فشل الاعتداء السعودي على اليمن
الجمل ـ * فيكتور تيتوف ـ ترجمة رنده القاسم:
على خلفية الصراع المسلح الحالي في اليمن، و حملة القصف الواسعة التي تشنها القوات الجوية السعودية، يستطيع المرء ملاحظة إشارات على أن كل الأطراف المتورطة ربما تسعى سريعا إلى تسوية سياسية للصراع. و قد أثبتت الغارات الجوية لأكثر من أسبوعين أن الائتلاف العربي عاجز عن تحقيق أي شيء بشأن الحوثيين دون أن تكون له أقدام على الأرض، و بالمقابل العملية الأرضية تشكل مخاطرة كبيرة جدا بالنسبة للدول العربية. و ثبت أن دولتين فقط، هما مصر و السعودية، على استعداد لتوفير جنود من أجل الهجوم على اليمن، غير أن المناوشات القتالية القريبة في تضاريس جبلية، متبوعة بحرب عصابات، ستؤدي إلى خسارات كبيرة بين الغزاة، و بالتالي إلى هزيمة عسكرية للائتلاف أو انقلابات في الدولتين المذكورتين أعلاه، مع كون استقرار النظامين المصري و السعودي قد أصيب بضعف خطير لأسباب عدة.
و بالوقت نفسه، يتحرك الحوثيون قدما بثقة ، مسيطرين على أراض جديدة، بما فيها الجنوب. و المدن الرئيسية تحت سيطرتهم الآن، بما فيها أهم مرفأين، عدن و حديده. ما يجعل عملية الإنزال البحري أمرا صعبا جدا أمام قوات الائتلاف، الأمر الذي يحشر السعودية و قطر و المؤيدين العرب الآخرين لعبد ربه منصور هادي في زاوية حرجة.لأنهم الآن غير قادرين على احتلال منطقة على الأرض تمكنهم من تسمية عاصمة مؤقتة مع ذاك النوع من "الحكومة الشرعية". من المثير للانتباه أنه منذ عدة أيام كان إعلام الرياض منهمكا في نشر إشاعة مفادها أن الجيش السعودي سيتلقى مساعدة من المارينز الأميركي في عملية إنزال على الشاطئ في المستقبل.و يبدو الأمر خدعة كاملة ، ففي ضوء الظروف الحالية لا يملك الرئيس باراك أوباما الجرأة لإرسال جنود أميركيين لموت مؤكد.
و لكن رغم النجاحات التي حققها الحوثيون على أرض المعركة، فإنهم لا يرفضون مفاوضات السلام، لعلمهم انه عاجلا أم آجلا عليهم الانهماك في حوار مع أطراف أجنبية من أجل شرعنة سلطتهم. و الأكثر من ذلك أنهم أعلنوا رغبتهم بدء حوار سياسي ضمن اليمن، و لكن هناك شرط و هو عدم عودة منصور هادي على رأس الحكم. فقد هرب من اليمن و أحضر القوات السعودية معه، و هذه الحقيقة تجعله في أعين الحوثيين خائنا بحق كل البلد. و قادة الحوثيين غير مستعدين لنسيان حقيقة أنهم التزموا بكل الشروط التي وضعها قبل الحرب بينما كانت المفاوضات تتم تحت إشراف مستشار الأمم المتحدة الخاص باليمن جمال بنعمر، و مع ذلك شنت الحرب ضدهم بغض النظر عن كل هذا.
