مارسيل خليفة في قلعة دمشق:استثمار للمشاعر ورهان على التكرار
مجدداً التقى الفنان اللبناني الملتزم مارسيل خليفة صاحب التجربة الطويلة مع الأغنية الوطنية بالجمهور السوري في قلعة دمشق على مدى أمسيتين متتاليتين لينشد معهم عدداً من أغانيه التي تنتمي لفترات مختلفة من نتاجه الفني الذي امتد لأكثر من 35 عاماً، شهد خليفة خلاله العديد من الصراعات والحروب والمجازر التي ارتكبت بحق الشعب العربي استطاع ترجمتها إلى أغان وألحان شكلت اللبنة الأساسية لما سمي الأغنية العربية الوطنية الملتزمة، جاءت الأمسيتان بتنظيم مشترك جميع بين شركة مينا لتنظيم الاحتفالات ومحافظة دمشق.
تضمن برنامج الحفل 17 أغنية ومقطوعة موسيقية اختارها مارسيل من مجمل أعماله السابقة دون وجود أية أغنية أو مقطوعة جديدة كتبت أو لحنت لهذه المناسبة التي انتظرها محبو خليفة طويلاً، حيث بدأ الحفل بأغنية «ركوة عرب» والتي قال خليفة بعدها مخاطباً الجمهور: «بما أننا اليوم في دمشق أحببنا أن تكون البداية مع أغنية للشام» أعقبها أغنية «بغيبتك نزل الشتي» و«لبسوا الكفافي ومشو» و«الكمنجات» من أشعار الراحل محمود درويش الذي حياه خليفة مرات عدة أثناء الحفل، تلتها أغنية «بعد يلي كان» و«سجر البن» ثم قدم خليفة واحدة من أكثر أغنياته تأثيراً وشهرة «بين ريتا وعيوني بندقية» بتوزيع موسيقي جديد افتتحه بمقطع موسيقي من ألبومه «بساط الريح» كما حضرت بعض الأغاني الحماسية التي أشتهر خليفة بتأديتها مثل «منتصب القامة أمشي» وأهدى مقطوعة موسيقية للثائر العالمي تشي غيفارا حملت عنوان «تانغو لعيون حبيبتي» تلتها أغنية «أنهض يا ثائر» من أشعار أدونيس وأغنية «يا نسيم الريح» من أشعار الحلاج، بعدها قدم خليفة لأغنية «عصفور طل من الشباك» التي باتت لازمة تتكرر في جميع حفلاته عندما أهداها إلى جميع السجناء في السجون الإسرائيلية والعربية كما سرت عليها العادة، «لا بد لنا في هذا الوقت أن نتذكر الراحل محمود درويش في هذه القصيدة التي كتبها لوالدته حورية» بهذه الكلمات قدم خليفة لأغنية «أمي» التي غناها برفقة زوجته يولا كرياكوس كتحية لصديق دربه الطويل، في الفقرة الأخيرة من الحفل قدم خليفة أغنية «يا ساري» وأغنية قديمة تعود لبداياته مع الغناء «أجمل حب» التي أفتتحها بمقطع موسيقي من غنائية أحمد العربي، تلتها أغنية «جواز السفر» بتوزيع موسيقي جديد سيطر عليه ارتجال الجاز الذي أفقد الأغنية نكهتها وطابعها الخاصين، أما الختام فكان مع أغنية «يا بحرية» التي تخللها عزف منفرد لمجمل عناصر الفرقة المرافقة كما عزفت فيها مقطوعة «طلع الضو» التي جمعت خليفة مع زياد الرحباني فيما مضى، شاركه في عزفها الموسيقي السوري محمد عثمان على البزق.
