ملك الأردن: أرفض الهلال السنّي وأعارض المشروع الاخواني محلياً وإقليمياً

12-12-2012

ملك الأردن: أرفض الهلال السنّي وأعارض المشروع الاخواني محلياً وإقليمياً

ربما سبقت القوى الوطنية واليسارية والقومية في الأردن، نظيرتها المصرية، في الشروع في صراع مبكّر مع الإسلام السياسي. لكن حدّة ذلك الصراع، على المستوى الفكري ـــ السياسي لم تتبلور، بعد، كما هي الحال في أرض الكنانة. وبينما لا تزال هناك جيوب من القيادات السياسية الأردنية على صلة ما بالإخوان المسلمين، فإن المعركة الراهنة في مصر بين قوى التحالف المدني العلماني وقوى الإسلام السياسي، فتحت الباب أمام ولادة سياق جديد في السياسة الأردنية لقيام تحالف مدني يحجّم الإسلاميين، ويُضعف قدرة القوى الدولية والإقليمية على التدخّل الفعّال في شؤون الأردن واستلحاقه بمشاريع ما أصبح يسمى «الهلال السنّي».
 خلال الأيام الأربعة الساخنة من هبّة تشرين 2012 ـــ التي ارتبك «الإخوان» إزاءها بسبب طابعها الاجتماعي الراديكالي ـــ وقف اليساريون الذين انخرط شبابهم بقوة في التظاهرات، حائرين في مواجهة سؤال جوهري: هل نواصل حتى النهاية لنضع البلاد بين مخالب الإسلام السياسي المستعد، تنظيمياً وميليشياوياً ومالياً، والمتمتع بالدعم الدولي والإقليمي (المصري ـــ الخليجي ـــ التركي) لحصد الثمار، بينما تعاني الحركة الوطنية الديموقراطية الانقسامات وضعف الموارد وانعدام الصلات مع القوى الخارجية، ولا تملك سوى المناضلين الشجعان؟ هل نقدّم القرابين على مذبح الانتقال من نظام علماني نصف ديموقراطي إلى دكتاتورية دينية صريحة؟
 انفجار الصراع المدني ـــ الإخواني في مصر قدّم إطاراً جديداً للإجابة عن السؤال الأردني. لكن القصر كان أسرع في التقاط اللحظة السياسية، وبلور، تواً، مبادرة جريئة: التفاهم مع اليسار.
 في يومين متتاليين، الأحد والاثنين الماضيين، تناول الملك عبد الله غداءه مع ممثلين للقوى اليسارية والشعبية؛ جرى اللقاء الأول مع قيادات من اليسار الليبرالي، والثاني مع قيادات يسارية راديكالية وعمالية ونشطاء في الحراك الشعبي. وفي الثلاثاء، التقى رئيس الوزراء عبد الله النسور ممثلي الأحزاب اليسارية والقومية التقليدية (الحزب الشيوعي وحزب البعث بجناحيه). ويعدّ الديوان الملكي لسلسلة من اللقاءات المشابهة.
 كنتُ حاضراً في اللقاء الثاني، واكتشفتُ، بعد ثلاث ساعات من الحوار الصريح الذي تجاوز كل السقوف، أننا لسنا بصدد لقاءات تندرج في إطار العلاقات العامة، بل في إطار محاولة لبناء علاقات سياسية، ربما وجد الملك وأركان حكمه أن التطورات المحلية والإقليمية والدولية قد طرحتها على جدول الأعمال.
 رسائل الملك كانت شديدة الصراحة (ولسوء الحظ، فإنني ملتزم عدم الإفصاح عنها جميعاً)، لكن لدى الملك، ابتداءً، حزمة من المواقف التي تشكل قاعدة للحوار مع اليساريين والحراكيين، منها، أولاً، التزامه المستمر عدم التورّط في سورية، رغم الضغوط الثقيلة، وثانياً، التزامه عدم الخوض، تحت أي تهديد أو إغراء، في أي مشاريع فدرالية أو كونفدرالية مع الضفة الغربية أو القيام بأي دور أردني فيها، ما عدا تقديم الدعم لمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود الـ67، وعاصمتها القدس، وثالثاً، موقفه المعارض للمشروع الإخواني محلياً وإقليمياً، ورابعاً، رفضه الباتّ للتورط في أي نزاع مذهبي، سني ــــ شيعي. (يرى أن موقفه السلبي من «الهلال السني» يوضح أن تعرّضه، سابقاً، لما سمّاه «الهلال الشيعي»، لم يكن عدائياً، وإنما هو دليل على رفضه للمحاور المذهبية جميعاً؛ إنه يقف ـــ كهاشمي ـــ على مسافة واحدة من المذاهب، لا يتحزب ولا يتعصّب)؛ وخامساً، التزامه رفض الحل الأمني للأزمة الداخلية، واعلانه أن الاعتقالات الأخيرة «خطأ» عابر، بادر إلى إصلاحه بإطلاق المعتقلين، وطيّ صفحة الاعتقالات، وسادساً، استعداده لدعم صيغ يسارية في مجالات التعليم والتأهيل والصحة والمرأة، وسابعاً، التزامه الانتقال، بعد الانتخابات، إلى صيغة حكومة برلمانية تتشكل بالاستشارات النيابية، وتنتقل إليها الصلاحيات.
 الحوار السياسي بدأ من دون مجاملات، وقدّم المشاركون، خلاله، طروحات بلا سقوف حول الفجوة العميقة الحاصلة بين الشعب والحكم ووهدة الفقر والتهميش التي تعيشها المحافظات ومؤسسة الفساد والخصخصة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية وعلاقات المملكة العربية والدولية. وكان لافتاً أن الملك استوعب الانتقادات غير المسبوقة من قبل اليساريين والحراكيين، وردّ عليها بشرح مستفيض لتفاصيل المعركة التي يخوضها الأردن، على المستويين الإقليمي والدولي، بالأظفار والأسنان والدبلوماسية معاً.
 الموقع الجيوسياسي للأردن (بحدوده الطويلة المتداخلة مع السعودية والعراق وسورية وفلسطين والبحرية مع مصر) وتشابك علاقاته الاقتصادية والسياسية والأمنية والديموغرافية مع جيرانه، يمنحانه القدرة على القيام بالكثير لإنقاذ نفسه. لكن لليساريين والحراكيين إضافة جوهرية: لا يمكن الصمود من دون تحالف وطني اجتماعي يقوم على الاقتصاد العادل والديموقراطية الاجتماعية وإعادة توجيه السياسة الخارجية نحو التوازن، وخصوصاً لجهة استعادة زخم العلاقات الثنائية مع العراق.

 

                                                                                                     ناهض حتر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...