هل تخلى الغرب عن عصابة 14 آذار

14-11-2006

هل تخلى الغرب عن عصابة 14 آذار

ثمة تناقض كبير بين مواقف قوى 14 آذار في الوقت الراهن، والمواقف الدولية. تناقض ينذر بأن تؤدي القراءة المحلية الخاطئة ربما للتحولات الأميركية والاوروبية لاحتمال المواجهة المأساوية والعديمة الفائدة في لبنان.
يمكن البدء في هذه القراءة مثلا من لقاء الرئيس الاميركي جورج بوش مع ضيفه الاسرائيلي ايهود اولمرت. فلبنان يأتي في المرتبة الرابعة في جدول المواضيع بعد إيران والعراق وفلسطين، وإن تم التطرق إليه فسيكون الأمر من زاويتي التحرش الاسرائيلي بالقوات الدولية، وآفاق العلاقة مع سوريا.
فبعض الدول الاوروبية وفي مقدمها فرنسا تمنت غير مرة على بوش أن ينصح إسرائيل او يردعها حيال استفزازاتها المتكررة للقوات الدولية خصوصا بعد ان وصل الامر الى حد الصدام مع القوات الالمانية والفرنسية.
وبوش المكرسح بأزمة العراق وهزيمة الانتخابات، قد ينقل بعض هذه المخاوف الاوروبية لأولمرت المجرجر خلفه هزيمة لبنان ودماء الفلسطينيين. ولكن هذا اللقاء العابر والذي يأتي على هامش زيارة أولمرت إلى مؤتمر الطوائف اليهودية، سيقال فيه الكثير عن إيران والعراق، فإسرائيل تريد نقل الخطاب العملي حيال طهران الى مستوى التهديد العسكري، وتخشى انسحابا اميركيا من العراق.
هذا هو الأهم في الوقت الراهن، وهذا بالضبط ما يجعل إيران وسوريا أمام احتمالين، اولهما احتمال ان يأتي الغرب قريبا طارقا بابهما وباحثا عن مساعدة في الموضوع العراقي، وثانيهما احتمال المغامرة الاميركية الاسرائيلية المنطلقة من مبدأ عليّ وعلى أعدائي يا رب.
الواضح من خلال التصريحات الاخيرة أن الاحتمال الاول هو الاقرب، فوزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بيكر وبعض رفاق جورج بوش الأب دخلوا على الخط، وهم يسيرون في خط الحوار لا المواجهة، ذلك أن لجنة دراسة الاوضاع في العراق برئاسة بيكر والنائب الديموقراطي السابق لي هاملتون، يتفقون مع عدد من الأصوات الاوروبية القائلة بأهمية التفاوض مع سوريا وإيران.
لقد قطعت بريطانيا شوطا هاما في سياق الاستعداد لاعادة اشراك سوريا في المفاوضات حول العراق، ولم يعد مسؤولوها يترددون في الحديث عن ذلك صراحة (طوني بلير ووزير الدفاع دين براون). ولم يكن صدفة ان يصرح براون بذلك أمس من قلب مجلس وزراء الدفاع الاوروبي في بروكسيل.
لم تمانع سوريا يوما في لعب دور سياسي ايجابي يهدئ الوضع الامني في العراق ولكنها كانت تبحث عن الثمن، وليس بالصدفة ان تسرب وكالة الانباء السورية قبل يومين خبرا عن البدء بإعادة تأهيل وتوسيع طرق تربط سوريا بالعراق، وذلك فيما يعتزم وزير الخارجية السورية وليد المعلم زيارة بغداد.
إن سوريا التي كان المسؤولون العراقيون في أوج سطوة الاميركيين في العراق في الاشهر الاول للحرب (بريمر وزاده)، يتهمونها بأنها تذكي نار الحرب وتشجع تسلل المقاتلين الى الاراضي العراقية، هي نفسها التي صارت اليوم جزءا من الضمانات المنشودة للتهدئة هناك.
وفي فرنسا صارت قضية المحاورة المحتملة مع سوريا جزءا من الحملة الانتخابية، ذلك لأن المرشحة الاشتراكية لانتخابات الرئاسة الفرنسية سيغولين رويال طالبت بذلك خلال الحديث قبل فترة عن السياسة الخارجية لفرنسا. قالت رويال ذلك بعد اسابيع قليلة على الزيارة التي قام بها المسؤول الاشتراكي جاك لانغ الى دمشق ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد.
وأما إيران، فإنها لا تزال تتقن فن المد والجزر في برنامجها النووي. فهي استبقت زيارة اولمرت الى واشنطن ودعت وكالة الطاقة الدولية إلى مساعدتها في اقامة مفاعل نووي، وذلك بعد يوم واحد على التهديدات التي اطلقتها حيال اسرائيل والتي قالت فيها انها سترد بحزم على اي اعتداء.
ولا شك انه كان من الصعب، لا بل من المستحيل، توصل حركتي فتح وحماس الى اتفاق حول الحكومة الفلسطينية الجديدة، دون ضوء اخضر من دمشق وطهران.
استنادا الى ما تقدم، يفترض ان تتم قراءة التأزم اللبناني الحالي من زاوية هذه المتغيرات الجوهرية على المستويين الدولي والاسرائيلي، فما كان صالحا قبل عام او عامين لم يعد صالحا اليوم.
صحيح ان بوش المكرسح وأولمرت الاعرج يستبعدان في الوقت الراهن اي احتمال للانفتاح او التفاوض مع سوريا، ولكن الصحيح أيضا ان طهران ودمشق ربحتا مؤقتا الرهان ومعهما روسيا، ولم يعد امام الرئيس الاميركي المهزوم انتخابيا، ورئيس الوزراء الاسرائيلي المهزوم عسكريا وسياسيا، الا ان يقررا امام التفاوض او المغامرة.
يبدو من خلال دخول بريطانيا على الخط ان الاميركيين بحاجة ماسة الى مخرج حتى ولو تطلب الامر تغييرا جوهريا في الاستراتيجا وانفتاحا على محور الشر.
الواضح ان جزءا من قوى 14 آذار قد قرأ هذه المعطيات ولكنه عنيد، وهو ما قاله صراحة رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط الذي يعرف أكثر من غيره صعوبة المرحلة الحالية، وقسم آخر لم يقرأ او انه اوقف قراءته منذ زمن.
هل تخلى العالم عن هذه الامة اللبنانية العظيمة (التعبير لبوش) وقد يتركها تتخبط مرة جديدة في لغة شوارعها ودمائها؟

سامي كليب

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...