيوي الذي يحتاجه لعلاج والده الراقد في العناية المركزة في أحد مستشفيات وسط العاصمة. الرجل الأربعيني يبدو مضطراً الى دفع 25 الف ليرة سورية يومياً (حوالي 30 دولاراً)، أي أكثر من ثلثي راتبه كموظف، لقاء علبتين من الدواء يوميا.
المفارقة الأكبر أن ماجد اشترى الدواء نفسه قبل يومين بسعر أقل نسبياً ليعود ويجده مرتفعاً تماشياً مع ارتفاع سعر الدولار.
يقول ماجد: «هم يربطون كل شيء بالدولار، وحتى مع انخفاضه يرفعون السعر».
حيرة ماجد، أو غضبه بالأحرى، تتلاقى مع تفسير الصيدلاني علاء، الذي لا يستغرب ما يحدث، فجزء من الأدوية مفقود، أو غير متوافر حتى في المستشفيات الحكومية، ما يضطر ذوي المرضى الى البحث عن تلك الأدوية وشرائها من الخارج، في حين ان بعض الأدوية قد يكون متوافراً في المستشفيات الخاصة، ولكن سعره بطبيعة الحال سيكون مضاعفاً.
يردف الشاب قائلاً: «هناك أدوية يمكن إيجاد بدائل لها، ويكون ثمنها أقل نسبياً، ولكن بعض الأمراض يتطلب علاجات نوعية، أو لأن المريض بوضع خاص يتطلب دعماً دوائياً أكثر من الحالات العادية، وبالتالي لا مفر من هذه الأدوية»، مضيفاً ان «المشكلة تكمن في ان الناس لن تترك مريضها، وستضطر الى شراء الدواء حتى ولو كان بسعر عال».
خط بيروت ـ دمشق
 بطبيعة الحال ينشط خط بيروت ـ دمشق لتأمين الأدوية، وهنا تكمن المفارقة الكبرى، بحسب علاء، فسنوات ما قبل الحرب جعلت أدوية لبنان في المقام الثاني أو الثالث، ما لم يكن خطاً علاجياً غير مصنع بالاصل في سوريا، لتعود وتتحول الى محطة لاستيراد المواد الخام والادوية نفسها بأسعار مرتفعة للغاية، ومن دون معرفة ما اذا كان المنتج مزوّراً ام أصلياً.
لأحمد، وهو طبيب عشريني في دمشق، رؤيته لما يجري، فالمشكلة بحسب ما يقول، تتعلق بحالة عامة فرضتها الحرب الدائرة، فكثير من الناس أصبحوا نازحين أو مهجرين، وبالتالي بات ثمن الدواء الذي قد يبدو بسيطاً للبعض قاسياً عليهم.
يضيف طبيب الطوارئ قائلاً «يراجعنا مرضى كثر لا يمكنهم شراء دواء ثمنه أكثر من الف ليرة، وآخرون لا يمتلكون سوى ثيابهم... بعض الأدوية متوفرة، ويمكن إعطاؤها في المستشفى، ولكن ماذا عن المريض الذي يعالج في المنزل؟».
سوريا.. من مصدر للدواء الى مستورد
 حتى العام 2010، لم تكن مسألة استيراد الأدوية أمراً يشغل بال القائمين على القطاع الصحي في سوريا، لا بل ان المعامل المختصة بهذا المجال حظيت بدعم كبير جعلها قادرة على تغطية قرابة 91 في المئة من حاجة السوق، بحسب أرقام وزارة الصحة، وهي كانت تصدر إلى أكثر من خمسين دولة عربية وآسيوية وصولاً الى أوروبا الشرقية.
ويشير تقرير صادر عن الاتحاد العربي لمنتجي الأدوية الى ان سوريا كانت تحتل المرتبة الثانية بعد الأردن في التصدير متفوقة الى دول مثل مصر والإمارات، وبقيمة مالية تصل إلى 200 مليون دولار في العام 2010. وكانت دول مثل العراق ولبنان واليمن ورومانيا واليونان محطات تصدير اساسية بالنسبة الى المعامل السورية.
وتشير أرقام صادرة عن وزارة الصحة الى أن المعامل الدوائية وصلت إلى 70 مصنعاً توزعت بين ريف دمشق وريف حلب. ولعل هذا الأمر يفسر تراجع هذا القطاع بعد اندلاع الحرب، لا سيما بعد احتدام المعارك في ريفي المحافظتين في السنوات الماضية.
وبنظرة أولية الى الارقام المرتبطة بقطاع الدواء في مرحلة ما قبل الحرب السورية، يتبين ارتفاع لافت للانتباه في عدد الدول المستوردة للأدوية المصنعة في سوريا من 18 في المئة خلال العام 2000 إلى 53 في المئة بحلول نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة، فيما كانت الحكومة السورية تستورد نسبة 9 في المئة من الأدوية تتركز في علاجات السرطانات بالمقام الأول، فيما كانت مضادات الجراثيم والفيروسات والأدوية القلبية والمتعلقة بالضغط والأمراض العصبية ومضادات القرحة والفيتامينات وحليب الأطفال.
ولعل مسألة التصدير كانت عاملاً أساسيا في انخفاض سعر الدواء طيلة العقود الماضية، ما ساعد على انتشارها انتشارا لافتا وبفرق واضح عن العقار نفسه المصنع في الخارج.
ولكن هذا الرخاء في المجال الصحي قد انعكس بحدّة خلال سنوات الحرب وفقاً لما تقوله ميساء، الموظفة السابقة في احدى الشركات الدوائية، التي ترجع الأمر الى عوامل عدّة تبدأ من العقوبات الأوروبية والأميركية على سوريا، والتي عرقلت عمليات الشحن أو نقل المواد الأساسية، ذلك ان جزءاً من المادة الفعالة في الدواء يتم استيرادها من الخارج إذا كان المعمل يحمل امتيازاً من شركة في أوروبا، بالاضافة الى تراجع سعر صرف الليرة السورية.
وتقول ميساء ان «الاستيراد اصبح من كوبا أو روسيا والصين وايران، كما أن جزءاً كبيراً يستورد من الهند، وبعض شركات الشحن أصبحت تفرض أرقاماً فلكية لإيصال المواد»، مضيفة «بقينا صامدين لعام ونصف العام... ثم بدأ التراجع».
ويضاف إلى أزمات الشحن والاستيراد انقطاعات الكهرباء واستهداف المصانع، وخاصة في ريف حلب، الذي احتضن جزءاً كبيراً من المعامل الدوائية، شأنه شأن ريف دمشق، ما دفع معظم الشركات إلى نقل مراكزها إلى أماكن أكثر أمناً، في وقت أعطت الحكومة السورية تراخيص لإنشاء معامل في مناطق آمنة أكثر قرب دمشق أو حمص واللاذقية، وحدت من التصدير بهدف سد حاجة السوق المحلية.
وبحسب أرقام منظمة الصحة العالمية، فإن الإنتاج المحلي من الأدوية تراجع بنسبة 90 في المئة، فيما تقدر قيمة احتياجات سوريا من الأدوية الأساسية والمواد الطبية بقرابة 900 مليون دولار، بينما خرج نصف المصانع عن الخدمة، وأوقف النصف الآخر انتاج أصناف كاملة، مثل أدوية السكري والمضادات الحيوية النوعية وموسعات الأوعية الدماغية، بالإضافة الى الدواعم القلبية وذلك تبعاً لتكلفة الاستيراد والبيع.

طارق العبد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...