ضعف الأرشيف الإعلامي المواكب لغزة: ما في أمل؟
رغم أننا أمة النكبات والنكسات الاحتلال والاجتياحات والحصارات.. إلا أن أرشيفنا الإعلامي المرئي والمسموع مما يعرف بالإعلام المقاوم أو الحماسي الذي من المفترض أن يواكب أوجاع الأمة وهزائمها ويؤرخ لها يبدو الأكثر فقراً. وباستثناء عدد من القنوات والإذاعات التي تتبنى صفة »الإعلام المقاوم«، قلما نجد استرجاعاً لأشرطة قديمة تخدم ساعات البث الطويلة، وتحديداً في الفضائيات العربية، بل كل ما نجده هو لمحات خاطفة لا تكفي ربما لاسترجاع الحدث، بعدما دخل عدد من القنوات الفضائية في بث مفتوح تضامناً مع أهل غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
في الأيام الأولى للعدوان، كانت سخونة الحدث والمادة الإعلامية الضخمة التي بثتها »رامتان« عنه كفيلة بأن تشغل ساعات البث الطويل، ولكن مع تتتالي أيام العدوان كان من الصعب على أي من تلك الفضائيات الاستمرار في مواكبة الحدث على مدار الساعة، باستثناء قناتي »الجزيرة« و»العربية« وهما قناتان تمرستا في مثل هذه النوعية من البث، فضلاً عن شبكة مراسيلهما الضخمة والمنتشرة في كل بؤرة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وفي كل أنحاء العالم.
صعوبة مواصلة البث وضعت القنوات أمام خيارين: إما مواصلة مواكبتها للأحداث في غزة والعودة جزئياً إلى برامجها المعتادة كما فعل تلفزيون »الجديد«، أو الاستمرار في مواكبة الأحداث على مدار الساعة مع اعتماد أكبر على المواد الإرشيفية التي تتناسب والحدث الجلل كما فعلت »الفضائية السورية« وتلفزيون »الدنيا«، وفضائية »الليبية«.
إحياء الأغاني
الاعتماد على الأرشيف في بعض القنوات نفض الغبار عن عدد من الأفلام الوثائقية وعن أغاني ثمانينيات القرن الماضي الثورية، التي كان معظمها صوت بلا صورة، فأعيد البث اليوم بتركيب صور حديثة لأحداث غزة.. أعادت فضائية »الليبية« إلى الأذهان أغنيتي »ثوري« و»وين الملايين« وهما أغنيتان أنتجتهما ليبيا مواكبة للانتفاضة الفلسطينية الأولى ،١٩٨٧ بينما راحت قناة »الشام« تعرض بكثافة »أوربت الضمير العربي«، وعرضت معظم الفضائيات حفلة كاملة لمارسيل خليفة وجوليا.. وإلى جانب الأرشيف الغنائي المحدود كان على الفضائيات أن تعيد نبش أرشيفها الدرامي المتعلق بالقضية الفلسطينية، فبدأت عدد من القنوات ببث المسلسلات » التغريبة الفلسطينية« و»عائد إلى حيفا« و»الاجتياح«، و»الموت القادم من الشرق«..
التكرار والتقاطع الكبير في المواد الأرشيفية التي اعتمدتها الفضائيات كشفت فقر أرشيف الإعلام العربي في ما خص هذه المواد، وهو فقر لا يأتي نتيجة ضعف إنتاج، بل نتيجة لقلة من يتبناه من الفضائيات. ويدرك من يعرف بكواليس الأعمال الفنية أن مشاريع كثيرة تتعلق بالقضية الفلسطينية تم وأدها على أبواب الفضائيات وشركات الإنتاج، ولا سيما بعد تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية في إنتاج مثل هذه المشاريع.. هكذا صار تبني أي عمل منها مغامرة إنتاجية تحتاج لمنتج مجنون ليخرج بها إلى الضوء.
ولعلنا استبشرنا خيراً مع النجاح الكبير الذي حققه مسلسل »التغريبة الفلسطينية« في التشجيع على تبني مشاريع درامية مماثلة، إلا أن هذا النجاح لم يحرك من الماء الراكد شيئاً، وتوقع الكثيرون أن تسارع الفضائيات لشراء وعرض مسلسل »الاجتياح« بعد فوزه بجائزة »إيمي« العالمية، إلا أن أي من الفضائيات لم يقدم بعد على هذا الخطوة ربما ما عدا »أم بي سي« التي تبدأ اليوم بعرضه عن الثانية بتوقيت بيروت، في وقت قال الكاتب هاني السعدي في حواره مع جريدة تشرين السورية: »فوجئت بتراجع بعض المحطات التي وافقت على إنتاج مسلسلي »سفر الحجارة« الذي يتناول انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته المستمرة والدائمة للاحتلال الإسرائيلي.. ثم قالت أنتجوه أنتم، وسنرى بعد ذلك إمكانية عرضه«.
وقياساً بآلية التفكير الإنتاجية السابقة، ومراقبة للمحطات الفضائية العربية التي تعد السوق الأكبر لتصريف المشاريع الفنية، ولا سيما الدرامية منها، ومع ملاحظة تجاهلها لأحداث غزة واستمرارها ببرامجها المعتادة، نجد أن لا غرابة بضعف الأرشيف الإعلامي المواكب لتغطية أحداث غزة، وما من أمل أن نمتلك مثل هذا الأرشيف.. ليبقى الأمر المؤكد الوحيد أننا سنبقى أمة بلا ذاكرة مصورة، أمة للنكبات والنكسات الاحتلالات والاجتياحات الحصارات...وللنسيان أيضاً.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد