غيفارا الرمز التائه في حلب

الجمل ـ حلب ـ باسل ديوب: كثيراً ما تصادف في شوارع المدن السورية شباناً وفتيات يرتدين قمصاناً مطبوعة عليها صورة غيفارا، و معظم مرتدي هذا القميص لم يشتروه من “رفيق" على هامش  أحد المهرجانات الجماهيرية للحزب الشيوعي السوري – ولا علاقة لهم بالحزب المذكور ولا حتى بجماعات يسارية أخرى .
في الذكرى الثلاثين لإعدام غيفارا ، تم إعادة  اكتشاف هذا "الكنز" ولكن ليس من رفاقه اليساريين، بل من خصومه الرأسماليين  الذين رأوا في ذكراه مناسبة لتسويقه كسلعة 
والأمر لم يحتج معهم لتقديمه بـ " لوك جديد "  فلم يرسلوا غيفارا إلى حمام عربي أو تركي لإزالة رائحة عرقه المختلط بتراب غابات بوليفيا، ولا إلى صالون حلاقة  لتشذيب لحيته وتسريح شعره ع الموضة ، فوسامة الرجل بتلك الصورة الخالدة له بالأبيض والأسود وبلحيته الشبيهة بحقل قمح  في بلد قاحل  معتمراً البيريه هي سر جاذبية لا تقاوم أ، إلا أنه لا مانع من  تسويق كليبات عن حياة الرجل من وجهة نظرهم ،وتركيب عطر جديد باسم غيفارا الذي هجر مكتب الوزارة في أول دولة اشتراكية في الجهة الغربية من الأرض  متحولاً إلى ثائر  متجول في أرياف العالم الثالث  مستنهضاً همم الفلاحين من قرية إلى أخرى ، كالباعة الجوالين من المهاجرين السوريين إلى أمريكا الجنوبية ، بالتأكيد لم يعرف إبط غيفارا مزيل تعرق من ماركة نيفيا أو غيرها ولا تعاطى الرجل بالعطور الفرنسية،
 ورغم أن الاحتفال بذكرى غيفارا وبجثمانه عند رفاقه في  كوبا كان أحمراً حقيقياً  إلا أنه في الغرب الذي أقض الرجل مضجعه طويلاً قبل أن تستقر في قلبه رصاصات رجل المخابرات المركزية الأمريكية كان مسلـّعاً لدرجة الاغتيال ثانية  !!
سلعنة غيفارا رأسمالياً كانت دليل ثقة وغرور من قبل الرأسمالية، فالرجل لم يعد يثير الخوف، لكن في  سوريا فإن رجالاً من حزب البعث الحاكم في سوريا هالهم أن يرفع متظاهرون معارضون للحرب على العراق في سورية  صور تشي غيفارا الذي لم تغب صوره عن تظاهرات  عشرات الملايين من معارضي الحرب و المتضامنين عموماً مع العرب في  أربعة جهات الأرض، وكان على أهل الخير في مجلة أبيض وأسود السورية أن يتفهموا شكوى وتبرم قيادة فرع دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي من رفع مواطنين سوريين لصور  هذا " الغريب " باعتبار أن الانفتاح  على الرأي الآخر يتطلب " تمريق " بعض أمورهم مثل رفع صورة واحد أجنبي .
"حسن" لم يقبل أن يظهر وجهه في الصورة فاقترح علينا أن نصوره من الخلف  إن كان قصدنا فقط أن نبرز صورة غيفارا  الذي لم يسمع به من قبل ،فيما أشار صديقه "رامي" إلى أن الصورة هي صورة لديفيد بيكهام نجم المنتخب الإنكليزي لكرة القدم  لكنها "معتمة" يقول:" هذا بيكهام بالأبيض والأسود لاعب كرة قدم مشهور أنا لا أحبه أنا أحب زين الدين زيدان " 
 فيما لم يعرف خالد - طالب جامعي  من هو صاحب الصورة " شكله غريب بس عجبني بيلفت النظر مليح يمكن يكون شي مطرب أجنبي لكن مو مشهور  "
لكن قلة من السوريين تعرف أن غيفارا في العام 1959 زار سورية و تجول في الجامع الأموي برفقة الرئيس شكري القوتلي خلال زيارته للمأسوف على شبابها الجمهورية العربية المتحدة .ومنهم كسار الزبادي وهو ناشط انترنيت سوري  تكرم بتزويدنا بفيلم قصير بالأبيض والأسود لهذه الجولة.
سبعة من مرتدي قميص غيفارا لم يتعرفوا على الرجل ومنهم أبو حميدو وهو بائع دخان مهرب، الذي سرعان ما أخرج  "موس كباس "ونقلها من جيب بنطاله الخلفي الأيسر إلى الجيب الأيمن معلناً رفضه الصارم لالتقاط صورة له.
 لكن عبدو  الطالب في الصف التاسع، والذي  يستغل العطلة الصيفية ليعمل في ورشة  للتطريز، و يتقاضى ألف ليرة أسبوعيا  كان  ضالتنا التي اهتدينا إليها بعد وقت طويل ، طبعاً من الطبيعي  أن يكون مصطفى  كـ طالب و "بروليتاري "  من عشاق  غيفارا النموذجيين، إلا أن خوفاً ما تسلل  إلى قلبه من نوعية الأسئلة  فبعد أن وصف لنا  غيفارا بالمجاهد والشهيد وبأن اسمه الكامل أر نستو تشي غيفارا  وأنه طبيب أرجنتيني  أحجم الفتى عن الخوض في النقاش بعد أن سألناه عن مصدر معلوماته ، لكن  السعادة غمرتنا  فقد التقينا أخيراً بمن يرتدي قميص غيفارا حباً بالرجل وهو يعرفه حتى لا يكون تحقيقناً سوداوياً بالمرة، خوف الفتى وانسحابه الفاضح من الأمر كان واضحاً : "أنا أعجبتني صورته فقط ،ولا سبب سياسي لذلك والكثيرين يرتدون مثله ولست أنا لوحدي"
إلا أن رئيسه  في العمل  محمد يقول " أنا شخصياً  لم أسمع به  ولا أعرف أنه من المجاهدين  لكن اسمه غريب أين استشهد  ؟ في العراق  أم في فلسطين ؟ "
يضحك عبدو ضحكة خبيثة ويقول بعد أن طمأنه معلمه " أبو نجيب " للحديث معنا وأننا لسنا من الأمن " هذا شيوعي استشهد في بوليفيا  وليس في العراق ولكن قتله الأمريكيون " يثير جوابه رئيس الورشة  " محمد " الذي يقول أنا عمري  25 سنة ولا أعرف عنه شيئاً هذا الولد ذكي !!

الجمل