مؤتمر سلطة الرواية والتخييل في الثقافة العربية

09-06-2006

مؤتمر سلطة الرواية والتخييل في الثقافة العربية

بدا واضحا حرص محمد برادة على ان يساهم روائيون ونقاد من مختلف الاقطار العربية في الندوة الدولية التي دعت إليها <المنظمة الوطنية للغات والحضارات الشرقية> (باريس 2024 ايار/ مايو 2006)، والتي كان له ولابو بكر الشرايبي فضل كبير في تنظيمها تحت عنوان: <سلطة الرواية والتخييل في الثقافة العربية>.
ان تتسع دائرة المشاركة لتشمل مختلف الاقطار العربية بنسب شبه متعادلة عنى في جانب هام منه تجاوز فكرة المركز والاطراف. المركز المسيطر (المشرق العربي) والاطراف المهمشة (المغرب العربي بشكل خاص) حيث الكلام على الثقافة والادب. فقد كان للروائيين والنقاد والباحثين القادمين من هذه البلدان <المهمشة>، او المنتمين إليها ولكن المقيمين في فرنسا، حضور بارز يعود لا الى عددهم وحسب بل الى مساهماتهم القيمة في الاوراق المقدمة كما في الحوار والنقاش.
في جلسة الافتتاح حرص برادة على الاشارة الى ضرورة تجاوز هذه القسمة التي لم يعد لها من معنى او من مكان. ولعل الجلسة الاولى التي عقدت خارج محاور الندوة الثلاثة، وتحت عنوان <السلطة والدين في ألف ليلة وليلة> عبّرت عن تهافت مثل هذه الفسحة وما تنطوي عليه من دلالة جائرة. فهي، اي هذه الجلسة الاولى، اضافة الى كونها افتتاحا احتفاليا بتراث سردي راح يترك اثره في النتاج الروائي العربي بعد ان سبقنا الغرب الى اكتشاف تراثه، كانت، بشكل اساسي، تكريما لجمال الدين بن شيخ، الباحث الكبير المعروف عالميا والمنتمي بأصوله الى المغرب العربي (الجزائر).
كذلك حرص القيمون على هذه الندوة ان يكون للشباب ولنتاجهم الجديد مساحة حضور واسعة. وقد تمثل ذلك، بشكل مباشر، في المائدة التي عقدت تحت عنوان <سلطة الرواية المضادة>، اي الرواية التي تعتبر نتاجاً جديداً ومختلفاً يستحق الدراسة والنقاش. كما تمثّل ذلك، بشكل غير مباشر، في المائدة التي عقدت تحت عنوان <اللغة الروائية وسيرورة التغيير>. التغيير الذي كان لهذا النتاج الجديد مساهمة نوعية لافتة فيه. اضافة الى مجمل النقاش الذي دار حول مواجهة الفرد للبطركية، ورفض الوصاية والاستتباع. وتسلط السلطة من اي نوع كانت.. ما يعني دعما لحرية الابداع والتجديد واهتماما جادا بالتجارب الشابة.
لقد فرض الجيل الجديد حضوره، المدعوم، في هذه الندوة، ومال النقاش، احيانا، الى ان يكون حادا بين من دافع عن البنى والأساليب الجديدة في كتابة الرواية العربية (وهؤلاء المدافعون ليسوا فقط من الشباب، وهم بين الحضور اكثرية)، وبين من اصّر على الاعتراف بأبوة عربية لهذه الرواية تعود الى جيل التسعينيات، والى رواية التجريب التي لها في نتاج نجيب محفوظ ابوة سابقة.
منتصر القفاش، صاحب رواية <ان ترى الآن>، قدّم مداخلته بصفته من كتّاب الرواية المضادة. قال ردا على من طالب بالاعتراف بأبوة لهذه الرواية المضادة: <نحن نخلق آباءنا>، رافضا بذلك ان يكون ابنا لجيل سابق عليه.
يتسق موقف الرفض هذا والمنظور المضمر الذي شكل خلفية لمحاور الندوة الثلاثة. وهي:
1 الرواية والتقاليد البطركية.
2 صورة المؤسسات والسلطة في التخييل العربي.
3 الرواية العربية بين الماضوية وقيم التغيير.
وقد خصّ كل محور من هذه المحاور بموائد ثلاث. ما يعني تسع موائد بتسع مداخلات استغرقت ثلاثة نهارات كاملة اثرتها التعقيبات والنقاشات التي فتحت نوافذ عدة ومتنوعة على السلطة وتسلطها كما تجلى في اكثر من رواية عربية.
صورة الأب
في المائدة الاولى وتحت عنوان <صورة الأب والبنية البطركية في الرواية العربية>، قدم صبري حافظ موجزاً عن دراسته الطويلة التي تناولت عدداً كبيراً من الروايات العربية، ونمت عن اطلاع واسع وثقافة ثرية. إلا ان حافظ المعروف بأخذه بمفاهيم النظرية السوسيولوجية للادب، مال في هذه الدراسة الى الاخذ بأطروحة هشام شرابي (الابوية الجديدة: نظرية التغيير المشوه في المجتمع العربي)، او بما تقوله هذه الاطروحة من ان <البنية الابوية، او البطريركية Patriarcly، هي الاساس التي تتغلغل في كل ثنايا النظام العربي... وهي المسؤولة في الوقت نفسه عن كل ما ينتابه من مشكلات>.
في تعقيبي على هذه المداخلة التي ثمنت قيمتها المعرفية، فضلت الانطلاق من النصوص الروائية نفسها، بدلا من الانطلاق من اطروحة نظرية منجزة، لاقول بأن العلاقة الابوية هي، في الرواية العربية، علاقة متغيّرة ولا تعبّر دائما عن سلطة يمارسها الاب، بل ان بعض الروايات العربية مالت، مؤخراً، الى فك الارتباط الابوي البنيوي (رواية عراقي في باريس ل صموئيل شمعون) واظهار ان الاب والابن يعانيان كلاهما من سلطة عنصرية، او من وطأة عنف يعود لا الى بنية ابوية بقدر ما يعود الى نظم سياسية اجتماعية، البنية الابوية هي احد تجليات هذه النظم وليس العكس. وهو ما ذهب إليه ابو بكر الشرايبي اذ اعتبر ان الاب، بصفته أبا يمارس فعل الانجاب، هو موقع في منظومة اجتماعية.
في المائدة الثانية قدم السيد فريد الزاهي مداخلة تحت عنوان <الرواية والتقاليد البطريركية: المفارقات والاسئلة>، متوقفا عند العلاقة المرآتية الحوارية بين روايتي ليلى بعلبكي: <الآلهة الممسوخة> (1960) و<أنا أحيا> (1963)، وبين كتابات محمد زخزاف، بالرغم من الفارق الزمني الذي يتجاوز العقد، وذلك، كما يقول الزاهي، <من حيث غنائيتهما الآسرة ومن حيث الكتابة التركيبية المشهدية والمتوترة التي ينسجانها معا>.
النقطة الهامة التي اشار إليها الزاهي تتمثل في اشارته الى <المساعي الاولى لتفكيك وتقويض الحكاية الابوية>، او ما يمكن القول بأنه <نهاية الحكاية Recit وولادة الذات (الحاكية)>. ومن ثم سعى الكاتبان العربيان <الى التعبير عن هذه الولادة المضطربة للذات بسلوك السيرة الروائية القريبة والمحاذية للسيرة الذاتية وان غير المتماهية معها>.
لقد كان هدف الزاهي في ما قدمه في ورقته اثارة الانتباه لروايات تثير <قضايا مصيرية في الذات العربية من قبيل الحرية والجنس، ومكتوبة بطريقة قد لا تندرج في المسارات التاريخية لأساليب كتابة الرواية العربية> (عمارة يعقوبيان للمصري علاء الاسواني). الامر الذي يطرح سؤالا، او مؤشراً، <على عودة الحكاية الى حظيرة الرواية العربية>.
لقد اثارت اسئلة الزاهي واشاراته نقاشا واسعا كونه قدّم امثلة لا تتمتع بقيمة فنية روائية، وان شهرة بعضها تطرح سؤالاً حول مسألة القراءة والقارئ، اي حول مسألة الوعي الجمعي الثقافي، وهو ما ينقل البحث الى مجال آخر.
لقد نوقشت مسألة اختيار الامثلة الروائية في التعقيب ايضا على ورقة فريال غزول التي تناولت <تجليات الجنس في الرواية العربية>، باعتبار القيمة الفنية من جهة، وباعتبار ان امثلة غزول لا تعكس صورة الجنس كما تجلت، مؤخراً، في الرواية العربية، من حيث جرأتها وتجاوزها لكثير من التابوهات. (كما بودي التوسع وتقديم امثلة لكن ورقة فريال غزول لم توزع، او على الاقل لم احصل عليها. اضافة الى اوراق اخرى!! لذا سوف لن يكون بإمكاني الكلام عليها، او تقديمها في هذا المقال).
ثلاث مداخلات قُدِّمت في اليوم الثاني على ثلاث موائد متوالية، امتد زمنها باستثناء فترة الغداء من التاسعة والنصف صباحا الى الخامسة والنصف من بعد الظهر.
الورقة الاولى كانت لسعيد يقطين بعنوان: <الزمن والسلطة في الخطاب الروائي العربي الجديد>. وقد تناول فيها: إشكالية السلطة. السلطة والرواية. صورة الحاكم. صورة الرئيس. خطاب الحاكم.
بداية ميّز يقطين بين الشاعر والراوي، او بين الشعر والسرد: فالشعر كان يؤنس السلطان ويمكن ان يكون مديحا له. وهو وان تخلى حديثا، ونسبيا، عن ذلك فإنه يبقى ذاتيّ التعبير. أما السرد فهو وإن كان يُمتع السلطان فإن مقصده الأساس هو ضرب المثل او استخلاص العبر، وهو بهذا موضوعيّ التعبير، ويجسد، حديثا، العالم <من خلال رؤية راوٍ يكلّف بتمثيل الواقع من منظوره الخاص>.
أما صورة الحاكم فهي، حسب الباحث، نمطيّة لم تتغيّر لأن الحاكم نفسه لم يتغيّر. <لا فرق بين الحاكم العربي الحالي والصورة التي تكوّنت عنه في التاريخ>. تتشابه أنظمة الحكم في الجوهر وان اختلفت تسمياتها. يعاد انتاجها وتتنمّط الصورة في الوعي الجمعي: انها صورة الحاكم في رواية <فراغل الخوف> ل جاسم الرصيف. وصورة الرئيس في رواية <عمارة يعقوبيان> ل علاء الأسواني. وهي خطاب الحاكم في رواية <لعبة النسيان> ل محمد برادة.
واضحا ومقنعا بدا يقطين في ما قدمه من امثلة، وقد ختم بحثه بتثمين الخطاب الروائي العربي إذ اعتبره الأعمق والأجمل في تجسيده أنواع السلطات العربية من أي خطاب عربي آخر.
أبطال ومقولات
المداخلة الثانية في اليوم الثاني ل فيصل دراج بعنوان: <البطل المنتصر بين اسطورة الحق واسطورة التقدم>. وقد ركز فيها على جبرا ابراهيم جبرا، الليبرالي، وحنا مينة، الاشتراكي حسب توصيفه . روائيان مختلفان في الظاهر ولكنهما يتقاسمان <ثلاث مقولات ايديولوجية وان بنسب مختلفة: الصراع بين الشر الواضح والخير الأكثر وضوحا، والبطل الذي ينصر الخير وينصره الخير الذي تجسّد فيه، والمستقبل كزمن للخلاص>.
شأنه الذي نعرف، كانت مداخلة دراج منهجية، متماسكة، تستند الى عدد من المفاهيم كان قد بلورها في ما نشره من كتب استهدفت امكانية بناء نظرية للرواية العربية، وخلصت الى اعتبار الرواية العربية، من حيث هي ظاهرة، رواية <معوّقة>.
في مداخلته يؤكد دراج هذه الاعاقة. مثاله الأول هو رواية <صيادون في شارع ضيق> لجبرا. ففي هذه الرواية، وحسب دراج، <يخلق> الروائي <قدسه> بدلا من ان يجسد هذه المدينة القدس تجسيدا حقيقيا. بجعلها من علم الجمال ووفق تصور رومانسي لا شفاء لجبرا منه.
تحليل دراج لرواية جبرا هذه يُفضي به الى القول بأنها رواية <تلغي التاريخ>، كونها <تشتق تاريخا متخيّلا من الفرد المتفوق> (البطل)، او <تجعل من الفرد الذي لا نظير له مرجعا للتاريخ ومهدا له>.
أما مثاله الثاني فهو رواية <الشراع والعاصفة> ل حنا مينة. تنبني هذه الرواية، حسب دراج، على فكرة <البطل الكامل>، او البطل المتصف بالكمال، المنتصر ابدا. بحيث يصبح البطل، أي <الطروسي> هو <فكرة ايديولوجية> وليس شخصية روائية تحيل على شخص، وتصبح الأمكنة: المدينة، الشاطئ، البحر، المركب... <إشارة ايديولوجية قبل ان تكون مواضيع موضوعية>.
تحليل دراج لامثلته الروائية ينتهي به الى تحديد ثلاثة أبعاد للبطل في مثل هذه الروايات هي: فردية رومانسية. يقين مغلق. تصور ديني للعالم لا يقبل بالاحتمال.
الروائي رشيد الضعيف الذي قيّم تماسك مداخلة دراج، قال بأنها مغلقة على ذاتها وان على من يودّ مناقشته ان يبحث عن فجوة ينفذ منها الى داخل ما يقدمه دراج. ولعل الفجوة التي وجدها الضعيف تمثلت في قوله: بأن الرواية متعة وليست مجرد فكرة.
في النقاش حول هذه المسألة جرى ربط المتعة بالقراءة وربط القراءة بالثقافة.. ويمكن ان نضيف هنا أن مناقشة بحث يتماسك بمفاهيمه تحتاج الى رد يتماسك بمفاهيمه ايضا على حد الاختلاف وامكانية، لا النقد، بل النقض، وليس الى مجرد رأي يبقى، على أهميته، قاصرا عن تقديم ما يوازي ويختلف.
المداخلة الثالثة، من اليوم الثاني، كانت لمنتصر القفاش عن <سلطة الرواية المضادة>. وكان التعقيب ل خليل صويلح ويوسف فاضل.
أما في اليوم الثالث فقد كانت المداخلة الأولى للروائي الجزائري المقيم في باريس واسيني الأعرج بعنوان <تمثيل التاريخ في الرواية العربية>، وكان التعقيب للناقد العراقي عبد الله ابراهيم وللروائي (طبيب جراح) خليل النعيمي.
في النقاش جرى التأكيد على التمييز بين الرواية التاريخية والاستعانة بعناصر من التاريخ لكتابة رواية تخييلية تستهدف الزمن الحاضر (الزيني بركات لجمال الغيطاني). وبقي مفهوم السرد غائبا عن النقاش: سرد التاريخ والسرد الروائي.
في المداخلة الثانية من اليوم الثالث قدم كاظم جهاد عرضا مسهبا ل<صورة الاستبداد والقمع في الرواية العربية>. في التعقيب رأى الروائي خيري الذهبي ان للطغاة تاريخا وانه من الضروري البحث عن الجذر او البذرة التي تستولدهم. هدى بركات مالت الى عدم حصر الصورة في الحاكم. وتساءلت عن أماكن تسربها، والفضاءات التي لا نعود نراها فيها.
أنماط
المداخلة الأخيرة كانت ل محمد برادة بعنوان: <اللغة الروائية وسيرورة التغيير> وقد أكد فيها على ارتباط اللغة بالفكر مستندا بذلك الى ميخائيل باختين الذي يرى، كما يقول برادة، <ان هناك فكرا روائيا للغة>. أما في ما يخص سيرورة التغيير للغة الروائية فقد أشار بداية الى العلاقة الجدلية القائمة بين:
1 <تغيرات المجتمع بما فيها تغيرات الفكر واللغة>.
2 كون التغيير صراعا يعتمد على تغيير لغة الخطاب (نزع قدسية اللغة او العكس.. مثلا).
3 <دور فكر اللغة الروائية في تشخيص سيرورة التغيير والتأشير على محتواه>.
ولعل أهمية ورقة برادة تكمن في تمييزه أربعة أنماط من لغة الكتابة الروائية، بعد اشارته الى الصعوبات التي تكتنف مثل هذا الشغل كون عمر الرواية العربية لا يتعدى المئة سنة، وهو ما لم يسمح <بتبلور توجهات فنية وايديولوجية واضحة المعالم>، وبالتالي تتيح امكانية فرز اتجاهات كبرى متمايزة، <على غرار ما نجد في تاريخ الرواية الغربية: الرواية الرعوية، والهزلية، ورواية الفروسية، والشطارية، والاختبار، والتعلّم، والرواية الرومانسية، والواقعية، والطبيعية...>. ومع هذا قدم برادة رصدا أوليا <للغات روائية تؤشر على التغيير>. ويمكن اعتبار مثل هذا الرصد عملا رائدا في مجال الدراسة العربية لهذا الموضوع.
ميز برادة ثلاث لغات للاتجاه الروائي الواقعي: لغة الغالب والمغلوب لغة الرفض والانتقاد لغة تكشف التناقضات. وميّز أربع لغات تخصّ نصوص سيريّة او روايات تخييل ذاتي: لغة تمجد الارادة الفردية لغة الحميميّة والايروسيّة لغة الانتقاد والسخرية لغة الذات المتعددة والذاكرة الحالمة.
ولئن كان برادة قد اعتمد في عمله التصنيفي هذا على العديد من الأعمال الروائية العربية فقد بقي أمينا لمنطلقه النظري المحيل، وبشكل أساسي، على باختين ومفهوم الحوارية، <حوارية اللغات ذات الابعاد الاجتماعية والتاريخية التي تجعل لغات المتكلمين في الرواية مدخلا لقراءة الايديولوجيات المتباينة>.
هكذا انتهت حكاية ندوتنا الطويلة. ولئن كان البعض قد شارك فيها بمداخلة او تعقيب، او رئاسة جلسة، فقد شارك الجميع في النقاش، وكان عددهم يقارب السبعين مثقفا، او يزيد؟
الموائد تتوالى ولا تتوازى. تتآطر الأفكار والآراء، تتسع، تتعدد لكن في الموضوع الواحد، والمحور الواحد. والموضوع بذلك يتبلور ويتعمق، ويكتسب أكثر من إضاءة.
كنا في قلب باريس ولكن نعيش عالمها الآخر، ضمن قاعة رحبة من قاعات مبنى الأونسكو المحظور الدخول اليه لغير المأذون لهم مسبقا والحاملين علامة على هذا الإذن. كل ما نحمل يخضع للمراقبة. بدا ذلك سلطة من سلطات كنا نناقشها. سلطة تفضي الى الأمان كما تفضي سلطة الرواية الى الحرية. سلطة ضد التسلط. هي سلطة المعرفة ضد سلطة العنف والقمع والاستمرار في قيود زمن مضى.
من مواقعنا الباحثة عن المعرفة ومعاني الحرية وصورها في الرواية العربية، كنا نخرج فترة الظهيرة الى رحاب شوارع باريس. نسلك الطريق المؤدي الى مبنى الأونسكو الرئيسي. الطريق المحتفل بمتغيّرات الطبيعة وحضارة التاريخ البشري العريق.
حضارة قديمة تعيش حداثتها.. وسماء يتناوب عليها الظل والنور. وأناس يعرفون جيدا أماكن العبور.
نتناول الغداء في مطعم الأونسكو، تجري خدمتنا ولا ندري أسرار انتظامها المتقن وسرعتها اللافتة.. وهذا الترحيب الذي لا يفصح عن ذاته بكلام. لكنها المتعة تذكرنا بشكر نكاد ننساه.
في المساء، وبعد استراحة محدودة في الفندق، يفاجئنا الصديق محمد برادة بارشادنا الى أحد مطاعم باريس للعشاء مراعيا قرب المكان ولذة الطعام. تمتد الجسور حميميّة مع من لم نكن نعرف، ونستعيد معا مع من مضى زمن على فراقنا لهم.. تبدو الصداقة أمرا ممكنا لا تحتاج الى زمن ولا تسقط في النسيان.. وتبدو الرواية العربية في أحسن حالاتها: عدد ما يترجم منها في ازدياد وكذلك قراؤها في لغات العالم.
ثمة ورشة اهتمام بالرواية العربية خارج بلد المنشأ. نعم المنشأ. أقول لنفسي. ويرتسم السؤال كبيرا حول هذه المفارقة، لعله من الضروري ان نعود الى موضوع القراءة والمؤسسات المسؤولة عن إعاقتها وفي مقدمها نظم التعليم والثقافة التربوية.

 

يمنى العيد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...