كاثرين بيغلو تكرّس العنصريّة الغربيّة
«يترجم «خزانة الألم» عجز السينما الهوليوودية عن تصوّر العرب و/ أو المسلمين إلا في هيئة الكائنات الساذجة أو التي تهدّد الآخر... اقتحام الجندي الأميركي للصحراء، مدفوعاً بإيمانه بصوابية قضيّته، إنما هو دليل تراجيدي على تعثّر هذه الصناعة أمام سؤال التنوّع الحضاري في العالم، في وقت تطرح فيه نفسها أداةً ترفيهية للإنسانية برمتها». هكذا علّق المخرج والناقد السينمائي الفرنسي ماثيو توفرو على شريط كاثرين بيغلو. لكنّ «الأكاديمية الأميركيّة للعلوم والفنون السينمائية» كان لها رأي آخر. ها هي تمنح الشريط «أوسكار» أفضل فيلم خلال احتفالها الـ82 الذي أقيم فجر أمس، بينما توَّجت كاثرين بيغلو أول امرأة تنال جائزة أفضل مخرجة.
هكذا، هزمَ الشريط المنخفض الكلفة (11 مليون دولار، مدخوله حتى اليوم 16 مليوناً) الذي تناول حرب العراق، غريمه «أفاتار» الفيلم الخيالي الضخم (فوق 300 مليون دولار، عائداته فاقت ملياري دولار) الذي حمل توقيع جيمس كاميرون زوج بيغلو السابق. ولعلّ سرّ تتويج The Hurt Locker يكمن في خطابه. لدينا من جهة فيلم يتناول «محور الخير» الذي جسّده الجنود الأميركيون في العراق وبطولاتهم وتضحياتهم «من أجل الوطن»، مقابل «أفاتار» الذي دعا إلى رفض العنف ومقاومة الغزو والاستعمار.
على عكس عملي براين دي بالما (منقّح ـــــ 2007) وبول هاغيس (وادي الإله ـــــ 2007) اللذين قاربا ما بات يُسمّى «حرب الخليج الثالثة» من خلال ارتكازهما على ممارسات جنود الاحتلال في «سجن أبو غريب»، ذهبت كاثرين بيغلو (59 سنة) إلى تمجيد هؤلاء «الأبطال» على رغم إقرارها بفشل المخططات العسكريّة للبيت الأبيض.
بأسلوب ريبورتاجي يعتمد في التصوير على كاميرا محمولة على الأكتاف، صوّرت بيغلو يوميات فرقة عسكرية أميركية مختصة في نزع الألغام، تحلّ في بغداد بعد أسابيع قليلة على سقوط نظام صدام حسين. انطلاقاً من هنا، يرتكز الفيلم على سلسلة مشاهد تُظهر الفرقة وهي تنزع الألغام، مع ما يحمله ذلك من شحنات توتّر عالية ووتيرة متصاعدة من الإثارة.
يدور سيناريو The Hurt Locker حول محور الخوف: خوف مستمر من الموت، سواء من جانب الفرقة الأميركية، أو من جانب أهالي بغداد الذين لا يحضرون إلا بمقدار ما يخدمون رسالة الفيلم وخطابه. تجد الفرقة نفسها متورطة في حرب شوارع حيث «التفجيرات الانتحارية» تحوّل عاصمة الرشيد إلى ما يشبه مدينة أشباح. وتركّز الكاميرا على أربع شخصيات أساسيّة تتمثل في الرقيب ويليام جيمس (جيريمي رينر)، والرقيب سانبورن (أنطوني ماكي)، وأوين إلدريدج (براين غيراتي) والرقيب ماتيو طومسون. هذا الأخير يلقى حتفه بانفجار لغم مع بداية الفيلم، ما يبعث المزيد من الخوف في رفاقه ويبعث فيهم أيضاً الرغبة في مواصلة المهمّة عرفاناً له وبـ«قضيته المحقّة».
يجمع سيناريو الفيلم، الذي صُوِّرت بعض مشاهده في الأردن والكويت، بين حساسية مهمة الفرقة الأميركية وبؤس الحياة البغدادية، المتّسمة بالفقر والبحث المضني عن لقمة العيش. وسط حالة الفوضى هذه، تبرز صورة معبّرة تتمثل في طفل عراقي صغير (كريستوفر صايغ) يعمل بائع أقراص مضغوطة، ويكسب ثقة إلدريدج من منطلق تعلّقه بلعبة كرة القدم وتأثره باللاعب الإنكليزي دافيد بيكهام. يحاول الفيلم أن يوحي أن مستقبلاً مشرقاً ينتظر العراق، فيما ينقل جزءاً من عدائية المارينز الذين يسارعون إلى إطلاق النار على كل جسم متحرك، حتى لو كان قطيع ماشية، ويقضون وقت فراغهم في التسلية بألعاب إلكترونية قتاليّة.
تطغى على الفيلم المشاهد الخارجية، مع بعض المشاهد الداخلية التي تركز على محادثات أفراد فرقة المارينز الذين لا يتوانون عن كشف جزء من حياتهم الشخصية التي يخيّم عليها الإحباط والحنين إلى الوطن، إذ يصرّح الرقيب سانبورن بنبرة يشوبها الحزن: «لا أريد أن أموت في العراق. أحلم بالزواج وإنجاب طفل (...)». وينضم إليه إلدريدج الذي لا يتوقف عن استعادة ذكريات خليلته التي تركها بعد استدعائه إلى حرب العراق.
النظرة الفوقيّة إزاء العراقيين والعرب حاضرة بقوة في الفيلم. «الرجل الأبيض» أتى ليعلّم العراقيين أصول الديموقراطية والسلام والتحضّر. وهناك ميل واضح لترويج بعض الخطابات السياسية المباشرة، مع نبذ «العمليات الانتحارية» التي تتجسّد خصوصاً في أحد المشاهد الأكثر دموية في الشريط. مشهد يظهر رجلاً أربعينياً يتقدّم من الرقيب ويليام جيمس ويطلب منه المساعدة بغية التخلص من المتفجرات التي كانت تغطي جسده كاملاً. لكنّ الرقيب يفشل في إنقاذ الرجل الذي ينفجر مردداً: «أشهد أن لا اله إلا...» ويتحوّل ـــــ في جزء من الثانية ـــــ إلى شظايا تعكس واقع العراق في الوقت الراهن، فيما يبدو الرقيب «المخلّص» الخيّر الذي جاء ليُنقذ شعب العراق.
ربما جاء اختيار تلك اللقطة الدموية عمداً في نهاية الفيلم، لأنها مثّلت آخر لحظات الدورية في بغداد قبل عودتها إلى أميركا. لحظة تقرّ بفشل مهمة الفرقة، تاركة العراق يغرق في مستنقع الدم نفسه الذي وجدته عليه في البداية.
خلال احتفال «الأوسكار»، أهدت كاثرين بيغلو «الجائزة إلى النساء والرجال العسكريين الذين يخاطرون بحياتهم يومياً في العراق وأفغانستان وفي العالم، وأتمنى عودتهم سالمين إلى ديارهم». لكنّ كاثرين لم تكلّف نفسها عناء طرح الأسئلة، بل اختزلت الصراع بمحوري الخير والشرّ، وركّزت على المعاناة الإنسانية للجنود و«تضحياتهم» و«بطولاتهم». ولكلّ هذه الأس باب، ربما، فضّلت الأكاديمية الأميركية «خزانة الألم».
سعيد خطيبي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد