غزة: ضربات تهويل إسرائيلية وصواريخ المقاومة تدخل التحدي

15-11-2012

غزة: ضربات تهويل إسرائيلية وصواريخ المقاومة تدخل التحدي

شنت إسرائيل الحرب على قطاع غزة بطريقة الصدمة والترويع، فما أن أفلحت في استهداف الشهيد أحمد الجعبري في مدينة غزة حتى سارعت إلى شن جملة غارات جوية على العديد من المنشآت والقواعد التابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في مناطق مختلفة من القطاع جنوباً وشمالاً.
وأوحت الضربات الأولية بأن إسرائيل تصفي من جهة حساباً قديماً مع من سبق وأذاقوها مهانة أسر الجندي جلعاد شاليت والاحتفاظ به لأعوام. ومن جهة ثانية، خالفت الضربة الاعتقاد الذي ساد في اليومين الأخيرين بتردد إسرائيل إزاء غزة والشرك الذي يمكن أن تقع فيه.
العدوان الجديد على غزة، الذي أدى حتى ليل أمس إلى استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة أكثر من 60 بجروح، أطلقته إسرائيل من خلال غارة استهدفت القيادي البارز في كتائب الشهيد عز الدين القسام أحمد الجعبري، الذي استشهد، واستتبعتها بقصف مدفعي وجوي متواصل لأهداف متفرقة في القطاع. وأتى اغتيال الشهيد الجعبري غداة تقارير نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن استئناف الاغتيالات ضد قيادات المقاومة الفلسطينية في غزة. والجعبري هو أعلى مسؤول في حركة حماس يتم اغتياله منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009.
يذكر أن الجعبري مدرج على قائمة المطلوبين الإسرائيلية، إذ تقول إسرائيل إنه مسؤول عن عمليات عسكرية عدّة، ومن بينها عملية أسر الجندي جلعاد شاليت في العام 2006، وهو تولى بعد خمس سنوات تنسيق عملية الإفراج عنه في إطار صفقة ضخمة لتبادل الأسرى.
وإلى جانب الجعبري، أدى القصف والغارات إلى استشهاد 9 فلسطينيين وإصابة أكثر من 60 بجروح متفرقة. وبحسب مصادر طبية فإن من بين الشهداء التسعة هناك ثلاثة مقاومين وطفلان.
ومن البديهي أن هناك من يعتبر استهداف الشهيد الجعبري وآخرين في خانيونس ورفح في الضربة الأولى كان نوعاً من رسالة توضح الجملة الأخيرة: إسرائيل جاهزة للتصعيد وصولا إلى الحرب.
ومثلت الضربات التالية ما أسمته بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، تشبهاً بالضربة التي ادّعت تنفيذها في مستهل حرب لبنان الثانية، نوعاً من «الضربة الوقائية» لمخازن الصواريخ بعيدة المدى، وكأن إسرائيل تقول إنها تمنع من البداية احتمال نجاح الفلسطينيين في بلوغ النهاية التي هي استمرار حالة الردع المتبادل.
وأشار المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس» إلى أن  سحب الدخان تتصاعد من غزة خلال غارات لقوات الاحتلال على القطاع أمس (رويترز)
مجرد الإعلان عن اسم للعملية («عمود السحاب») يشهد على أن التصعيد الإسرائيلي ليس عملية موضعية، موضحاً أن العملية العسكرية هي بداية القصة وليست نهايتها.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك قد شاركا في ما يمكن اعتباره عملية تضليل واسعة، فقد أطلقا إشارات بأنهما يريدان التهدئة وأنه إذا توقفت نيران غزة فسوف تتوقف النيران الإسرائيلية.
وبعد إعلان الفصائل الفلسطينية التهدئة، وصل نتنياهو وباراك إلى مقر قيادة الجبهة الشمالية في صفد. وأشاع ذلك انطباعاً بأن الأنظار باتت تتجه إلى الجولان ولبنان وليس إلى غزة. وسرعان ما جاءت الضربة لتشيع بأن نتنياهو وباراك يريدان تسويق اغتيال الجعبري على أنه «بن لادن الإسرائيلي».
ومع أول ردود فعل صاروخية فلسطينية امتلأت الأجواء بالطائرات الحربية والبحر بالسفن والزوارق الحربية التي بدأت بقصف مكثف للعديد من المواقع في استعراض واضح للقوة. فالمقصود هو إحداث حالة من الترهيب تعيد لإسرائيل قدرة الردع التي خسرتها في الشهور الماضية. وهذا هو الهدف المعلن في المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك.
وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن استهداف الشهيد الجعبري كان عملاً مشتركاً من جهاز الأمن العام («الشاباك») والجيش الإسرائيلي. وأوضحت أن الاغتيال أطلق إشارة البدء لسلسلة غارات جوية موازية في أرجاء القطاع تم فيها تدمير مخازن صواريخ بعيدة المدى.
وأشارت إلى أن رئيس الأركان الجنرال بني غانتس، الذي يقود العملية، أطلق عليها اسم «عمود السحاب». ونقلت عن قادة عسكريين آخرين قولهم إن قادة آخرين كبار في المقاومة في غزة هم في قائمة الاستهداف. كما أن رئيس «الشاباك» يورام كوهين هو من أشرف على الجانب الاستخباري في العملية.
ومن المقرر أن يجتمع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية صباح اليوم لتحديد الخطوات اللاحقة في ضوء الرد الفلسطيني المتوقع.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن على الإسرائيليين الاستجابة لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية، لافتاً إلى أن الحالة «قد تستمر أياماً طويلة». وقال إن الجيش الإسرائيلي «مستعد للمواجهة» وإن «الدخول البري مدرج على جدول الأعمال». وأشاعت الأوساط العسكرية أنباء عن حشد عدة ألوية حول قطاع غزة استعداداً للدخول البري، غير أن خطوة كهذه ليست مرجحة برغم مطالبات عسكرية بها، فأحد الدروس المستخلصة من حربي لبنان الثانية و«الرصاص المسكوب» في غزة كانت وجوب المسارعة إلى العمل البري لتقصير أمد الحرب. ونظراً لقرب موعد الانتخابات الإسرائيلية العامة فإن أحداً في إسرائيل غير معني بأن تمتد الحرب طويلاً.
وقال المتحدث الإسرائيلي إن الضربات الجوية الأولى دمرت حوالي عشرين موقعاً تحت أرضي لإطلاق صواريخ متوسطة المدى لحركتي حماس والجهاد الإسلامي. والحديث يدور عن صواريخ من طراز «فجر» الإيرانية التي يبلغ مداها 75 كيلومتراً القادرة من غزة على ضرب محيط تل أبيب. غير أن المتحدث أقر بأنه ليس معروفاً حتى الآن مدى تضرر مثل هذه القدرة لدى الفلسطينيين.
وتعهدت المقاومة الفلسطينية بالرد على العدوان، إذ اعتبرت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في بيان، أن «الاحتلال فتح على نفسه أبواب جهنم»، فيما حذرت حركة الجهاد الإسلامي من أن «إسرائيل أعلنت الحرب على غزة وستتحمل مسؤولية هذا التصعيد وتداعياته».
وأعلنت حركة حماس حالة الطوارئ في غزة، حيث أخلت كافة المقرات الأمنية. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية في الحكومة المقالة إسلام شهوان «نحن نعمل تحت النار لحماية شعبنا ودعم المقاومة»، مضيفاً «لدينا خطة طوارئ كاملة نعمل على تطبيقها حالياً».
وأطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عشرات الصواريخ تجاه البلدات الإسرائيلية المحاذية لحدود قطاع غزة وأحدثت دوياً هائلا عند إطلاقها من مختلف المناطق في القطاع.
وفي مؤشر إلى خطورة الوضع في غزة، هبط الشيكل الإسرائيلي أكثر من واحد في المئة إلى أدنى مستوياته في شهرين في مقابل الدولار. وتتجاهل الأسواق الإسرائيلية في العادة العنف الإسرائيلي الفلسطيني، لكن متعاملين قالوا إن المستثمرين يخشون أن يكون لدى حماس صواريخ مداها أبعد مما كان لديها في السابق قد تحدث دماراً كبيراً في جنوب إسرائيل.
وأفادت تقارير إعلامية بأن المقاومة الفلسطينية استهدفت مدن بئر السبع وعسقلان وأسدود، فيما ترددت معلومات عن إطلاق صاروخين محليي الصنع باتجاه تل أبيب.
وفي واشنطن، قال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية إن الولايات المتحدة «تراقب من كثب» تطور الوضع في قطاع غزة. وأضاف المتحدث «نحن على علم بالأمر ونراقب الوضع من كثب». وتابع «نحن متضامنون مع شريكنا الاسرائيلي في حقه في الدفاع عن النفس ضد الإرهاب».
وأطلع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز نظيره الأميركي باراك أوباما على حيثيات العدوان على غزة، وخصوصاً عملية اغتيال الجعبري.
ويطرح السؤال في غزة بقوة عن ردة الفعل المصرية المحتملة خصوصاً بعدما أشيع أن مصر حذرت إسرائيل من مغبة العدوان على غزة وأن ذلك قد يقود إلى طرد السفير الإسرائيلي.
وترى بعض الأوساط الفلسطينية أن على مصر الرد خصوصاً بعد أن استجابت الفصائل الفلسطينية للوساطة المصرية وإعلان التهدئة.
وفي أول رد فعل مصري على العدوان، أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية ياسر علي أن الرئيس محمد مرسي قرر استدعاء السفير المصري في تل أبيب، كما طلب من وزارة الخارجية استدعاء السفير الإسرائيلي لدى القاهرة. وترددت معلومات ليل أمس عن أن السفير الإسرائيلي في القاهرة غادر مصر مع طاقم السفارة بعد سحب مصر سفيرها من تل أبيب. لكن وكالة «رويترز» نقلت عن مصدر ديبلوماسي إسرائيلي أن السفير المصري لم يُستدع بعد، وأن السفارة تعمل بشكل طبيعي.
وقد أعلنت حالة الطوارئ في العديد من الدوائر والوزارات الإسرائيلية.
في هذا الوقت، اعلن مساعد الأمين العام للجامعة العربية احمد بن حلي أن الجامعة ستعقد السبت اجتماعاً طارئاً على مستوى وزراء الخارجية لبحث التطورات في قطاع غزة.
وتعليقاً على العدوان الإسرائيلي على غزة، طالب «حزب الله» الجامعة العربية والدول العربية الفاعلة ومنظمة التعاون الإسلامي «بتحمل مسؤولياتها لوقف حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة وشعبها حصاراً وقصفاً وقتلاً وتدميراً»، معرباً عن إدانته «للموقف الأميركي الداعم للعدوان». ومن المنتظر أن يتحدث الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله اليوم مع بدء عاشوراء، ومن المتوقع أن يتطرق إلى التطورات في غزة.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...