عند هذه المرحلة أفضل صفقة ممكن أن تصل إليها السعودية هي اتفاق وقف إطلاق النار مع الحوثيين.و المعلومات المسربة تفترض أن متمردي الشيعة ربما يوافقون على سحب قواتهم من عدن و بعض المقاطعات الجنوبية، حيث يحل مكانهم قوات مسلحة يمنية نظامية لا تزال موالية للحوثيين. و من ثم سيكون من الممكن استئناف الحوار الوطني بين كل القوى السياسية التي أعاقتها الحرب في اليمن، تحت رقابة مستشار الأمم المتحدة الخاص جمال بنعمر.و لكن أولا ينبغي على الأحزاب اختيار المكان لهذه المفاوضات. و من الواضح أن الحوثيين سيعقدون المناقشات على الأرجح خارج المنطقة، على سبيل المثال موسكو، التي عارضت الاعتداء ضد اليمن، رغم وجود بعض الشك بأن السعوديين و الأميركيين سيصرون على عقدها في عاصمة عربية أو أوروبية. و في كل الأحوال، من الواضح أن المتمردين الشيعة سيدخلون في محادثات سلام فقط حين توقف السعودية ضرباتها الجوية. و في السادس من نيسان، صرح المسؤول الحوثي ، صالح الصماد، بأن المجموعة لا تملك أي شرط للمفاوضات سوى إيقاف الاعتداء.
علاوة على ذلك، يجب مواجهة مشكلة تنامي نفوذ القاعدة في اليمن ، و التي تفاقمت بالقصف السعودي. و القوى المتطرفة كانت قادرة على الاستيلاء على المدينة الساحلية الكبيرة "المكلا" في الجنوب. لقد أطلقوا كل أنواع الإرهابيين من السجون المحلية، و بعضهم مصنف من قبل الولايات المتحدة كأكثر الشخصيات خطورة في المنطقة. و الأكثر من ذلك، أعلنت هذه البلدة عاصمة الدولة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية.
و يبقى التساؤل فيما إذا كانت الرياض على استعداد للسعي من أجل تسوية سلمية للصراع. عدد الضربات الجوية يزداد يوميا رغم أن ما من ضرر جدي قد ألحق بالحوثيين. و منذ إطلاق العملية العسكرية في السادس و العشرين من آذار، قتل أكثر من خمسمائة شخص غير أن قسما كبيرا من الإصابات كان بين المدنيين. و قد عمل الطيارون السعوديون على تدمير العديد من مستودعات الأسلحة، مراكز قيادة، و عدد من منصات إطلاق صورايخ سكود إلى جانب الكثير من مضادات الطائرات و الطائرات الحربية. و لكن كل هذا لا يمكنه التأثير على القدرات القتالية للحوثيين و للجنود الذين لا يزالون موالين لنصيرهم ، علي عبد الله صالح.
و هذا ما يثير غضب الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي يظن نفسه القائد القومي الجديد الموازي لجمال عبد الناصر. و بنفس الوقت تتحول الأمور في المملكة من السيء إلى الأسوأ. فالقبائل المحلية غير راضية عن الحرب و انخفاض العائدات جراء هبوط أسعار النفط. و لهذا ليس من قبيل الصدفة بدء السعوديين رفع الأسعار ثانية. و في الوقت ذاته، مسألة احتجاج الشيعة ضد وحدات الشرطة ، التي وقعت في الإقليم الشرقي من المملكة العربية السعودية، قد أدت إلى حوادث جدية. و يؤكد الخبراء على احتمال حدوث مظاهرات حاشدة من قبل شيعة السعودية المستعدين لإظهار تضامنهم مع الحوثيين. و الوضع أيضا متوتر في البحرين، غير أن الشرارة قد تنبثق أولا على الحدود اليمنية السعودية، المسكونة بالقبائل اليمنية التي حاربت المسؤولين في الرياض سابقا.
إذن، بدأ الصراع في اليمن يتخذ بعدا جديدا، و يمتد لأبعد من حدوده. و من الواضح أنه طالما بقي الحوثيون في القمة بينما الائتلاف غير قادر على تحقيق شيء جوهري، فان العرب سيجبرون قريبا على العودة إلى مفاوضات السلام في اليمن بناء على قرارات الأمم المتحدة.
*معلق سياسي روسي حول شؤون الشرق الأوسط.
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
إضافة تعليق جديد