خليفة واليسار الجديد
يمكن تقسيم جمهور مارسيل خليفة إلى فئتين اثنتين، الأولى هي جيل السبعينيات والثمانينات التي شكلت لهم أغاني خليفة وموسيقاه حالة استقطاب وترجمة للمشاعر الوطنية والثورية التي سيطرت على تلك الفترة، عندما كانت الحرب اللبنانية مستعرة وتلتها الانتفاضة الفلسطينية، عندها تحول خليفة وتجربته في الأغنية الوطنية الملتزمة إلى حالة خاصة وشبه متفردة عكست تطلعات القوى اليسارية والوطنية بأحزابها وتياراتها المختلفة، وبات يشكل جزءاً من الماضي والتاريخ الذي يصعب نسيانه يعيدنا إلى مرحلة الغليلان الثوري والسياسي الذي عشناه جميعاً فيما مضى وبتنا نفتقده في وقتنا الحالي، وتشكل حالة الاستماع لخليفة أو حضور إحدى حفلاته تداع للذاكرة من الصعب نسيانها أو التجرد منها، أما الفئة الثانية فهي جيل تسعينيات القرن الماضي الذي شكل لهم خليفة ملاذاً وطنياً وقبلة للتعبير عن مشاعرهم الوطنية التي تتصاعد مع كل أزمة سياسية أو حرب تنشب في المنطقة، ما تلبث أن تغيب مجدداً لتعاود الظهور، كما حصل مع حرب التحرير عام 2000 وحرب تموز 2006 وغيرها، لكن خليفة أعاد حساباته المعنية بمستقبله الفني والمهني، عندما عرف أن سوق الأغنية الوطنية والملتزمة لم يعد يمتلك بريقه السابق، عندها انتقل مع منتصف تسعينيات القرن الماضي إلى التلحين الموسيقي وتقديم العروض الموسيقية في الخارج، وتراجع عدد الأغاني الوطنية الملتزمة التي بات يقدمها في ألبوماته الجديدة، لكنه بقي حاضراً ينتظر أزمة سياسية أو حرب إقليمية ليرجع من باريس مكان إقامته البعيد والآمن ليقدم حفلاته وأغانيه القديمة هي نفسها دون أي جديد يذكر، معلنا بذلك انتماءه إلى ما يمكن تسميته اليسار الجديد الذي يبرر امتلاك اليساري ثروة هائلة تقدر بعشرات ملايين الدولارات في الوقت الذي يمكنه إهداء مقطوعة موسيقية لتشي غيفارا الذي استشهد فقيراً معدماً، كذلك بات بإمكان خليفة أن يهدي أغنية «عصفور طل من الشباك» للسجناء في المعتقلات الإسرائيلية والسجون العربية على حد سواء وهو يعيش مترفاً في باريس دون أن يقدم أي شيء يذكر من ريع حفلاته لمساعدة أسر الشهداء على سبيل المثال، من منا يذكر آخر مرة تبرع بها خليفة بجزء ولو يسير من ريع حفلاته لجهة خيرية؟ مع أنه ما يزال يصرح بانتمائه للإنسان المقاوم ولا يخفي إيمانه بالاشتراكية واليسار هذا ما أكده مؤخراً في برنامج «كلام الناس» في حلقة خاصة بذكرى ولادته 60، إنها الوطنية الجديدة التي بات يقدمها لنا خليفة مؤخراً.
إلغاء الآخر
قبل افتتاح أمسيات خليفة، نشرت شركة مينا بياناً صحافياً له على عدد من الوسائل الإعلامية جاء فيه: «نلتقي في حفلتي دمشق 6 و7 آب لنبوح بإيمان حار بالإنسان والفن والجمال في زمنٍ آسن يسيجه طاغوت المال وشراهة التسليع لكل القيم الرمزية، نعود إلى دمشق لنكتشف عيار نسبة السلامة في الذائقة الجمالية للجمهور أمام طوفان التفاهة المصنوعة في فضائيات الابتذال، نريد من هذا العرس في الشام أن نعيد الإيمان بأن الإنساني في الناس لا يُسحق تحت أقدام الترويض البذيء، وأن الجميل يخرج دائماً من رماد الحرائق الثقافية المدبّرة، لنستعيد بعض الثقة وخاصة بجمهور الشباب الذي خرج إلى الدنيا في عصر الانحطاط الثقافي ولنؤكد أن حبل العدوان على الأنفس والأذواق قصير وأن الزبد يذهب هباءً ولا يبقى في الأرض إلاّ ما ينفع الناس» ربما نتفق مع ما قاله خليفة عن التفاهة المصنعة وطاغوت المال لكن لا نتفق معه على لهجته العنيفة التي تحمل في طياتها إلغاء للكثير من أصحاب التجارب الفنية الهادفة، فليس كل ما تقدمه الفضائيات هو مبتذل وتافه وهمه المال فقط، إنما يوجد العديد من أصحاب التجارب الغنائية والفنية الحاملة للهم الثقافي وأن كانت بعيدة عما يريده خليفة، وهل يعلم خليفة ما تشكله نسبة ثمن بطاقة الدخول من مدخول الشباب المتحمس لحضوره؟ -تراوح ثمن البطاقة بين 1000و500 ليرة سورية- ومن مفارقات الحدث الثقافي الفني الجلل، هو طلب خليفة من شركة مينا المنظمة بشكل مفاجئ الإعلان عن عقد مؤتمر صحفي في أحد فنادق دمشق القديمة، ليكرر فيه بيانه الصحفي الصارخ الذي يظهره وكأنه تشي غيفارا الفن الذي أتى على صهوة عوده وحنجرته ليخلصنا من آثامنا الفنية التي فرضتها الفضائيات علينا! ناهيك عن الارتباك وعدم إتاحة الوقت الكافي لتعميم خبر انعقاد المؤتمر الصحفي، بدورها نجحت شركة مينا بتنظيم الحفل الاستثنائي ولو تخلله بعض الفوضى في دخول وخروج الجمهور التي كان من الممكن ببساطة التخلص منها لو فتح الباب الآخر للقلعة الذي خصص فقط لعلية القوم وأصحاب الشأن الرفيع.
أنس زرزر-جريدة النهضة السورية
التعليقات
ومن أنت لكي تنتقد مارسيل خليفة ؟؟
برافو أنس
هل مارسيل معصوم عن الخطأ
سقوط خليفة
الى صاحب تعليق : من انت لكي تنتقد مر
إضافة تعليق جديد