من مصر إلى سوريا: هل أصبح "مجلسُ التعاون الخليجي" الذيلَ الذي يهز الكلبَ الأمريكي ؟
الجمل- أجامو بركة- ترجمة: د. مالك سلمان:
بالنسبة إلى صناع القرار الأمريكيين, كانت المساعدات السنوية (1.3 مليار دولاراً) تشكل أداة حيوية للمحافظة على نطاق تأثيرها على الحكومة المصرية.
عندما قرأت أن الجيش المصري قد حدد مهلة لحكومة مرسي لتسوية الأزمة الاجتماعية في البلاد وإلا فإنه, بشكل ضمني, سيتدخل لحل الأزمة, لم يكن من الواضح لي السبب الذي يدفع الولايات المتحدة لإعطاء الضوء الأخضر لانقلاب عسكري مع كل العواقب التي ستترتب على صناع القرار الأمريكيين.
فمع الاضطرابات الاجتماعية والفوضى المتزايدة التي سيولدها إنهاء العملية الديمقراطية في البلاد, يستدعي القانون الأمريكي تعليقَ المساعدات لأي بلد عندما تتم الهيمنة على سلطة الدولة نتيجة انقلاب يعمل على التخلص من حكومة منتخبة ديمقراطياً.
وبما أن الرئيس مرسي و "الإخوان الإسلامويين" قد برهنوا على ولائهم للولايات المتحدة, وبما أن آن باترسون – سفيرة الولايات المتحدة إلى مصر – قد أعلنت عن دعمها الواضح لمرسي قبل ذلك بعدة أسابيع, لم أستطع أن أفهمَ هذا التغيير في الاتجاه ووجع الرأس الذي يسببه انقلاب عسكري.
بسبب الأهمية الاستراتيجية لمصر, كنت على ثقة أن الولايات المتحدة لم تكن مستعدة لإيقاف مساعداتها لهذا البلد. ولكن مع الانقلاب العسكري, واجهت إدارة أوباما المعضلة السياسية في اضطرارها لتطبيق المادة التي ينص عليها قانون المساعدة الأجنبية والذي يسمح للإدارة بالالتفاف على ضرورة قطع المساعدات بشكل آلي في حال قررت الإدارة أن ذلك يصبُ في مصلحة الأمن القومي الأمريكي. بالنسبة إلى صناع القرار الأمريكيين, كانت المساعدات السنوية (1.3 مليار دولاراً) تشكل أداة حيوية للمحافظة على نطاق تأثيرها على الحكومة المصرية بالإضافة إلى ولاء أعضاء المؤسسة العسكرية المصرية. وقد بدا واضحاً أن الإدارة مستعدة لأن تفعل كل ما هو ضروري لتضمنَ استمرار استخدام هذه الأداة.
إذا قامت إدارة أوباما بقطع المساعدات السنوية للجيش, فإن السعودية والإمارات العربية المتحدة ستعوضان هذا النقص في الميزانية.
بعد أن فكرت في الموضوع, بدأت أرى عناصرَ تشير إلى قصة أكثرَ تعقيداً من القصة التي تشير في العادة إلى دور الحكومة الأمريكية الخفي والمؤثر والمسيطر الذي يمسك بيده كافة الخيوط.
هناك قصص تدور في المنطقة تشير إلى أنه من الجانب المصري على الأقل, لم تكن المؤسسة العسكرية معنية كثيراً باحتمال قطع المساعدات الأمريكية, إذا كان ذلك مطروحاً بالفعل. لم يكن الجيش يبالي بذلك لأنه كان بمقدوره الاعتماد على مساعدات أخرى قدمتها بعض بلدان "مجلس التعاون الخليجي" – السعودية, والإمارات العربية المتحدة, والكويت, وقطر, وعمان, والبحرين – الأنظمة الملكية الدكتاتورية المتحالفة مع الولايات المتحدة في المساعي الهادفة إلى زعزعة سوريا وتقطيع أوصال الدولة السورية. فقد قدمت السعودية والإمارات العرضَ التالي لجنرالات مصر: إذا قامت إدارة أوباما بقطع المساعدات السنوية للجيش, فإن السعودية والإمارات العربية المتحدة ستعوضان هذا النقص في الميزانية.
كل هذا يطرح بعض الأسئلة المثيرة بالنسبة لنا, نحن الذين نتابع ونحلل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. فإذا كان صحيحاً أن الجنرالات قد خططوا للانقلاب بصمت دون تلقي الضوء الأخضر من الولايات المتحدة, هل يكون هذا مثالاً آخرَ على تداعي الولايات المتحدة حيث تقوم مجموعة من الحكومات العربية المحافظة الموالية للولايات المتحدة, وللمرة الأولى, بالتصرف من تلقاء نفسها؟ وكما أشار أحد التقارير, لم يكن الجيش المصري ليحاولَ تنفيذ هذا الانقلاب دون مساعدة وتمويل الاستخبارات في السعودية ودبي. ولكن بصفته أحد زبانية الولايات المتحدة, لم يكن الجيش المصري ليقوم بخطوة من هذا النوع دون تلقي الضوء الأخضر من الولايات المتحدة في الظروف العادية. أو ربما تكون الولايات المتحدة قد أعطت الضوءَ الأخضر وتأكدت أيضاً أن الجنرالات فهموا أن المساعدات المقدمة لهم لن تتوقف, وذلك من خلال تأمين هذه المساعدات عبر زبانيتها في المنطقة؟
من الجانب المصري على الأقل, لم تكن المؤسسة العسكرية معنية كثيراً باحتمال قطع المساعدات الأمريكية, إذا كان ذلك مطروحاً بالفعل.
ذكر أن منسق "جبهة الإنقاذ الوطنية" الدكتور محمد البرادعي التقى بأحمد شفيق, آخر رئيس وزراء في عهد مبارك, في الإمارات العربية المتحدة في آذار/مارس حيث اتفق هو والبرادعي على خطة مفصلة للإطاحة بمرسي و "الإخوان الإسلامويين". كما اتفق شفيق مع البرادعي على ضرورة اعتقال مرسي ومسؤولي الإخوان ومحاكمتهم. ومن الصعب التصديق أن الاستخبارات الأمريكية لم تكن تعلم بهذا الاجتماع. ولكن من المحتمل أيضاً أنها لم تكن تعرف به. كما ذكر أيضاً أن السفيرة باترسون, ووزير الدفاع تشك هيغل, ورئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي قد حذروا الجيش المصري من الإطاحة بالرئيس مرسي, لكن الجنرالات تجاهلوا ذلك التحذير.
هناك مضامين مثيرة هنا عندما تنظر إلى الخطوات التي اتخذها "مجلس التعاون الخليجي" في مصر والدور الذي لعبته في المنطقة فيما يتعلق بسوريا. من المعروف أن المصالح الإسرائيلية قد هيمنت دائماً على السياسة الأمريكية في المنطقة, وفي أغلب الأحيان بشكل يضر بمصالح الولايات المتحدة, ولكن من المحتمل نشوء تقاطع جديد للمصالح في المنطقة بشكل عززَ دور "مجلس التعاون الخليجي". ربما لم نعد نستطيع الإشارة إلى تلك البلدان بصفتها مجرد زبانية للولايات المتحدة.
لم يكن الجيش المصري ليحاولَ تنفيذ هذا الانقلاب دون مساعدة وتمويل الاستخبارات في السعودية ودبي.
عند هذه النقطة, فإن تعقيد العلاقات يجعل من الصعب تحديد قدرة "مجلس التعاون الخليجي" الفعلية على التأثير في السياسات الأمريكية في المنطقة, أو على تنفيذ أجندة سياسية مستقلة. فبدلاً من النفوذ المتزايد ﻠ "مجلس التعاون الخليجي", ربما تكون الأحداث في مصر قد مثلت "العاصفة المثالية" لتقاطع المصالح بين الولايات المتحدة التي خافت من استمرار الفوضى؛ والجيش المصري الذي رأى أن إمبراطوريته الاقتصادية الضخمة في خطر مع استمرار الأزمة الاقتصادية في البلاد؛ ورغبات ملك السعودية عبد الله ومحمد بن زايد الإماراتي, اللذين يمثلان المصالح الكبرى ﻠ "مجلس التعاون الخليجي", واللذين نظرا إلى الإطاحة بمرسي بمثابة انتقام من دور الإخوان في إسقاط حكم مبارك.
لكن الواضح أنه مع التراجع النسبي للنفوذ الأمريكي مع هزيمة الولايات المتحدة في العراق, واستسلامها – لحفظ ماء وجهها – في أفغانستان, وعجزها عن إسقاط الحكومة في سوريا, فإن العلاقة بين الولايات المتحدة و "مجلس التعاون الخليجي" علاقة يجب أن يتم النظر إليها بعيداً عن الافتراضات القديمة بخصوص من يؤثر على من في المنطقة.
http://fpif.org/from-egypt-to-syria-is-the-gulf-cooperation-council-the-tail-that-wags-the-u-s-dog/
تُرجم عن ("فورين بوليسي إن فوكس", 12 تموز/يونيو 2013)
الجمل
التعليقات
أوهام
إضافة تعليق جديد