«إشكالية الوظيفة الدينية في الدولة المعاصرة» في سلسلة دراسات «مراصد»

09-07-2011

«إشكالية الوظيفة الدينية في الدولة المعاصرة» في سلسلة دراسات «مراصد»

صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية في مكتبة الإسكندرية، العدد الرابع من سلسلة «مراصد»، ويضم دراسة بعنوان «إشكالية الوظيفة الدينية في الدولة المعاصرة: قراءة في تجربة تأهيل الحقل الديني في المغرب»، للباحث المغربي أمحمد جبرون. تتناول الدراسة التجربة المغربية في تأهيل الحقل الديني؛ وهي محاولة تأصيل الدولة من خلال إعادة هيكلتها، وإعطاء الوظيفة الدينية ما تستحقه سياسياً ومؤسساتياً وبشرياً، وتعد من وجهة نظر الباحث أحد الحلول الممكنة لمعضلة الدين والسياسة في إطار الدولة، ومتمماً استراتيجياً للمقاربات الأمنية في معالجة «الحركة الإسلامية السياسية». ويقدم جبرون في دراسته نظرة تاريخية لعلاقة الدولة المغربية بالإسلام في عقود الاستقلال، ويتطرق إلى دور وزارة الشؤون الإسلامية التي نشأت للمرة الأولى في 1961، ويتناول تحول التعليم الديني في المغرب من المجتمع نحو الدولة، ويعرض عدداً من الحقائق الاستراتيجية للسياسة الدينية في مغرب الحسن الثاني، ثم ينتقل إلى مشروع تأهيل الحقل الديني في عهد الملك محمد السادس، والحقائق الاستراتيجية لسياسة تأهيل الحقل الديني، ونتائج وتأثيرات سياسة تأهيل الحقل الديني بعد عشر سنوات من انطلاقها. ويبين الباحث أن الحقل الديني في المغرب بعد الاستقلال، وبخاصة خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، تجسد أساساً في وزارة الشؤون الإسلامية، والمساجد، ورابطة علماء المغرب، والتعليم الديني، والزوايا والطرق الصوفية، وبعض الجمعيات الإسلامية التي ظهرت متأخرة كجماعة التبليغ والشبيبة الإسلامية. وكان وصف الملك بأمير المؤمنين متداولاً في الأوساط المغربية قبل الإقرار الدستوري له، وكانت له قيمة ثقافية ودينية وأيضاً قيمة سياسية وقانونية. ويقول الباحث إن ظهور الصفة الدينية للنظام الملكي وتوظيفها في مغرب الحسن الثاني، حكمهما سياق سياسي وتاريخي مختلف تماماً عن السياق الراهن، بحيث كان الغرض منه من جهة كبح جماح اليسار المتطلع بقوة نحو الحداثة السياسية، ومن جهة ثانية وضع اليد على الحقل الديني وسياسة مكوناته وبخاصة العلماء والتعليم الديني. ويتطرق الباحث إلى وزارة الشؤون الإسلامية التي أطلقت في المغرب للمرة الأولى في حكومة عام 1961، وأسندها العاهل الحسن الثاني إلى الزعيم السلفي علال الفاسي، وهو الذي وضع مشروعها السياسي وقانونها الأساسي. وعام 1993 صدر ظهير جديد في شأن اختصاصات الوزارة التي أصبحت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد احداثها بسنتين. وحددت أهداف الوزارة في ثلاثة أهداف رئيسة: أداء رسالة الأوقاف والحفاظ على كيانها، والحفاظ على القيم الإسلامية وسلامة العقيدة، والحفاظ على وحدة المذهب المالكي، والتكوين والتأطير والدراسات في المجال الديني. وتشير الدراسة إلى أن التعليم الديني يعتبر من المحاور الأساسية لسياسة تأهيل الحقل الديني في المملكة المغربية في عهد الحسن الثاني، وذلك بهدف تكوين مواطن أصيل معتز بهويته الدينية ومنفتح على العصر وقيم الحداثة. ومن المحطات البارزة في سياق النهوض بهذا القطاع، إصلاح جامعة القرويين وتأهيلها للقيام بدورها الديني والتنموي في مغرب الاستقلال، وإعادة تنظيم التعليم العتيق والأصيل، وتأسيس شُعب الدراسات الإسلامية، وتأسيس دار الحديث الحسنية، وغيرها.

ويعرض الباحث من خلال دراسته الحقائق الاستراتيجية للسياسة الدينية في مغرب الحسن الثاني، وهي: الهيمنة التدريجية للدولة على الحقل الديني، والوعي المذهبي المتأخر، ونهج سياسة الترشيد والحوار، والعمل ما أمكن على حصر العمل الإسلامي في أبعاده التربوية والتثقيفية.

وتتطرق الدراسة إلى الحوافز النظرية والموضوعية لتأهيل الحقل الديني في عهد محمد السادس، فيقول الباحث إن مشروع تأهيل الحقل الديني في عهد الملك محمد السادس هو من جهة اختيار سياسي يعبر عن الفلسفة السياسية للعاهل المغربي، وأسلوبه في تدبير الدولة، ومن جهة ثانية محصلة لتفاعلات وأحداث شهدها المغرب في السنوات الأولى من حكم الملك، تنزل منزلة الأسباب وراء هذا المشروع، الشيء الذي جعله مشروعاً تاريخياً، وجواباً ضرورياً عن سؤال الدين في الدولة والمجتمع من منظور سياسي.

ويشير الباحث إلى أن من الناحية النظرية، خضع تصميم مشروع هيكلة الحقل الديني وتنزيله لرؤية فكرية وسياسية متسقة تتجلى معالمها في كل مجالات الحقل، وهي تظهر من خلال استقراء كل التعبيرات المواكبة لتنزيل المشروع، ومن أبرزها: إمارة المؤمنين، الهوية الدينية والحداثة. وحصر الباحث أهم الأسباب التي عللت مبادرة الدولة إلى إصلاح الحقل الديني وتأهيله، في ثلاثة أسباب رئيسة: ثقافية، سياسية وأمنية. ويلاحظ الباحث أن مشروع تأهيل الحقل الديني في عهد الملك محمد السادس تجسد في مبادرات وإنجازات عدة، غطت سائر مجالات العمل الديني، وخصوصاً مجالات التأطير والتكوين والإنتاج العلمي والثقافي. ومن أبرز القطاعات الدينية التي طاولها الإصلاح قطاع الأوقاف والشؤون الإسلامية، المجالس العلمية، معهد دار الحديث الحسنية، رابطة علماء المغرب، التعليم العتيق، المساجد، الإرشاد الديني والخطابة والإعلام الديني.

وجاءت المبادرات في شكل إعادة هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وإحداث الهيئة العلمية للإفتاء، وتأسيس الرابطة المحمدية لعلماء المغرب، وإعلام إمارة المؤمنين، وإعادة تنظيم مؤسسة دار الحديث الحسنية، وتكوين الأئمة والمرشدات، وإحياء المذهبية الصوفية للمغاربة، وإطلاق خطة ميثاق العلماء. وتشير الدراسة إلى الحقائق الاستراتيجية لسياسة تأهيل الحقل الديني في عهد محمد السادس؛ ومنها الارتكاز على الفصل الـ 19 من الدستور، الذي يجعل من الملك أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين. ويقول الباحث إن عهد محمد السادس في ما يتعلق بالمجال الديني، يشكل استعادة شبه شاملة لمفردات التدين التاريخي المغربي، في أبعاده العقدية والفقهية والسلوكية.

وتبين الدراسة أن عملية إصلاح الحقل الديني واكبت نزول مجموعة من القوانين والتشريعات في مجالات مختلفة من الشأن الديني كالمساجد، التعليم العتيق، الوعظ والإرشاد، تعيين الأئمة والخطباء والقيمين الدينيين والفتوى. وتشير إلى أن عملية إعادة تأهيل الحقل الديني لم تستهدف فقط حل إشكاليات التطرف والغلو والخروج عن المنهج الوسط من الناحية العقدية والفقهية والسلوكية، ولكن استهدفت أيضاً إدماج الفعالية الدينية في دينامية التنمية والبناء الحضاري، وتجسد هذا الأمر بوضوح في مبادرة تطوير وظيفة المسجد وإدماجه في التنمية من خلال برنامج محاربة الأمية في المساجد، والعناية بالمرأة وبخاصة المرأة العالمة، التي أصبحت حاضرة في كل مبادرات التأهيل تقريباً.

ويعرض الباحث نتائج وتأثيرات سياسة تأهيل الحقل الديني في المملكة المغربية في عهد الملك محمد السادس بعد مرور أكثر من عشر سنوات من انطلاقها. ويبين أن السياسة نتج منها تحديث الوظيفة الدينية للدولة، وتأميم الحقل الديني، واستقطاب النخبة الحركية الإسلامية وإدماجها في مؤسسات الحقل الديني، ومواجهة الفكر المتشدد والمتطرف، وتوفير إمكانات العمل الإسلامي الجديدة. ويؤكد الباحث في نهاية دراسته أن من المهمات المستعجلة للحركة الإسلامية المغربية المتطلعة إلى مستقبل إسلامي راشد، العمل الجاد والدؤوب من أجل بلورة «ميثاق اجتماعي سياسي للوظيفة الدينية» على مستوى الدولة والمجتمع، يتأسس على مبادئ كبرى ثلاثة: إمارة المؤمنين، المذهب والحياد السياسي، وذلك في أفق إحياء المبادرة المدنية الدينية التي تحتضر.

يذكر أن «مراصد» هي سلسلة كراسات علمية محكمة تعنى برصد أهم الظواهر الاجتماعية الجديدة، لا سيما في الاجتماع الديني العربي والإسلامي. تصدر «مراصد» عن وحدة الدراسات المستقبلية، ورئيس تحريرها رئيس وحدة الدراسات المستقبلية حسام تمام، ويشرف عليها مدير إدارة الإعلام في مكتبة الإسكندرية الدكتور خالد عزب، وسكرتارية التحرير أمنية الجميل.

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...