هل تبيع «النصرة» راية «القاعدة» لواشنطن؟
قرّرت «جبهة النصرة» فكّ ارتباطها بتنظيم «القاعدة». هذه الخلاصة يُسرّبها قياديون في تنظيم «القاعدة» على أنّها حصيلة اجتماعات ودراسات بدأت منذ أشهر على أعلى المستويات، وأنّ قرار الانفصال اتُّخذ في مجلس شورى التنظيم الجهادي. وفك الارتباط «لن يكون نقضاً لبيعة، وهو أمرٌ لا يجوز بالطبع، إنما انفصالٌ مدروسٌ بالتراضي مع الإمارة لمصلحة الجهاد في الشام».
تلك هي «التخريجة» التي يُقدمها أحد «ولاة الأمر» في أحد أبرز التنظيمات الجهادية في العالم. ويستعيد القيادي المذكور قول زعيم التنظيم أيمن الظواهري في مسألة فك الارتباط: «إنّ ما يختارونه (أي النصرة) هو اختيارنا، لأننا لسنا طلاب سلطة، لكننا طلاب تحكيم الشريعة. لا نريد أن نحكم المسلمين، بل نُريد أن نُحكم كمسلمين بالإسلام». بالنسبة إلى الجهادي نفسه، «موقف حكيم الأمة كان تمهيداً للمرحلة التي وصلنا إليها». إذ إنّه منذ بدء مشروع «الجبهة» في سوريا، لم يُرِد قادة التنظيم كشف ارتباطهم بـ«القاعدة». إنما دُفِعوا لذلك دفعاً بعدما أصرّ أمير «دولة العراق الإسلامية» آنذاك أبو بكر البغدادي على إلزام الجولاني إعلان اتحاد «النصرة» مع «دولة العراق» لولادة «الدولة الإسلامية في العراق والشام». أُحرِج الجولاني، فخرج مجدداً بيعته للظواهري في نيسان ٢٠١٣. تلك كانت المرة الأولى التي يُكشف فيها ارتباط «النصرة» بالجهاد العالمي، رغم أنّ معظم قادة الجهاد اعتبروا تجديد البيعة خطوة سابقة لأوانها استتبعها وضع «النصرة» على لائحة الإرهاب.
خلال السنوات الثلاث الماضية، أثبتت «النصرة» أنّها الفصيل الأقوى في ميدان المعارضة. وإذا ما استُبعد «الدولة»، فإنّ «النصرة» هي رأس حربة القتال ضد الجيش السوري. غير أنّ «النصرة»، فرع «القاعدة» السوري، لا ينطبق عليها وصف المعارضة «المعتدلة». وهي بالتالي، محاربة دولياً باعتبارها «منظمة إرهابية» لا يمكن دعمها علانية بالمال والسلاح. وبحسب المعلومات، فإنّ الضغوط الدولية والخليجية طوال الفترة الماضية كانت تركّز على دفع «النصرة» للانسلاخ عن «القاعدة». فهل حان الوقت لفك هذا الارتباط؟
بدايةً، لماذا تُريد «النصرة» فك الارتباط؟ وماذا يعني فك الارتباط؟ هل ستتخلى عن «القاعدة»؟ وهل سيكون تخلّياً فعلياً أم شكلياً؟ كيف سيُترجم ذلك على أرض الواقع؟ ماذا ستكسب «النصرة» وماذا ستُحقق «القاعدة»؟ أم سيولد تنظيم «قاعدة مقنّعة»؟ وهل سيؤدي هذا الخيار إلى انشقاق «النصرة»؟
الإجابة عن التساؤلات الواردة أعلاه متشعّبة. ولا شكّ أن دعوات «النصرة» لفك الارتباط هي محاولات لإضفاء الشرعية ونزع صفة الإرهاب عنها مقابل مكتسبات ستُحصّلها هذه الدول من دعمها «النصرة» إذا خرجت من عباءة الإرهاب المتمثّل بـ«القاعدة»، بحسب العرف الدولي. إذ لا يختلف اثنان على أنّ «الجيش الحر» قد اندثر، فيما باقي «الكتائب» غير موحّدة. وبالتالي، لا جود لأي قوّة يعوّل عليها لمواجهة النظام السوري سوى «النصرة». وقد باتت هذه الدول بحاجة ماسة إلى هذه القوة، وعليه تُريد تغييراً في شكل «النصرة» كي لا تكون محرجة. فهل «الجبهة» مستعدة لهذا التنازل الشكلي؟ ولا سيما أنه لا يمس خيارات جهادية ولا يفرض التخلي عن الفكر السلفي، إنما هو ارتباط تنظيمي لا ارتباط فكري، فضلاً عن أن بإمكان «النصرة» التأصيل لهذه الخطوة بالقول إنها مرحلية للوصول إلى «التمكين» لاحقاً، مثلما سبق أن أصّلت التعاون مع أنظمة تعتبرها كافرة كالسعودية وتركيا.
غير أن فك الارتباط هذا، إن حصل، قد يحمل انعكاسات على تماسك قيادة «النصرة» وعناصرها. إذ يمكن أن ترفض قيادات وعناصر لهذا التأصيل فيترتب عليه شق الصف. فما هو موقف الظواهري؟ وهل سيُعطيهم الشرعية؟ وما هو موقف الأميركيين والدول الغربية من «النصرة» إن أخذت مشروعيتها من الظواهري؟ وهل يترتب عن ذلك تركها من قيادات وعناصر والالتحاق بـ«الدولة» أو ولادة فصيل جديد؟ وهل سيخلق ذلك ازدواجية في تعاطي «القاعدة» مع الطرف الأميركي، فيكون حليفاً له في سوريا وعدوّاً في غيرها من الدول؟ ولا سيما أنّ الوقت الراهن يضعنا أمام طرفين: طرف عربي إقليمي بحاجة ماسة إلى «القاعدة»، في مقابل طرف جهادي يحتاج إلى احتضان دولي للتمكين على الساحة السورية.
لقد خرجت خلال الفترة الماضية معلومات عن شقاق داخل قيادة «النصرة»، وصراع بين مؤيدين ومعارضين لترك «القاعدة». وذُكر أنّ الجولاني يومها كان في صفّ الرافضين لفك الارتباط. غير أنّه خلال اليومين الماضيين، انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات التي تدور في فلك «القاعدة» بنقاشات بشأن فك الارتباط. وانقسم هؤلاء بين مؤيد ومعارض. فجرى تداول معلومات عن أنّ المسؤول العام لـ«النصرة» عمِل على «جمع تواقيع من المسؤولين في النصرة من أجل بتّ قرار فك الارتباط عن تنظيم القاعدة خلال الأيام المقبلة، أتى ذلك عقب اجتماع عقده (مجلس شورى) النصرة مع القاعدة في اليمن، أفضى إلى اتخاذ قرار فك الارتباط». غير أنّ ذلك لم يقطع نزاع الجهاديين. يترقّب هؤلاء موقفاً في هذه المسألة من زعيم القاعدة الظواهري. فيقول أحد الجهاديين العراقيين: «والله ما تركنا القاعدة أيام الفصل ما بين الجبهة والدولة حتى أتانا الرد من أميرنا أيمن الظواهري بمن يمثل القاعدة في الشام. ولن نتركها اليوم أو نفك ارتباطنا بها حتى نسمع ما يقوله أميرنا بهذه المسألة». جهاديٌ آخر اعتبر أن «طلب الدول الغربية من النصرة فك ارتباطها بالقاعدة فخ ومصيدة لهدر دم جنودها وتشويهها لدى باقي المجاهدين». ونقل ثالث محادثة نسبها إلى الجولاني منذ أشهر: «لو علمت أنهم سينصروننا إن فككناه لفعلتها في الصباح، لكنه باب للتنازل تلو التنازل لن ينتهي، ثم قال: لو فككنا الارتباط سيقولون لنا: تفضلوا على الرياض ثم تفضلوا على جنيف ثم يقولون أثبتوا لنا أنكم تركتم القاعدة وقاتلوها! ثم سل الذين ذهبوا في غياهب المؤتمرات والقمم من غير القاعدة هل حصلوا على شيء؟».
وبحسب المصادر، فإنّه في حال أعلنت «الجبهة» فك الارتباط، سيترتب عليها إزالة عبارة «تنظيم القاعدة» عن رايتها، كما عليها انشاء مكتب سياسي مع توجّه لتغيير الاسم لاحقاً بعد التوحّد مع بعض الفصائل.
الظواهري يحرّض
تزامن اشتداد الحديث عن فك الارتباط مع خروج زعيم «القاعدة» الشيخ أيمن الظواهري في الحلقة الثالثة من سلسلة «احمل سلاح الشهيد»، لكنه لم يتطرق في الإصدار الصوتي إلى هذه المسألة. وردّت مصادر في «القاعدة» السبب لكون هذه الإصدارات قد جرت منذ أشهر. غير أن الظواهري في الكلمة التي خصّها للحديث عن مآثر القيادي في التنظيم الشيخ سالم مرجان الجوهري وقيادات أخرى قُتلوا في وقتٍ مضى، تطرق إلى الكلام عن «أسود الإسلام في شام الرباط المشرفين على بيت المقدس جنود جبهة النصرة الذين سعوا إلى تحرير الأسرى والأسيرات لدى الحكومة اللبنانية»، لافتاً إلى عملية تبادل الأسرى التي جرى تنفيذها خلال الأشهر الماضية. وشدّد الظواهري قائلاً: «أعيد تحريض إخواني في جبهة النصرة وسائر فروع القاعدة حتى يحرروا آخر أسير وأسيرة في سجون الصليبيين والمرتدين».
رضوان مرتضى
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد