مأزق تركيا في إدلب
تواجه أنقرة مأزقاً كبيراً الآن مع سيطرة “هيئة تحرير الشام” التابعة للقاعدة على منطقة إدلب المحاذية لإقليم هاتاي التركي. فأي مسار ستتخذه تركيا الآن في ضوء تحوّل الوضع الميداني في إدلب لمصلحة القاعدة ؟ وأي مشاكل يمكن أن تواجهها ؟ هذا ما يحاول موقع “المونيتور” الإجابة عليه.
سيطرت “هيئة تحرير الشام” على أكثر من 30 موقعاً في الاشتباكات التي استمرت بين 18 و24 تموز قاضية بذلك على “أحرار الشام” وحلفائها الذين أجبروا على الانسحاب من إدلب جنوباً نحو ريف حماة.
سيطرت “هيئة تحرير الشام” على المناطق الواقعة عند الحدود مع تركيا. وحده معبر باب الهوى تّم تسليمه لإدارة مدنية محايدة بعد توصل الخصوم إلى اتفاق في 21 تموز، فأي مسار ستتخذه تركيا الآن في ضوء تحوّل الوضع الميداني في إدلب لمصلحة القاعدة؟ وأي مشاكل يمكن أن تواجهها ؟
بهدف عدم عرقلة وصول المساعدات الإنسانية والعسكرية التي تصل إلى “جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)” عبر الحدود التركية، بقيت القوة الرئيسية في “هيئة تحرير الشام” بعيدة من المعابر الحدودية منذ السيطرة على إدلب في آذار، بالرغم من خسارة “أحرار الشام” السيطرة على معبري “باب الهوى” و”خربة الجوز” عندما استؤنفت الاشتباكات بعد وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 21 تموز.
لكن إدراكاً منها للأهمية الحيوية للإبقاء على المعابر مفتوحة، وافقت “هيئة تحرير الشام” على السماح بإدارة معبر “باب الهوى” من قبل إدارة مدنية محايدة.
قد لا تتمكن تركيا من منع عبور المساعدات الإنسانية إلى سوريا لكنها قد تقرر استخدام المعابر كرافعة للضغط عليها من أجل التعاون مع “أحرار الشام”. كما أنها قد تحرّض هيئات المجتمع المدني في الائتلاف الوطني السوري الذين لا يشعرون بالارتياح لوجود “هيئة تحرير الشام”. وقد سبق لبعض هذه المجموعات أن تظاهرت ضد الهيئة.
لكنّ “هيئة تحرير الشام” المصمّمة على قطع الطريق على خطوات تركيا لتوسيع رقعة عمليات “درع الفرات” نحو إدلب لن تقبل على الأغلب بالتعايش مع “أحرار الشام”.
هذه التغيرات في موازين القوى الميدانية من المرجح أن تغيّر خطط تركيا بشأن إدلب وعفرين التي كانت حتى 27 تموز تعبئة قوات درع الفرات المحلية المتواجدة في أعزاز-الباب لطرد وحدات حماية الشعب الكردية من تل رفعت ومينغ ومن ثم فتح ممر بين أعزاز وإدلب. وكانت تقضي الخطوة التالية بطرد قوات “هيئة تحرير الشام” من شمال إدلب ووضع تلك المنطقة تحت سيطرة قوات المعارضة التي تحظى برعاية تركيا على أن تعلن إدلب منطقة “منخفضة التصعيد” وفقاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه مع روسيا في أستانة في كازاخستان.
ما كانت تريده تركيا هو فرض حصار مشدد على منطقة عفرين التي يسيطر عليها الكرد، والتي تحاصر معظمها اليوم القوات المدعومة من تركيا من الشمال الشرقي. مع ذلك لا يزال سكان عفرين قادرين على الوصول الى حلب ومنبج عبر معبر تل رفعت.
تلك كانت الخطط التي أرادت تركيا فرضها مع حليفتها “أحرار الشام” والجماعات المرتبطة بها. لكن أنقرة أدركت الآن أن “أحرار الشام” لا يمكن أن تكون محور استراتيجيتها ضدّ “هيئة تحرير الشام”. انهيار “أحرار الشام” في إدلب تركها أمام خيارين صعبين لمستقبل المنطقة. فإما أن تدخل تركيا في مواجهة مباشرة مع “هيئة تحرير الشام” أو توافق على قيام روسيا وسوريا بعمليات في المنطقة نفسها. الخيار الأول يعني أن هؤلاء الذين يعيشون في إدلب يمكن أن يهربوا إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، أما الخيار الآخر فيعني أنه سيكون عليهم الهروب إلى تركيا، فيما أنقرة لا تريد حتى لاجئاً واحداً آخر.
إن التدخل العسكري التركي في إدلب يمكن أن يؤدي إلى ردود أفعال مختلفة عن تلك التي تعاملت معها حين كان خصمها متواجداً في جبهة جرابلس – الباب.
لوقت طويل دعمت تركيا، من خلال غرفة عمليات التحالف الاستخبارية في أنطاكية وغازي عنتاب كلاً من “جبهة فتح الشام” و”أحرار الشام”. لكن مع إعلان “هيئة تحرير الشام” التي تشكل مظلة لـ”جبهة فتح الشام” بات من الممكن أن يعلن الكثير من جماعات المعارضة، بالرغم من خلافاتها الداخلية، تركيا كقوة محتلّة.
وتتحدث وسائل الإعلام الكردية والتركية عن سيناريوهات من دون أي معلومات دقيقة. بحسب نظريات الإعلام الكردي فإن تركيا أدركت أن قوات سوريا الديمقراطية ستعود إلى إدلب بعد تحرير الرقة. لذلك فإن النظرية تقوم على أن تركيا قررت القضاء على حليفتها على الأرض “أحرار الشام” بحيث يمكن لها احتلال إدلب بنفسها إذ إنه يمكن لها أن تدخل المنطقة بذريعة تطهيرها من القاعدة.
وتحظى هذه النظرية بدعم الجبهة التركمانية، حيث يعتقد نائب رئيس حزب الحركة التركمانية الوطنية طارق سلو جاوزجي أن تركيا لن تسمح للقاعدة بأن تسيطر على إدلب وستتدخل من خلال جيشها. وقال في هذا الاطار “إن تركيا تريد الدخول والبقاء في تلك المنطقة. وإن الاشتباكات المستمرة في إدلب قد توفر لتركيا الظروف التي تبرر تدخلها”.
تنظر تركيا إلى نفسها على أنها متفوّقة على اللاعبين الآخرين في أستانة. لكن التفوق الميداني لـ”أحرار الشام” هو من منحها أوراقاً قوية للعب. تخلت “أحرار الشام” عن معظم نفوذها الميداني حين خسرت المنطقة وبعضاً من المجموعات الحليفة لها.
كذلك فإن كتائب نور الدين الزنكي التي زودتها الولايات المتحدة بصواريخ مضادة للدبابات من نوع “تاو” أعلنت انشقاقها عن “هيئة تحرير الشام” وأنها ستبقى محايدة، فيما انضمت 19 مجموعة (بعضها صغير) إلى “هيئة تحرير الشام” بين 18 و24 تموز.
وتقول مصادر أمنية محلية “إن أزمة قطر “أضعفت “أحرار الشام” وحلفاءها” مشيرة إلى أن انضمام الأخيرة لعملية وقف إطلاق النار في أستانة وانضمامها إلى عمليات درع الفرات هي التي عززت قوة “هيئة تحرير الشام” وسمحت لها بفرض سيطرتها على المنطقة. في 12 أيار نّظمت الهيئة خطباً في المساجد تدين تركيا، بعد ذلك بوقت قصير بدأت بمهاجمة “أحرار الشام”.
وينتظر أن تنقل “جبهة فتح الشام” التي أجبرت مؤخراً على القبول بوقف إطلاق النار في أعقاب اشتباكها مع حزب الله والجيش اللبناني في منطقة عرسال الحدودية، 1500 من مقاتليها إلى إدلب ما يعني فرزاً للمقاتلين ذوي الخبرة بما يعزز “هيئة تحرير الشام”.
برزت إدلب كمكان يحتمل أن يقرر فيه مصير الحرب السورية. تمّ إجلاء المقاتلين من مختلف أجزاء سوريا ونقلوا إلى إدلب. لكن هذه الحرب ليست وشيكة بعد. فالجيش السوري ما يزال يركز على الرقة والمناطق الغنية بمصادر الطاقة في حمص ودير الزور وتدمر. مثل هذه الجبهة الواسعة الانتشار تجعل عملية مركزة في إدلب بعيدة من متناول اليد في الوقت الراهن.
مع احتدام الحرب المقبلة في إدلب، فإن أكثر المتضررين من جراء تلك النيران قد يكون تركيا.
وكالات
إضافة تعليق جديد