غزة تنتظر إعادة الإعمار.. تجنّباً لـ«إبادة» من نوع آخر
شهدت حياة الفلسطيني مفيد المبيض (52 عاماً) تحوّلاً دراماتيكياً، فبعدما كان الرجل يسكن وأسرته في منزله المكوّن من ثلاثة طوابق، والذي عاش فيه ذكريات الفرح والألم ومضايقات الاحتلال الإسرائيلي، اصبح يعيش اليوم في خيمة نصبها أمام المنزل الذي دمرته طائرات الاحتلال خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، والواقع في منطقة «الشعف» شرق حي الشجاعية.
وفي مشهد يدل على تحدي الاحتلال، والإصرار على البقاء، يقضي المبيض مع أبنائه الأربعة يومه داخل الخيمة، وقد وضع فوقها، وعلى ركام المنزل المدمر علم فلسطين.
يتذكر المبيض تفاصيل المنزل ومعالمه وألوانه الزاهية، التي أفقده إياها الاحتلال، ورائحته التي تعيد إلى ذهنه حياة الهدوء والاطمئنان، وقد تحولت إلى رائحة بارود، في انتظار إعادة الإعمار، شأن غيره من العائلات التي دمر الاحتلال منازلها بالكامل، وأصبحت مشردة بلا مأوى، وتعيش في مراكز الإيواء التي فتحتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» في قطاع غزة.
ويقول المبيض: «هذا كل ما أملكه في حياتي... لا أملك شيئاً... منزلي كان بمثابة الحضن الدافئ لي ولأسرتي وأولادي، عشنا فيه حياة سعادة وفرح، وزوجت فيه أبنائي، لكنه أصبح اليوم ركاماً وأصبحنا مشردين من دونه».
ولجأت أسرة المبيض المكونة من 15 شخصاً إلى مراكز الإيواء والمستشفيات ومنازل بعض الأقارب، بعدما دمرت قوات الاحتلال منزلهم، في 21 تموز الماضي، يوم ارتُكبت مجزرة الشجاعية.
ويضيف المبيض «حتى الآن، لم تأتِ إلينا أي جهة رسمية من أجل تسجيل الدمار... كل ما نسمعه هو حديث السياسيين، لكننا نأمل فعلياً في مشاهدة فعل حقيقي ميداني يعيد إلينا منزلنا ومنازل كل أهلنا وجيراننا التي دمرها الاحتلال»، لافتاً إلى أنه لا يعرف كيف سيعيش أو كيف سيتدبر أموره الحياتية، ونحن على أبواب فصل الشتاء، إذ «من غير المعقول أن تصبح الحياة هكذا من دون وجود أفق حقيقي للبدء في إعادة الإعمار».
وكان وكيل مساعد وزارة الاقتصاد في غزة أيمن عابد قد أكد في وقت سابق عن بدء عمل لجان تسجيل الأضرار والخسائر للمنازل والمنشآت والمراكز والمساجد التي دمرت في قطاع غزة.
وبالرغم من غياب الرؤية الواضحة لآليات إعادة الإعمار في غزة، والتي لم ترتق حتى الآن إلى إجراءات حقيقية وفاعلة على الأرض، يؤكد وزير الأشغال العامة والإسكان في حكومة التوافق الوطني مفيد الحساينة وجود استعدادات وخطط كاملة لدى وزارته للبدء في عمليات إعادة الإعمار، معرباً عن أمله في أن يصبح ذلك أمراً واقعياً بعد مؤتمر المانحين المقرر عقده في العاصمة المصرية القاهرة، أو في النروج الشهر المقبل.
وشدّد الحساينة على ضرورة فتح جميع المعابر الإسرائيلية مع قطاع غزة، فهذا «يعطي الأمل للأسر التي دُمرت منازلها، من أجل إدخال كافة المواد الأساسية ومواد البناء للبدء في إعادة الإعمار بعد عقد المؤتمر»، لافتاً إلى أنه إذا لم يحدث ذلك فحينها تكون «حرب الصواريخ قد انتهت... وبدأت حرب الإبادة».
وأوضح الحساينة أن ما حدث من دمار في غزة يفوق ثلاثة أضعاف ما دمره الاحتلال خلال عدواني العامين 2008 و 2014، معرباً عن أمله في ألا يتكرر ما حدث في مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد في شباط العام 2009، حين تقرر دعم قطاع غزة بـ4.7 مليارات دولار أميركي، لم يصل منها إلى القطاع سوى الفُتات، على حد قوله.
وأضاف «أنا أنسق مع مختلف المسؤولين في النروج من أجل المؤتمر، والاتصالات مكثفة مع السفير النروجي ومختلف الأطراف، ونحن نطالب الجميع بالوقوف عند مسؤولياته والتحرك تجاه غزة».
وكشف الحساينة عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية النروجي بورج برانداه إلى غزة، من أجل الاطلاع على حجم الدمار الذي خلفه الاحتلال، مؤكداً أنّ «هذا يدل على وجود جدية لدى الأطراف المشاركة في المؤتمر تجاه موضوع إعادة الإعمار».
ولفت الوزير الفلسطيني إلى أن وزارته وضعت دراسة «لإزالة ركام المنازل الذي بلغت كميته حوالي ثلاثة ملايين طن»، مشيراً إلى «وجود خطط ستنفذ بعد مؤتمر المانحين بشكل سريع، بالإضافة إلى هبات للبناء وإزالة الركام بموافقة مجلس الوزراء الفلسطيني، وبالتعاقد مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي».
ودمّر الاحتلال حوالي عشرة آلاف وحدة سكنية بشكل كامل، وقرابة ثمانية آلاف وحدة سكنية بشكل جزئي لتصبح غير قابلة للسكن، بالإضافة إلى المدارس والمستشفيات والمساجد والمصانع والمراكز المختلفة.
ووفقاً للاحصائيات الأولية، فإن خسائر قطاع غزة جراء العدوان وصلت إلى ستة مليارات دولار أميركي.
ويأمل الفلسطينيون الذين تحولت منازلهم إلى ركام في أن تتم عملية إعادة إعمارها سريعاً من أجل الاستمرار في الحياة التي أفقدها الاحتلال جميع معالمها في القطاع الصامد.
محمد فراونة
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد