مدافع الحرب السورية:تصعيد إسرائيلي في الجولان وترحيب سعودي قطري تركي بالهدنة
المقتولون بالآلاف ما بين هدنة واخرى. 250 ألف شخص قالت التقديرات إنهم قتلوا بحلول هدنة آذار الماضي. «المرصد السوري» المعارض يقول الآن انهم تجاوزوا الـ300 الف شخص. الهدنة ذاتها أتاحت للفصائل «الجهادية» والارهابية، إعادة تعبئة مستودعاتها، وشحذ سيوفها. «هدنة ايلول» ايضا، قد تكون مناسبة جديدة، إما لإسكات المدافع السورية والدولية، أو تجميدها قليلا، أو إطالة أمد الحرب على سوريا.
وغالب الظن أن صفقة الليل المبرمة بين جون كيري وسيرغي لافروف فجر السبت الماضي، لن تكون أكثر من محطة إضافية على طريق درب الآلام السوري الطويل. الفصائل المسلحة، تلعثمت كثيرا في اليومين الماضيين، وهي تحاول تبني التفاهم الأميركي ـ الروسي، فتشكك به تارة، وتباركه بخجل تارة اخرى. والأنكى، ان غالبيتها، ارتبك كثيرا أمام البنود المتعلقة باستهداف «جبهة النصرة» والنأي بالنفس عنها، والتي كانت محورا أساسيا من محاور عقد التفاوض بين واشنطن وموسكو. لائحة الانتهاكات للهدنة طويلة، خصوصا من جانب الفصائل المسلحة وفي أكثر من جبهة.
لكن ذلك لا يمنع صدور بيانات الترحيب من عواصم كالرياض وأنقرة، بالتفاهم الأميركي - الروسي. في «هدنة آذار» شقت قوافل السلاح والصواريخ الحرارية طريقها من الحدود التركية والاردنية وبأموال سعودية، نحو مواقع الفصائل «الجهادية» الأكثر إقبالا على الموت والخراب السوريين، وما من شيء يشير الى أن سلوكها هذه المرة، سيكون مغايرا. إن الرهان على الدخول المظفر الى قصر المهاجرين، ما زال يتحكم بحسابات السعوديين والأتراك حتى الآن، وإن اختلفت أدوات الوصول الى ذلك. لكن مراقبين يشيرون الى ان التفاهم النفطي بين موسكو والرياض قد يترك آثاره الإيجابية على احتمالات تنسيق أكبر بين الطرفين في الشأن السوري. اللاعب الروسي فرض نفسه بدرجة أكبر على المشهد السوري، منذ ما بعد «عاصفة السوخوي» وهدنة آذار.
أما واشنطن، المستغرقة الآن في «فوبيا» دونالد ترامب وعلة هيلاري كلينتون، فما تزال كما يقول الروس أنفسهم، تتعامل بكثير من المراوغة مع البنود المتعلقة بمكافحة الإرهاب في سوريا، ما يعني انتظاراً سورياً طويلاً الى ما بعد انتخابات تشرين الثاني المقبل، وتسلم الادارة الاميركية الجديدة البيت الابيض في بداية العام 2017، ثم السير على طريق بلورة سياسة سورية جديدة.
وتتقاطع التقديرات والمعلومات الميدانية مع وقائع تشي بأن «هدنة ايلول»، ستكون محطة للعب في الوقت الضائع سياسيا، وإعداد الأوراق عسكريا، استعدادا للحظة انهيار الهدنة الجديدة. وفي هذا السياق، لا يستبعد المراقبون أن يكون الدخول الاسرائيلي الفظ في الأيام القليلة الماضية على الخاصرة الجنوبية لسوريا، والاعتداء على عدد من مواقع الجيش السوري بالتزامن مع حملات عسكرية شنتها فصائل مسلّحة محتمية بالسياج الحدودي للاحتلال ومواقعه العسكرية خلفها، محاولة استباقية من الرعاة الاقليميين للفصائل المسلحة، للالتفاف على الهدنة والتفاهمات التي نجح الروس في دفعها قدما في المفاوضات مع كيري. وأعلن الجيش الاسرائيلي ليلا ان سلاحه الجوي شن ضربة جوية جديدة على موقع للجيش السوري في منطقة عين البرج في الجولان.
وهنا ربما تكون أهمية صواريخ «سام 200S-» التي أطلقها سلاح الدفاع الجوي السوري على الطائرات الاسرائيلية فجر الثلاثاء، والاهم ربما، في توقيتها، والإعلان عن إسقاطها. وسواء تمكنت صواريخ «سام S200» في الواحدة من فجر امس، من إسقاط طائرة الـ «آف 16» الاسرائيلية، أم لا مثلما ادعت اسرائيل، فإن دمشق حققت غايتها في فرض خلط جديد للأوراق.
وبحسب المعلومات، فقد جرى تنسيق المواقف قبيل إعلان قيادة الجيش السوري صباح أمس عن الخبر، مع كل من موسكو وطهران، علما أنه من غير المعروف إن كان الروس على علم مسبق بقرار إطلاق الصاروخ أم لا، وهو ما كان ينص عليه بروتوكول الدفاع المشترك في السابق.
وكانت مصادر مسؤولة قد قالت في وقت سابق إن الجيش «بات لديه الحرية في اتخاذ قرار سريع من هذا النوع»، لكن تعقد الظروف السياسية والميدانية، واختلاط التحالفات والحسابات ربما أخلّا بهامش الحركة هذا في أوقات كثيرة سابقا جرت فيها انتهاكات اسرائيلية للسيادة السورية.
وأكد مسؤولون سوريون أن صاروخ «S200» أسقط بالفعل الطائرة الحربية الاسرائيلية، كما تردد أن هناك مادة مصورة للاستهداف.
ويتفق مراقبون على أنه يمكن قراءة استهداف سلاح الدفاع الجوي لطيران العدو الاسرائيلي بأكثر من طريقة، من بينها انه خلط أوراق سوري للمشهد في ظل فرض الاتفاق الاميركي - الروسي للهدنة العامة التي قد تستوجب تنازلات محددة في أكثر من نقطة.
ويشير المراقبون الى احتمال ان تكون الخطوة السورية بمثابة تصعيد مبطن بالتنسيق مع موسكو، لتحقيق أهداف سياسية معينة. ويشيرون ايضا الى ان الخطوة تمثل تحذيرا جديدا من دمشق وحليفيها «حزب الله» وإيران، بأن الإخلال بتوازن الجنوب سيكون مكلفا، ولا سيما أن الجيش الاسرائيلي ساعد في هجوم الفصائل المسلحة في جنوب القنيطرة.
وقال مسؤولون سوريون إن «ما جرى لن يكون استثنائيا، في المستقبل».
ولاحظ مراقبون أن الإعلان السوري عن إسقاط الطائرتين الاسرائيليتين في القنيطرة، تبعته بساعات تحذيرات أطلقتها وزارة الخارجية السورية نحو انقرة، بالرد على اختراق الطيران التركي «بالوسائل المناسبة في إطار دفاعها عن سيادتها الوطنية».
وتعتقد دمشق أنها في موقع يسمح لها بتوجيه رسائل قوة، سواء كانت باتجاه تل ابيب أو أنقرة، ولا سيما أنها «تتصرف ضمن اطار القانون الدولي الذي يسمح لها بالدفاع عن أراضيها»، إضافة لإمكانية «استثمار المشهد الاقليمي والدولي المعقد، لخلط الاوراق مجدداً».
وكانت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة قد أعلنت «إسقاط طائرة حربية للعدو الإسرائيلي جنوب غرب القنيطرة وطائرة استطلاع غرب بلدة سعسع» في ريف دمشق الجنوبي الغربي، بعد اعتدائها على أحد مواقع الجيش في ريف القنيطرة، في إطار ما وصفته القيادة السورية بأنه «دعم العدو الاسرائيلي للمجموعات الإرهابية المسلحة وفي محاولة يائسة لرفع معنوياتها المنهارة بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به والخسائر الفادحة التي تكبدتها بريف القنيطرة».
أما وزارة الخارجية والمغتربين فقد وجهت رسالتين الى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي حول العدوان الاسرائيلي الذي قالت انه يندرج في سياق «التحالف الاستراتيجي ما بين إسرائيل والمجموعات الإرهابية المسلحة وخاصة جبهة النصرة (فتح الشام)». وأشارت الخارجية السورية الى «التعاون الاسرائيلي مع هذه التنظيمات عند قيامها باجتياح مواقع قوات الأمم المتحدة على طول خط الفصل واحتلالها قبل ما يزيد على العامين لمواقع الأوندوف بتآمر مع النظام القطري».
لافروف
قال لافروف «يعكس الوضع في الجولان زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط عموما، كما أنه يعكس تنامي الخطر الإرهابي الذي تجب علينا محاربته». وأضاف «ينشط في الجولان إرهابيون اعتبرتهم الأمم المتحدة أعداء للبشرية. لكن لدى محاربتهم يجب البقاء في إطار قرارات مجلس الأمن الدولي والتحلي بضبط النفس عموما ومنع وقوع أي استفزازات».
وقال لافروف إن موسكو تخشى من توجه بعض الجهات لشطب تنظيم «جبهة النصرة» الذي غيّر اسمه مؤخرا إلى «جبهة فتح الشام»، من قائمة الإرهاب الدولي، وبذلك إنقاذه من الاستهداف في إطار تنفيذ الاتفاق الروسي - الاميركي حول سوريا. واعتبر أن البعض يرى في «النصرة قوة يجب الحفاظ عليها من أجل استخدامها لاحقا لتغيير النظام في سوريا».
وأشار الوزير الروسي الى أن الجانب الروسي اقترح على واشنطن نشر الحزمة المتكونة من 5 وثائق، والتي توصلت إليها موسكو وواشنطن يوم 9 أيلول إثر محادثات جنيف، بالكامل، وتبنيها كقرار لمجلس الأمن الدولي من دون إجراء أي تعديلات على الوثائق، وذلك على الرغم من سعي الأميركيين للحفاظ على الوثائق المذكورة سرية.
وأكد لافروف مجددا أنه لا أساس لعدم الثقة بما يقوله كيري، لكن التطورات الميدانية أيضا تثير قلقا، مضيفا أن طيران التحالف الدولي يبدي تقاعسا في استهداف مواقع «النصرة».
إيران
قال مدير قسم آسيا الثاني لوزارة الخارجية الروسية زامير كابولوف «لا خلافات (مع الايرانيين). وأول رد فعل إيراني كان إيجابيا، إلا أن الإيرانيين يعربون استنادا إلى خبرتهم المرّة بشأن التعاون مع الولايات المتحدة عن شكوكهم حول ما إذا كان الاميركيون ينوون بالفعل القيام بتنفيذ هذا الاتفاق ولا ينوون استغلال الهدنة من أجل إعادة نشر زبائنهم في سوريا».
وأكد وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان أن حكومة شرعية تحكم سوريا ويجب على الجميع أن يقبل بهذه المسألة، مضيفا ان الهدنة إيجابية، لكن ما يثير القلق هو قيام داعمي المجموعات الإرهابية باستغلال هذه الفرصة لإعادة هيكلتها وتزويدها بالمعدات العسكرية لكي ترفع حدة عملياتها الوحشية أكثر من السابق.
كيري
قال كيري إنه ما إن تكون هناك فترة متواصلة من الهدوء وزيادة وصول المساعدات الإنسانية على مدى سبعة أيام، فستبدأ الولايات المتحدة وروسيا في تنسيق الضربات العسكرية. وتابع انه «بمجرد أن تبدأ الضربات الاميركية والروسية سيمنع النظام السوري من إرسال طائراته في مهام قتالية فوق مناطق توجد بها المعارضة الشرعية».
السعودية
ذكرت وكالة الأنباء السعودية نقلا عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية أن المملكة «تتابع باهتمام بدء سريان الهدنة المؤقتة في سوريا». وأضافت قائلة إن السعودية «تعبر في الوقت ذاته عن ترحيبها باتفاق الهدنة الذي من شأنه أن يساهم في تخفيف المعاناة الإنسانية للشعب السوري الشقيق».
ونقلت الوكالة عن المصدر قوله أيضا «المملكة تؤكد أهمية التزام نظام بشار الأسد وحلفائه بهذا الاتفاق وأن يؤدي إلى استئناف العملية السياسية في سوريا وفق إعلان جنيف 1».
تركيا
اعتبر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان وقف إطلاق النار في سوريا صامد الى حد كبير، معربا عن أمله أن يصبح دائما، فيما قال وزير خارجية تركيا مولود جاويش اوغلو «بإذن الله فإنها (الهدنة) لن تكون من طرف واحد».
قطر
نقلت وكالة الأنباء القطرية عن وزارة الخارجية القطرية قولها في بيان إن قطر تأمل «أن يسهم تطبيق الاتفاق في التوصل إلى حل سياسي شامل ودائم لإنهاء الأزمة في سوريا ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب السوري».
خليل حرب - زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد