«أسرار» ليلة إقصاء ابن نايف
نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» ووكالة «رويترز» تفاصيل جديدة عن عملية إطاحة ولي العهد السابق محمد بن نايف، وهي العملية التي لم تكن بالسلاسة التي تتحدث عنها السعودية
«في إحدى ليالي حزيران، استُدعي محمد بن نايف إلى أحد قصور مكّة، حيث احتُجز وضُغط عليه على مدى ساعات، حتى استسلم وسلّم العرش.
عند الفجر، استسلم ابن نايف، واستيقظت المملكة العربية السعودية على الأنباء عن ولي جديد للعهد: محمد بن سلمان (31 عاماً) ابن الملك»، بهذه الجملة يمكن اختصار التقرير الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أول من أمس، عن كيفية انتقال السلطة من ابن نايف إلى ابن سلمان في ليل 20 حزيران، والذي أعقبه تقرير آخر في وكالة «رويترز»، أمس، يروي تفاصيل إضافية لتلك الليلة، مع كشفها عن أن الملك سلمان أعدّ تسجيلاً يعلن فيه نقل العرش إلى ابنه، ومن الممكن أن يُبَثّ هذا التسجيل في أي وقت، وربما في أيلول.تشير «نيويورك تايمز» إلى أنّه «منذ ترقيته في 21 حزيران، ظهرت دلائل تفيد بأن محمد بن سلمان تآمر لإتمام الانقلاب»، وتنقل عن مسؤولين أميركيين سابقين وحاليين، إضافة إلى أشخاص مقرّبين من العائلة الحاكمة، أن «الانتقال كان أكثر صعوبة ممّا صُوِّر».
وبحسب الصحيفة، فـ«في ليل 20 حزيران، اجتمعت مجموعة من الأمراء الكبار والمسؤولين الأمنيين في قصر الصفا في مكّة، بعدما أُخبروا بأن الملك سلمان يريد رؤيتهم». وتضيف أنه «قبل منتصف الليل، أُخبر محمد بن نايف بأنه سيلتقي الملك، واقتيد إلى غرفة حيث قام مسؤولون في القصر الملكي بأخذ هواتفه، والضغط عليه من أجل التخلّي عن موقعه وليّاً للعهد، ووزيراً للداخلية». ابن نايف «رفض في البداية»، بحسب الصحيفة، إلا أنه «مع مرور الوقت بدأ يشعر بالتعب، ذلك أنه يعاني من مرض السكري نتيجة محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في عام 2009». في هذا الوقت، «استدعى مسؤولون في القصر أعضاء هيئة البيعة، الذين يجب عليهم الموافقة على التغييرات في خط الخلافة». ووفق الصحيفة، لعب اقتراب نهاية شهر رمضان دوراً مساعداً في سرعة استدعاء هؤلاء، خصوصاً أن «السعوديين كان مشغولين بالواجبات الدينية، فيما كان عدد كبير من أفراد الأسرة المالكة موجوداً في مكة، قبل السفر إلى الخارج في عطلة عيد الفطر». الصحيفة تشير إلى أن عدداً من هؤلاء «أُخبر بأن محمد بن نايف يعاني من مشكلة تتعلق بالمخدرات، وهو غير مناسب ليصبح ملكاً». وفي هذا الإطار، توضح أنه «لسنوات، أعرب أصدقاء مقرّبون من ابن نايف عن قلق يتعلق بصحّته، ذلك أنه منذ محاولة اغتياله، عانى من آلام دائمة وأظهر مؤشرات على اضطرابات ما بعد الصدمة. وقد دفعته حالته إلى تعاطي أدوية، كان البعض يظن أنه سيُدمنها».
«وافق محمد بن نايف على الاستقالة، مع اقتراب بزوغ الفجر»، تقول الصحيفة، مضيفة أنّ «بعد ذلك، جرى تصوير الفيديو الذي يظهر فيه ابن سلمان وهو يقبّل يده، ليعود بعدها ابن نايف إلى قصره قرب البحر الأحمر في جدة، ويُمنع من مغادرته».
من جهتها، تكشف وكالة «رويترز» عن تفاصيل أكثر عمقاً، مشيرة إلى أنه عند حضور ابن نايف إلى القصر، «التقى به الملك في إحدى الغرف، وقال له: أريدك أن تتنحّى، لم تستمع للنصيحة بأن تتعالج من إدمانك الذي يؤثر بنحو خطير في قراراتك». إلا أن الوكالة تنقل عن مصادر مطلعة على المسألة قولها إن «الملك كان مصرّاً على صعود ابنه في سلّم الخلافة، واستخدم مشكلة المخدرات التي يعاني منها ابن نايف حجّةً لتنحيته جانباً».
وبحسب التفاصيل التي ذكرتها الوكالة، «فقد استدعى سلمان المجلس السياسي والأمني لعقد اجتماع عند الساعة الـ11 ليلاً، فيما تلقّى ابن نايف قبلها بساعات اتصالاً روتينياً من محمد بن سلمان، يقول فيه إن الملك يريد رؤيته». وتشير الوكالة إلى أنه «في الساعات التي تلت الاجتماع، تُليت رسالة على مسامع أعضاء هيئة البيعة باسم الملك». وتوضح أن الرسالة «كتبها مستشار لابن سلمان، قال فيها إن محمد بن نايف يعاني من حالة ــ إدمان المخدرات ــ وكنّا نحاول إقناعه على مدى عامين، بالعلاج، ولكن من دون فائدة». وتضيف أنه «بسبب هذا الموقف الخطير، نرى أنه يجب أن يُعفى من منصبه وأن يُعيّن محمد بن سلمان مكانه».
قُرئت هذه الرسالة عبر الهاتف على مسامع أعضاء هيئة البيعة، في الوقت الذي كان فيه محمد بن نايف معزولاً في غرفة طوال الليل من دون هاتفه، وقد قُطع عنه كل تواصل مع مساعديه، واستُبدِل حرّاسه من وحدات النخبة التابعة لوزارة الداخلية. كذلك، أُرسل مندوبون إلى أعضاء هيئة البيعة من أجل الحصول على تواقيعهم، وقد وقّع الكل ما عدا ثلاثة من الأعضاء الـ34. «نجح الانقلاب»، تقول «رويترز»، التي تضيف أنه «جرى تسجيل الاتصالات بأعضاء هيئة البيعة، وإسماعها لمحمد بن نايف من قبل مستشار في القصر لإضعافه». ووفقاً لمصدرين على صلة بالعائلة المالكة، فإن «الأعضاء الثلاثة الذين عارضوا الانقلاب هم: أحمد بن عبد العزيز (وزير داخلية سابق)، وعبد العزيز بن عبدالله (ممثّل عن عائلة الملك عبدالله)، والأمير محمد بن سعد (نائب سابق لحاكم الرياض). وبحسب مصادر الوكالة، فإن ابن نايف ما زال محتجزاً في قصره، ويُمنع عنه الضيوف، ما عدا أفراد عائلته. كذلك فإنه لا يتلقى اتصالات.
صحيفة «نيويورك تايمز» تشير، من جهتها، إلى أن الاحتجاز لم يطاول ابن نايف وحده، فقد «احتُجز الجنرال عبد العزيز الهويرني، الذي يعمل مستشاراً لولي العهد السابق، والذي يعدّ مهماً جداً للعلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة».
وفي هذا السياق، تشير إلى أن «القرار بإزالة محمد بن نايف وبعض المقرّبين منه، بثّ القلق بين المسؤولين الأميركيين في مكافحة الإرهاب، الذين رأوا أحد أبرز الموثوق بهم في السعودية يختفي، في الوقت الذي ينازعون فيه من أجل بناء علاقات جديدة». لذا، تضيف الصحيفة أن «مسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) أطلعوا البيت الأبيض على قلقهم من أن إزالة محمد بن نايف، وأيضاً من الإزالة المحتملة للجنرال هويرني، وغيره من المسؤولين الأمنيين، الأمر الذي قد يؤذي تبادل المعلومات».
من جهة أخرى، تذكر الصحيفة أن منتقدي ابن سلمان «يصفونه بأنه مستعجل ومتعطّش للسلطة، مشيرين إلى أنه أدخل البلاد في حرب مكلفة وفاشلة في اليمن أدّت إلى مقتل عدد كبير من المدنيين، وأيضاً في نزاع مع قطر، وكلتا الأزمتين لا تملكان مخرجاً واضحاً». وتوضح «نيويورك تايمز»، نقلاً عن مسؤول أميركي ومستشار للعائلة المالكة، أن «ابن نايف كان معارضاً لحصار قطر، وربّما قد عجّل ذلك في الانقلاب عليه».
في مقابل كل ذلك، ينكر أحد المسؤولين السعوديين الكبار، للصحيفة، أن «يكون قد ضُغط على محمد بن نايف»، مضيفاً أن «هيئة البيعة المؤلّفة من الأمراء الكبار، وافقت على التغيير لما فيه من مصلحة الأمة». ويضيف بيان مكتوب مُرسل من هذا المسؤول أن «ابن نايف كان أول من أعلن البيعة لولي العهد الجديد، مصرّاً على أن يجري تصوير ونشر تلك اللحظة». «ولي العهد السابق يستقبل ضيوفاً، بشكل يومي، في قصره في جدّة، وقد زار الملك وولي العهد أكثر من مرة»، يقول المسؤول السعودي في بيانه، فيما يفيد بيان آخر بأن «الجنرال هويرني لا يزال في وظيفته، وهو أعلن البيعة لمحمد بن سلمان مع غيره من المسؤولين الكبار».
الأخبار
إضافة تعليق جديد