هل يكتب الغرب شهادة وفاة «الائتلاف» السوري؟

23-12-2014

هل يكتب الغرب شهادة وفاة «الائتلاف» السوري؟

تبث عواصم غربية شكوكاً قوية في إمكانية استمرار «الائتلاف الوطني السوري» المعارض. هناك دعوات علنية الى استبداله بهيئة جديدة تجمع معارضة الداخل والخارج، لتواكب مرحلة مختلفة تعيشها الأزمة السورية.
كان رئيس «الائتلاف» المعارض هادي البحرة يمرر الوقت في أحد فنادق بروكسل قبل أيام. تناول البحرة عشاءه، وقال لمن أرادوا رؤيته أن بإمكانهم ملاقاته إلى الفندق. كان عليه إشغال نفسه حتى مساء اليوم التالي، بانتظار أن يلبي وزراء الاتحاد الأوروبي دعوته. حضر ذلك الاجتماع، في القاعة المتواضعة لفندق «نيو شارلمان»، وزراء بلجيكا وكرواتيا وسلوفاكيا وبلغاريا، فيما أرسلت بقية الدول سفراءها.سوريون يشاركون في ماراتون لدعم الاطفال المصابين بالسرطان في دمشق (ا ب ا)
كان يمكن للحضور أن يكون أكثر زخما، لو كان وزراء الاتحاد الأوروبي هم من دعوا البحرة إلى الانضمام إليهم. حين كان يمرر الوقت، كانوا اجتمعوا لساعات في نقاش غير رسمي حول الملف السوري، قبل أن يعقدوا في اليوم التالي اجتماعهم الرسمي. انتهوا عند الساعة الخامسة عصراً، ثم انتقل قلة منهم مئات الأمتار لتلبية دعوة البحرة.
المسألة بدت كالتالي: من يمثّل البحرة حتى تتم دعوته إلى اجتماع أوروبي؟ الجواب جاء في الموقف المشترك لدول الاتحاد الأوروبي، الذي صدر بعد اجتماع وزراء خارجيته. «الائتلاف» هو فقط أحد مكونات المعارضة، لا ممثل لها ولا قائد، كما قالوا حرفياً: «المعارضة المعتدلة، بما فيها الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، هي عنصر حيوي بالنسبة لتسوية سياسية مستقبلية ولمحاربة الجماعات المتطرفة على الأرض».
لتوزين هذا الحكم، أعلن الوزراء أن الاتحاد الأوروبي «يشجع كلا من مجموعات المعارضة الداخلية والخارجية على التوحد خلف إستراتيجية مشتركة من أجل تقديم بديل للشعب السوري».
تشكل هذه الدعوة الصريحة أحدث الإشارات إلى دفع الغرب المعارضة السورية إلى تشكيل هيئة جديدة. ومع ذلك، يرفض رئيس الائتلاف هذا التقدير. ويقول البحرة ، إن «كافة الدول الأوروبية، ولاسيما الفاعلة منها في الشأن السوري، ما زالت تدعم الائتلاف كونه الممثل الشرعي للشعب السوري»، مؤكداً انه «لا توجد أي مساع من قبل أي طرف لخلق كيان بديل عن الائتلاف».
كلام إنكار مشابه، عن زخم الدعم الغربي، كان يصدر مساء 24 تموز العام 2012 عن رئاسة «المجلس الوطني السوري»، اللاعب الرئيسي السابق. حينها أسقط وزراء الخارجية أي ذكر له في بيانهم، بعدما كانوا يكررون لأشهر تأييد تمثيله للمعارضة، ودعوة الآخرين إلى الالتحاق به. كان يجب الانتظار نحو ثلاثة أشهر لرؤية الإعلان الرسمي لتلك «الوفاة»، حين رأى النور بديله «الائتلاف الوطني» المعارض.
سيبدو غريباً إن لم يسمع رئيس الائتلاف مباشرة ما يتصل بهذه الخلاصات. التقى البحرة أوائل كانون الأول الحالي بوزير خارجية الدنمارك مارتن ليدغارد في كوبنهاغن. بعد اجتماعه بنظرائه، سألنا ليدغارد عن أبعاد الموقف الأوروبي الجديد. أكد أنه دعا شخصياً، خلال الاجتماع، إلى إعادة تشكيل تمثيل المعارضة «لكي تأخذ مظلة سياسية أكثر قوة، من أجل خلق طرف يكون قادراً على النهوض بالمسؤولية»، قبل أن يضيف «أعتقد أننا في حاجة إلى دعمهم وتقويتهم، وأن نجعل من الواضح جداً لهم أن عليهم أن يتوحدوا».
لتجنب الالتباس، سألنا ليدغارد بدقة: هل يمكن القول، بناء على كلامه، أنها آخر أيام «الائتلاف» المعارض كمظلة؟ فرد بالقول «نعم»، قبل أن يستطرد «ويمكنك القول إنه إذا لم يمكن تقويتها، مهما سميتها، معارضة معتدلة أو مظلة جديدة، إذا لم يمكن الحصول على طرف واحد، قوة واحدة وموحدة، ستكون في غاية الصعوبة معالجة الوضع».
ويأتي تحول الموقف من «الائتلاف» بعد تغيرات جذرية شهدتها الأزمة السورية. وزير خارجية الدنمارك تشارك مقاتلات بلاده في حرب دولية على تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش». الولايات المتحدة تعلن أن الأولوية هي هزيمة التنظيم الإرهابي في كل من العراق وسوريا. وعلى أرض المعارك السورية، باتت المجموعات «المتطرفة» هي المهيمنة في الجبهة المقابلة للنظام.
وعلى خط مواز، باتت الأنظار مركزة الآن على مبادرة أممية جديدة: المبعوث الأممي استيفان دي ميستورا يسعى لإقامة هدنة في حلب، وأينما أمكن، على أمل أن يقود ذلك إلى بناء تسوية سياسية من تحت إلى فوق.
نتيجة لهذه التطورات، يعتبر وزير خارجية لوكسمبورغ جون أسلبورن أن الوقت قد حان لتشكيل هيئة تنهي انقسام صفوف المعارضة السياسية. وقال أسلبورن، حول ذلك، «أعتقد أن المعارضة يجب أن تُرى ضمن هيئة واحدة»، مشدداً على أن «المعارضة هي المعارضة، جزء منها في الداخل وجزء في الخارج».
كل هذا يضع مستقبل «الائتلاف» على المحك. لكن مسؤولا أوروبياً رفيع المستوى يغادر اللهجة الديبلوماسية، ليقول إن قضية «انتهاء دور الائتلاف» تبدو محسومة. وتعليقاً على الحديث عن استبداله، يقول إن «هذا واضح»، مضيفا، وهو يحرك يديه في إشارة امتعاض: «هؤلاء الذين في اسطنبول جماعة فاشلة».
هكذا يشكل الأوروبيون إحدى المرايا التي تعكس صورة «الائتلاف» الآن، وهو ليس مغرماً برؤيتها. حالما أعلن تشكيله تحركت عجلة الترويج له، بدعم من الغرب والخليج العربي. وصل ذلك حد اعتباره «ممثلا للشعب السوري»، فأعطته فرنسا وبريطانيا وقطر مكاتب تمثيل ديبلوماسي يرأسها سفراء له. ولكن خلال الأسبوع الماضي، لم تستطع باريس وفرنسا تبديد معارضة الكثير من نظرائها، ليرسو الموقف الأوروبي المشترك إلى الحكم بأن «الائتلاف» هو فقط أحد مكونات المعارضة.
قيادة «الائتلاف» لا ترى ذلك فقط في البيانات الرسمية، فهي وقفت خلال الشهر الماضي عاجزة أمام رفض بلجيكا منح تأشيرات لبعض أعضائه. كانوا يخططون للقدوم إلى بروكسل، من أجل تعليق لوحة ضخمة أمام البرلمان الأوروبي تم رسمها بأسماء آلاف الأطفال الذين ذهبوا ضحية الصراع المسلح. تساءلت رئاسة «الائتلاف»، بعد معرفتها بذلك، عن مصير اللوحة ولماذا لم تعلّق، فقيل لها إنها شحنت إلى بلجيكا ولا تزال في المستودعات.
وتبرر أوساط الخارجية الأوروبية ضعف الدعم السياسي لـ «الائتلاف» بالقول إنه آلة «معطلة». ثمة ديبلوماسي أوروبي، عادة ما يلتزم لهجة حذرة، علق على مسألة استبداله بالقول «نحتاج إلى معارضة قادرة على العمل».
هناك مآخذ عملية متداولة بين الأوساط الديبلوماسية في بروكسل. قدمت الحكومة البلجيكية مكتبا ليكون بمثابة «ممثلية للائتلاف» لدى الاتحاد الأوروبي، لكنها بقيت معطلة نتيجة خلافات داخلية. بقي موفق نيربية، ممثل «الائتلاف» لدى الاتحاد الأوروبي، يعمل من برلين، في حين يقول أحد المتابعين إن بقاءه هناك «جاء نتيجة خلافات شخصية مع هادي البحرة الذي يعتبره من مجموعة رئيس الائتلاف السابق أحمد الجربا». لم ينفِ أحد مسؤولي «الائتلاف» ذلك، معلقا بالقول إن «القصة طويلة ومعقدة».
هناك معارضون يقولون إنهم مدركون أن مستقبل «الائتلاف» مهدد، وأحدهم من كتلة سياسية وازنة فيه وشارك في محادثات «جنيف 2». يذكّر بإقصاء «المجلس الوطني» معتبرا أن «المجتمع الدولي بات يريد هيئة معارضة جديدة يمكن أن تلتقي مع النظام، أو بوضوح أكثر أن تخضع للشروط الدولية الجديدة، بناء على أولوية الحرب على داعش».
في السياق ذاته، يقول ديبلوماسي رفيع المستوى في بروكسل  إن «المعارضة يجري تركيبها وفق الدور المطلوب منها ووفق السقف السياسي لمطالبها». يستشهد بمبادرة دي ميستورا، لافتا إلى أن «المطلوب هو معارضة تلتحق بمسعى المبعوث الدولي، وهي عملية سياسية ليس معروفا إلى أين ستنتهي، ولا يناسبها معارضة تطلب تنازلات مسبقة من النظام كما يفعل الائتلاف». يؤكد أن ذلك ليس محاولة دولية لإعطاء شرعية للسلطة السورية بل «لجمع وجوه من النظام والمعارضة».
موسكو في قلب هذه النقاشات. إنها تقود الآن مبادرة لجمع المعارضة والنظام، وعقد مؤتمر للتفاوض حول التسوية. وقال وزير خارجيتها سيرغي لافروف مؤخرا إن بلاده تدعم تشكيل «وفد موحد» معارض للقاء السلطة، مشيرا إلى أن موسكو على معرفة بوجود مفاوضات بين أطراف معارضة لتحقيق ذلك.
هذه المبادرة تثير مخاوف «الائتلاف» بأن يكون ضحية لها. كان ذلك واضحاً حين هاجمت قيادته بشدة رئيسه السابق معاذ الخطيب، بعدما زار موسكو الشهر الماضي من دون تنسيق معها وقابل لافروف.
ردّ الخطيب الانتقادات بأقسى منها. لم ينف قوله منفعلا إن بإمكانه «إنهاء الائتلاف» في دقائق. ردّ بأن من يهاجمونه لم يجتمعوا حين تعرض ريف دمشق إلى الهجوم الكيميائي، لكنهم اجتمعوا «للرد على معاذ الخطيب».
مع ذلك، يبقى لافتا الهشاشة التي يراها الخطيب في «الائتلاف»، خصوصا أنه رئيسه السابق. مع العلم أن الرجل كان أكثر من حظوا بتقدير الاتحاد الأوروبي، وهو الوحيد الذي حظي باستقبال وزراء الخارجية ممثلا عن المعارضة حين ترأس «الائتلاف».
من جهته، يعتبر «الائتلاف» الحديث عن محاولات استبداله مجرد «تضخيم ومبالغات». هذا كلام منذر ماخوس، سفير «الائتلاف» في باريس. شدد على أنه «لا يجب أن تكون هناك أوهام، فالائتلاف كان ولا يزال الجسم الأساسي والمعترف به للمعارضة». لا ينفي ماخوس وجود مرحلة جديدة، مع المبادرة الروسية، تقتضي إشراك أطراف معارضة لم تذهب إلى «جنيف 2»، لكنه يرى أن ذلك يمكن أن يحدث «بوجودها جنبا إلى جنب مع الائتلاف».
في ذات المنحى، يبين رئيس «الائتلاف» أنه يواكب هذه المرحلة عبر الحوار مع كافة مكونات المعارضة من أجل الوصول إلى «رؤية مشتركة حول مستقبل الحل السياسي وفق بيان جنيف».
تختفي الثقة التي يتحدث بها البحرة، حين يتكلم معارض مقرب منه، مقرا بأن «حماسة المجتمع الدولي لدعم الائتلاف انخفضت». لذلك يخلص إلى أن أمامه «فرصة أخيرة»، هي انتخابات رئاسته التي ستجري أوائل كانون الثاني المقبل، معلقا بالقول «إذا تمكن الائتلاف من رص الصفوف وإظهار وحدة القرار، حينها يمكنه أن يستعيد زخمه».
هنا لن تنفع «الائتلاف» المنظمة التي تخطط لعلاقاته العامة، وهي مؤسسة يقودها ديبلوماسي بريطاني سابق. صحيح أنها نجحت في إيصال صوت رئيسه عبر كبريات وسائل الإعلام الدولية، لكن إسناد الدور الرئيسي إلى «الائتلاف»، مجددا، ربما يكون فوق إمكاناتها.

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...