سوريا في 2015: الواقعية السياسية تفرض نفسها
في رده على سؤال لمجلة «باري ماتش» الفرنسية بداية كانون الأول الحالي، قال الرئيس بشار الأسد عن حال السوريين الذين اختاروا ترك البلد إن جزءا منهم ربما كان «يدعم الإرهاب»، وقسما آخر «غادر بسبب الإرهاب»، إلا أن «منهم من يدعم الدولة فخرج بسبب الظروف الأمنية»، مضيفا «هناك جزء ليس بالقليل لا يدعم أحدا أصلاً».
اللغة الواقعية في الجملة الأخيرة تجاوزت الخطاب الرسمي السوري، الذي يحصر الشعب في صورة لا يتعدى إطارها لونين، إما «الممانعة» أو «المؤامرة»، وهي لغة، وإن ظهرت بشكل مقتضب، في حوار الأسد الأخير، فقد سبق لها أن انعكست بشكل شبيه في نقاش لم يكن مقصوداً كحوار صحافي علني ربما مع وزير الخارجية وليد المعلم، حين تحدث للمرة الأولى علانية عما يقوله الساسة السوريون للمقربين بأن العلاقة مع إيران ترتكز على قوة تيار محدد في الدولة.
علق المعلم حينها قائلاً إن «أي مساس بهذا التحالف في إيران غير مقبول من قبل (مرشد الثورة الإسلامية) علي خامنئي ونهجه. العراقيل هي التي تأتي من النهج الليبرالي، وفي كل مرة يحصل فيها ذلك يحسمها خامنئي ومجلس الشعب والحرس الثوري لصالح سوريا».
هذا التقييم سبق أن عبر عنه المعلم، في مؤتمر صحافي عقده في صيف العام 2012، وحذف من النسخة الرسمية المنشورة لاحقا، حين قال صراحة أن سوريا تخوض حرباً جزء منها دفاع متقدم عن إيران. أما في حواره الأخير فأكد أنه سبق أن أخبر نظيره الإيراني محمد جواد ظريف أن «صمود سوريا هو الذي يمكنك من التفاوض من موقع قوي مع الغرب في الملف النووي».
وسيرأس المعلم كما هو مرتقب في الثلث الأخير من الشهر المقبل وفداً سورياً ليخوض «حواراً لا مفاوضات» مع شخصيات معارضة، يفترض أنها سبقته إلى موسكو لصوغ تفاهمات في ما بينها، وذلك في حال تمكنت روسيا من جمعها فعليا، كما هي الأفكار الروسية. وسيتحدث الوفد السوري اعتماداً على «واقعية سياسية» شبيهة، وتتمثل في قراءة مفادها أن أية «حلول يجب أن تجري في إطار توافق طرفين، على أن يؤخذ بعين الاعتبار أن ثمة طرفاً يمتلك القدرة والمساحة والجيش والاعتراف الدولي، والرؤية الواضحة بمساندة حلفاء صلبين، وآخر مشتت بين ولاءات مختلفة وضعيف البنية التنظيمية والقدرة التأثيرية، وتدور في رؤوس حاضريه مستويات مختلفة من التصورات عن سوريا المستقبل».
وفي الواقع لا يبدي المسؤولون السوريون تفاؤلاً، وربما ما من «آمال كبرى» أيضاً، على هذا اللقاء، وذلك انطلاقا من هذه الواقعية، بالرغم من «الإيمان بالجدوى السياسية من دعمه في الوقت الراهن».
وحين السؤال عما إن كان تلخيص النظرة إلى العام 2015 بجملة، قال أحدهم بأنه «كما سبقه، لا يبدو بآفاق واقعية». وتبدو الإجابة شبيهة بتلك التي سبق وجاءت، في ختام العام 2013، وكانت حينها عربات «قطار جنيف»، كما رغب الإعلام بتسميته، تصطف برعاية من الدولتين العظمتين روسيا والولايات المتحدة.
مبادرات العام المقبل مبنية على تناقضات المشهد الدولي، وعجزه. «نتائج كل ما يجري في سوريا، أشبه بتصادم قوى لا تؤدي إلى أية نتيجة».
ويرى مخضرمون في سوريا أن «الإثارة» التي رافقت جنيف قد تعود في بداية العام المقبل، لكن ربما بوتيرة مختلفة، باعتبار أن الراعي وحيد هنا، وهو روسيا، التي ليست «نجماً إعلامياً محبوباً لدى الغرب والإعلام الخليجي»، فيما سيرعى الإعلام الحليف هذه المبادرة وكأنها «وجه من أوجه التعاون السوري مع الجهود الدولية لتحقيق تسويات»، علما أن «فشلها المحتمل سيقع على عاتق الطرف الأضعف قدرة على تقديم أي التزام» وهو هنا المعارضة، بلغة الحكومة.
سياق ليس غريباً، كونه تكرر على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي يقوم بتنسيق جهود الحوار، وهو رجل يتحدث بصراحة تفوق لباقة الديبلوماسي أحيانا، إذ قال، قبل ايام، إن «موسكو لا تبني توقعات كبيرة على هذه اللقاءات».
«الواقع» أيضا، أن «الدولة لن تتخلى عن أية صلاحية من صلاحياتها. ولا عن دورها الذي حافظت عليه بالدم» وفق ما قاله مسؤول سوري . وذكر مسؤولون سوريون مراراً، ويؤكد كلامهم أرقام «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بأن القسم الأكبر من الضحايا يعد في صف «الموالين للدولة». وهو تعبير موارب يستخدمه الإعلام المعارض عادة لتسمية أبناء الطائفة العلوية، باعتبارها «الخزان البشري للجيش»، إلا أن نظرة أكثر واقعية تشير إلى أن آلافاً من عمال الدولة، ولا سيما في قطاعي الكهرباء والنفط، قتلوا على أيدي المعارضة أثناء قيامهم بعملهم للحفاظ على ما تبقى من بنية تحتية للدولة السورية، من دون تعداد السوريين متعددي الطوائف المنخرطين بالجيش أيضاً.
الدولة وإمكانياتها وصورتها الظاهرة، ولكن أيضا بنيتها المخفية، لن تكون عرضة للتفاوض. كلام واقعي آخر، عبر عنه بطريقته الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله حين قال بأن الرئيس السوري بشار «الأسد خط أحمر». كلام نصر الله في حال ثبتت دقته، هو تعبير عن واقع سياسي بأن الرئيس السوري هو رأس هرم تنظيمي يعرف حلفاء دمشق مستوى «تنظيمه ودقة عمله، وخفة تسلله بعيدا عن أعين المتربصين»، وذلك من دون إهمال، أن عامة الناس أيضا «لا تجد بديلاً عن الدولة لرعاية ما تبقى من سير مصالحها، ولو في حدها الأدنى، من دون الإشارة إلى أنه ما من بديل آخر في الأفق لقيادة الدولة أيضاً».
صورة أخرى للواقع تجعل مبادرة كمبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا تلقى التشجيع من دون الموافقة، وهي مبادرة بخلاف كل ما جرى من تفاصيل حوار في دمشق، يعتقد خبراء العمل الديبلوماسي في سوريا أنها «ضعيفة ومثيرة للريبة». ورغم هذا ستتعاون دمشق مع المبعوث الأممي، وستنتظر منه أن يكون «خلاقاً أكثر، لكن بعد الاعتراف بأن الدولة هي التي تقرر كيف تسير الأمور في النهاية».
وحتى يتقدم الأخير خطوة، ربما يكون الجيش السوري أكمل حصاره على مسلحي حلب. حصار بات قريبا، حتى باعتراف رعاة الفصائل هناك. وثمة «إنذار» أطلقه الشيخ السعودي عبد الله المحيسني، من قلب حلب منذ أيام، بأن «الجيش على بعد كيلومتر عن حصار 500 ألف مسلم في حلب».
من جهته لا يخفي القطب الأساسي في الرعاية التركية ــ القطرية لأعداء دمشق المراقب العام لـ «جماعة الإخوان المسلمين في سوريا» محمد حكمت وليد، في مقابلة نشرت قبل أيام، أن خطة دي ميستورا «مشروع شفهي وغير مكتوب، ويدعو للريبة»، وأن المبادرة الروسية «مشروع غامض يدعو إلى إبقاء بشار الأسد وإعادة تأهيله، وتشكيل وزارة من المعارضة القريبة للنظام مع بقية أطراف المعارضة الخارجية»، وأن «الأفق سوداوي» في ظل رفض الأميركيين، لما يعتبره «الإخوان» بالطبع «مشروعا مثاليا» وهو «مشروع المنطقة الآمنة الذي دعت إليه تركيا وأيدتها فرنسا»، وهو عنصر قلق دمشق الرئيسي حتى اللحظة، بعد القلق الأمني ومخاوف من «انقلاب» خلفيات إستراتيجية التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش».
هذا التقييم «الواقعي» يدفع أمين عام «الإخوان»، لمشاركة رأيه، في رؤيته للعام المقبل، وهي رؤية «تشاركية» مع الحزب الحاكم في أنقرة. ويقول «بناءً على ما سبق فمن المرجح أن يبقى الوضع الحالي على ما هو عليه، حتى يتم سقوط المزيد من الضحايا والتفتيت لعناصر القوة في سوريا، وإنهاك الجميع، وعندها يرضون مضطرين بالحلول المفروضة من الخارج».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد