"وثيقة نينوى": "داعش" يضع قواعد الإدارة.. ويرفض الشراكة
يحاول تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ("داعش") الايحاء بأنه لم يقتحم محافظة نينوى إلا بهدف "احتلالها" وفرض سيطرته عليها والإمساك بزمام حكمها وإدارتها، في ما بدا رداً على التوقعات التي افترضت بأن عناصر "داعش" سيسارعون إلى الانسحاب من الموصل، كما انسحبوا قبلها من سامراء، وأن الأمر لا يتعدى مجرد إحداث "خبطة إعلامية" تلفت الأنظار إليهم.
وكان المتحدث الرسمي باسم "داعش" أبو محمد العدناني أول من خيّب هذه التوقعات عندما طالب أتباعه بعدم الانسحاب من أي شبر "حرروه" إلا على أجسادهم وأشلائهم، وليس هذا وحسب، بل أمرهم بالاستمرار في القتال حتى الوصول إلى بغداد "عاصمة الخلافة" كما أسماها. وجاء كلام العدناني في تسجيل صوتي صدر أمس الأول وحمل عنوان: "ما أصابكم من حسنة فمن الله" وذلك في تأكيد واضح على نية "داعش" البقاء والتمسك بالمساحات التي سيطر عليها، وعدم الخروج من نينوى التي تعتبر السيطرة عليها أهم إنجازاته في الهجوم الأخير. وبما أن تنفيذ وعيد العدناني بالهجوم على العاصمة بغداد تقف دونه عقبات ومصاعب عسكرية ولوجستية قد لا يكون تذليلها بالأمر السهل ويحتاج إلى وقت قد يطول، فقد باشر التنظيم بالخطوة الأسهل وهي تعزيز وجوده في نينوى وفرض نفسه حاكماً وحيداً لها.
وفي هذا السياق، أصدر "داعش" ما أسماها "وثيقة المدينة" التي تتضمن مجموعة من القواعد التنظيمية التي سيدير "ولاية نينوى" بموجبها. وإذا كان إصدار هذه الوثيقة يعتبر دليلاً قاطعاً على ما يخطط له "داعش" لجهة ضمّ المدينة إلى قائمة ولاياته التي تتشكل منها "دولته الإسلامية" المزعومة، فإنّ مضمون الوثيقة يدل من جهة أخرى على أنّ "داعش" يريد احتكار السيطرة على المدينة وحده دون باقي الفصائل التي شاركت في اقتحام المدينة بنسب متفاوتة، أو تلك التي لها تواجد في المدينة سواء شاركت أم لم تشارك.
وأكدت الوثيقة على أن "الدولة الإسلامية" هي "مشروع الخلافة المنشود وسيفها المشرع" وطالبت الناس الذين جربوا أنواع أنظمة الحكم كافة من علمانية وملكية وجمهورية وبعثية وصفوية أن يجربوا "حقبة الدولة الإسلامية وعهد الإمام أبي بكر القرشي" ليروا البون الشاسع بين حكومات علمانية ظلمتهم وبين "إمامة قرشية تتخذ الوحي المنزل منهجاً".
وحصرت الوثيقة بـ"الدولة الإسلامية" صلاحيات حمل السلاح ورفع الراية التي ترمز إلى الحكم والسيطرة، مؤكدة "عدم القبول بالمجالس والرايات والتجمعات بشتى العناوين"، واضعةً ذلك في إطار نبذ الفرقة والخلاف الذي هو من فخاخ الشيطان، بينما العمل تحت راية واحدة، أي راية "داعش"، خيرٌ كثير.
وتشير بعض بنود الوثيقة إلى أنّ قيادة "داعش" تحاول الاستفادة من تجربتها في سوريا، لتزيل عن نفسها تهم التكفير والغلو وسفك الدماء التي التصقت بها خلال الأشهر الستة الماضية على نحو خاص، حيث أكدت الوثيقة "أنّ الأصل في الناس الإسلام" و "نعامل الناس بما ظهر لنا منهم، ونكل سرائرهم إلى الله، ولا نأخذ أحداً بالظن والتهمة بل بالبينة القاطعة"، لكنها ربطت بين الأمان والاطمئنان الذي يشعر به الناس وبين ظلال الحكم الإسلامي الذي يوفر وحده رغد العيش وضمان الحقوق. إلا أنّ ذلك لم يمنعها من التأكيد على سياستها الشرعية المعروفة تجاه "المشاهد والمراقد الكفرية والمزارات الوثنية" والتي تقتضي هدمها ومسحها بالأرض عملاً بالسنة النبوية، بحسب الوثيقة.
في المقابل، حذرت الوثيقة من "مراجعة العمالة ومغازلة الحكومة" فاتحةً باب التوبة أمام المرتدين من الجيش والشرطة وباقي الأجهزة الكفرية، وأما "من أصرّ على الردة فليس له إلا القتل".
وفي محاولة لنفي ما أشيع عن استيلاء "داعش" على أموال المصارف في المناطق التي سيطر عليها، أشارت الوثيقة إلى أنّ "الأموال التي كانت تحت قبضة الحكومة الصفوية (مال عام) فأمرها عائد إلى إمام المسلمين وهو الذي يتولى تصريفها في مصالح المسلمين وليس لأحد أن يمد يده إليها بسلب أو نهب" ولا يخفى أنّ زعيم "داعش" أبي بكر البغدادي هو إمام المسلمين المفترض ما يعني عملياً وقوع هذه الأموال في يده وتحت تصرفه شخصياً.
وحاولت الوثيقة كسب ود المشايخ والأئمة والخطباء داعية إياهم إلى "وقفة صادقة لصد العدوان الرافضي المسموم... ولنكن صفاً واحداً كما أحب ربنا"، مؤكدة على أنّ المساجد هي "غاية الغايات وأم المرعيات ورأس الحرمات".
وما يعطي هذه الوثيقة أهمية خاصة، هي المعلومة التي ذكرها مصدر جهادي نقلاً عن إحدى القيادات الميدانية، والتي تفيد بأنّ زعيم "الدولة الإسلامية" أبا بكر البغدادي كان خلال الأيام الماضية متواجداً في مدينة الموصل، مشدداً على أنه شارك بنفسه في عملية اقتحام سجن بادوش وإطلاق سراح المعتقلين فيه، كما أكد المصدر على أن البغدادي أشرف على صياغة بنود الوثيقة الموضوعة بخصوص نينوى بعدما رفعت إليه نتائج الاجتماعات واللقاءات التي عقدتها قيادات "داعش" مع الوجهاء ومشايخ العشائر في المدينة.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد