نساء ضد النساء في معركة الحجاب التركية
في تكرار لما سمي »التظاهرات العلمانية» في نيسان الماضي، رفضا لترشيح عبد الله غول لرئاسة الجمهورية، يحاول متشددو العلمانية في تركيا تكرار السيناريو ذاته، تجاه احتمال نجاح مشروع قانون لتعديل الدستور، يقضي بالسماح بارتداء الحجاب في الجامعات، دون غيرها من المؤسسات الرسمية.
ولهذا نظموا تظاهرة حاشدة أمس الأول، أمام ضريح مؤسس الجمهورية العلمانية مصطفى كمال اتاتورك، شارك فيها، بحسب صحيفة «حرييت» نحو 126 ألف تركي، و275 أجنبياً!
ومع ذلك، يبقى هذا العدد متواضعا أمام أعداد المتظاهرين في نيسان الماضي، ما يعني «ضمناً» أن الاحتجاج على تعديل الدستور لن يقف حجر عثرة أمام التعديل، بل إن تواضع الرقم، سيشجع حزبي «العدالة والتنمية» الحاكم و«الحركة القومية» المعارض، على الاستمرار في اتفاقهما لتعديل الدستور المتوقع خلال أيام.
واللافت في تظاهرة أمس الأول العلمانية، أنها كانت بدعوة من جمعية نسائية، تدعى «نساء الجمهورية»، وأخرى تدعى «جمعية دعم الحياة المعاصرة»، وشاركت فيها 58 منظمة مدنية.
وكانت غالبية المشاركين في التظاهرة من النساء كما لو أن معركة الحجاب، هي معركة نسائية، في حين أنها معركة تتصل بصميم معركة الحريات والديموقراطية، التي قادها رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان منذ وصوله إلى السلطة، وقادت بدورها إلى فتح أبواب تركيا أمام مفاوضات العضوية مع الاتحاد الأوروبي، وإنجاز ما عجز عنه العلمانيون على امتداد العقود الماضية.
ورفع المتظاهرون، (أو المتظاهرات إن صح التعبير) لافتات كتب عليها «يا طيّب (اردوغان) أَلبس الحجاب لباهتشلي (زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي)» و«حزب العدالة والتنمية المباع، حزب الحركة القومية العميل»، وبالطبع الشعار الشهير «تركيا علمانية وستبقى علمانية».
وكان لافتاً ما كتبته رئيسة فرع أنقرة لجمعية «دعم الحياة المعاصرة» اولكو غوناي في دفتر زوار ضريح اتاتورك، حيث وصفت الحجاب بأنه رمز للأسر والعبودية! مضيفةً «إنهم يريدون تدمير العلمانية باسم الحرية ونحن لن نرضى بهذه الثورة المضادة».
وما كان ملفتاً أيضاً في تظاهرة أمس الأول هو أنها جرت تحت شعار «آي 222 (A 222)»، أي الساعة الثانية من اليوم الثاني من الشهر الثاني، عند ضريح أتاتورك، الذي يبدأ اسمع بحرف الألف، في تذكير بما جرى ذات يوم من العام .1960
وتذكّر طريقة التظاهر تلك، بتظاهرة طلابية نظّمت في العام 1960 ضد رئيس الحكومة التركية السابق عدنان مندريس، ذي الميول الإسلامية، والتي جرت تحت رمز «كاي 555»، أي الساعة الخامسة من اليوم الخامس من الشهر الخامس، في ميدان الهلال الأحمر في أنقرة، والذي يبدأ اسمه بالتركية بحرف الكاف. وقد أعقب تلك التظاهرة، انقلاب عسكري في 27 أيار ,1960 أطاح بمندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار، وانتهى بمندريس إلى الإعدام في العام التالي.
وفي مناسبة منفصلة، اتهم رجب طيب اردوغان المتظاهرين ورافضي إلغاء حظر الحجاب، بأنهم هم الذين يريدون تقسيم المجتمع والبلاد. وقال إن العلمانية هي ضمانة الجميع، وإن المحجبات من أكثر المؤمنات بالعلمانية كضمانة للجميع، داعياً إلى عدم استثمار اسم اتاتورك قائلاً «لا تقسموا المجتمع بإظهار المحجبات على أنهن ضد العلمانية... فقط لأنهن لا يلبسن ما تلبسون».
وردا على تساؤل زعيم المعارضة دينيز بايكال: «كيف أصبح الحجاب شرطا أساسيا للدين.. هل جاء النبي من جديد؟»، أجاب اردوغان «من أنت لتفهم بهذه الأمور؟ دع تفسير ذلك لرئاسة الشؤون الدينية. أما أنت فمن المؤكد انك لم تعرف بعد ما إذا كان قد جاء نبي ام لا... لقد كنت تضع صور المحجبات على حافلتك الانتخابية، أما اليوم فتتساءل عما إذا كان النبي قد ظهر من جديد. يبدو انك لم تتعلم الدرس ولا تريد أن تتعلم وتعتقد انه بتوتير الجوّ ستكسب.. ألم تر ماذا حدث في 22 تموز».
وانضم حزب «الحركة القومية»، الشريك في التعديل الدستوري، إلى اردوغان في مواجهة معارضي التعديل، فوصف نائب رئيسه تونجا توسكاي ما يجري من احتجاجات بانه «28 شباط مصغّر»، في إشارة إلى قرارات مجلس الأمن القومي التركي، في 28 شباط ,1997 التي عرفت بـ«مرحلة 28 شباط» وأدت إلى اسقاط نجم الدين اربكان من رئاسة الحكومة بعد أربعة أشهر.
وقال توسكاي إن «عمر قضية الحجاب أربعون عاما.. وزوجة رئيس الجمهورية محجبة.. فهل ذهبت العلمانية وهل ستذهب إذا سمحنا للمحجبات بدخول الجامعات؟»، مضيفاً أن حزبه يدعم التعديل الدستوري حول الحجاب «من اجل قطع الطريق أمام أي تعديلات دستورية مستقبلية يستفيد منها الإرهاب والانفصاليون»، في إشارة إلى رزمة التعديلات الدستورية الخاصة بالحجاب، الواردة في مشروع الدستور الجديد الذي أعده حزب العدالة والتنمية، والذي يتيح حريات أوسع بما يخص الحجاب.
لم يرد اردوغان وحزبه على تظاهرات نيسان الماضي بتظاهرات مضادة، إذ كان بإمكانهما حشد أضعاف مضاعفة لها، بل كان الرد في صناديق الاقتراع، الذي قال «لا» كبيرة للجيش و»نعم» أكبر للديموقراطية وحزب العدالة والتنمية.
وها هي اليوم تركيا من جديد أمام امتحان الالتزام بالقواعد الديموقراطية المدعو للالتزام بها صفوف العلمانيين قبل الإسلاميين.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد