«العسكري» رسمياً في صراع المحاور: «حميدتي» عرّاب الوصاية السعودية
بعد تعثر المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى «الحرية والتغيير» لإصرار الأول على أغلبية تمثله في «المجلس السيادي» ورئاسة عسكرية، يتجه العسكر الذي بات يوصف بـ«الثورة المضادة» إلى فرض مرحلة انتقالية تبقيهم في أعلى هرم السلطة، معتمدين على محور السعودية ــــ الإمارات ــــ مصر، الذي يحضر بقوة في المشهد السوداني، سواء عبر الدعم السياسي أو المالي، أو الزيارات واللقاءات التي تظهر مدى التنسيق في خطوات مواجهة الشارع، والحفاظ على حكم يحفظ مصالح الخارج، ولا سيما المشاركة في الحرب على اليمن.
وتتجلى أشكال التنسيق في زيارة خاطفة لنائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي»، للسعودية، حيث التقى ولي العهد محمد بن سلمان في جدة، في زيارة استمرت لساعات، هي الأولى خارجياً له منذ توليه منصب نائب رئيس المجلس، فضلاً عن لقاءات داخلية كثيفة وعلى مستويات عليا، آخرها خلال زيارة سرية لنائب وزير الدفاع، خالد بن سلمان، الذي زار الخرطوم الأسبوع الماضي.
ويبدو التنسيق بين العسكر ومحور الرياض واضحاً في بيان المجلس العسكري في شأن لقاء «حميدتي» ــــ ابن سلمان أمس، ليؤكد دخول المجلس مع المملكة في عمق لعبة المحاور بعيداً عن صفته الانتقالية. إذ عدّد البيان أهداف الزيارة السريعة، أولاً، بالتأكيد «على بقاء القوات السودانية في اليمن»، رغم إقرار ذلك منتصف الشهر الماضي، حين رفضت قوى «الحرية والتغيير» القرار لعدم أحقية المجلس في اتخاذ قرارات مصيرية لصفته الانتقالية. وهنا، يأتي التأكيد الجديد، أمس، في ضوء وصول هجمات حركة «أنصار الله» المتواصلة ضد أهداف حيوية سعودية وإماراتية إلى ذروتها خلال الأيام القليلة الماضية.
وأِشار بيان «العسكري» إلى أن ثاني أهداف الزيارة «تقديم الشكر للسعودية على موقفها الداعم للشعب... والمجلس العسكري في هذه المرحلة الدقيقة»، بعد أسبوع على إيداع الرياض في المصرف المركزي السوداني 250 مليون دولار. وثالثاً، إبداء استعداد السودان «للدفاع عن أرض الحرمين» والوقوف مع السعودية ضدّ ما وصفها بـ«التهديدات والاعتداءات الإيرانية»، في ظلّ توتر تشهده منطقة الخليج، عقب تلويح واشنطن بالتصعيد العسكري ضد الجمهورية الإسلامية، ومحاولة السعودية حشد دول عربية وخليجية للمشاركة في قمتين «طارئتين» (خليجية وعربية) في مكة المكرمة في 30 أيار/ مايو الحالي.ولا يدع البيان مجالاً للشك في أن مواقف «العسكري» تنطلق من الرياض وأبو ظبي، لإقحام السودان في صراع سياسي وعسكري قبل ولادة سلطة جديدة مدنية بعد الانقلاب على البشير، في حين يستمرّ الاعتصام المفتوح منذ ما قبل الانقلاب في محيط مقرّ قيادة الجيش وسط الخرطوم، للمطالبة بسلطة مدنية من دون استجابة.
تعويم «حميدتي»
لا تخفى علاقات «حميدتي» مع الرياض وأبو ظبي منذ أن أرسله البشير إلى اليمن عام 2015، ليقود القوة الأكبر من القوات البرية هناك. لكن بالنظر إلى موقفه المتبدل على نحو سريع من مطلب تسليم السلطة إلى المدنيين، حين رفض المشاركة في مجلس عوض بن عوف، ثم مشاركته في اليوم التالي في مجلس عبد الفتاح البرهان، وتوليه مهمة الحدّ من مظاهر الاحتجاج وفضّ الاعتصام بالقوة، وآخر تجلّياتها هجومان دمويان الأسبوع الماضي، يبدو قائد قوات «الدعم السريع»، الذي يبرز في اللقاءات الكثيفة مع سفراء السعودية والإمارات والسفير الأميركي استيفن كوتسيس، نقطة ارتكاز رؤية محور السعودية ــــ الإمارات ــــ مصر، التي من شأنها تثبيت حكم موال في «بوابة أفريقيا»، وإبقاء المشاركة في حرب اليمن، و«تطهير» الجيش من الإسلاميين لتحاشي تكرار نموذج حكم البشير.تمدد قائد قوات «الدعم السريع» هو عملياً نتيجة تقاعس العسكر عن أداء دوره في تسليم السلطة، وتفرغه للأدوار الدفاعية، بحسب ما يؤكد محللون. فالإشكالية، بحسب المحلل السياسي حاج حمد، تكمن في أن «حميدتي ينتمي إلى محور السعودية والإمارات الذي يشكل خطراً على السودان، ومن مصلحته إذابة الجيش السوداني»؛ كون القوات المسلحة في تقاليدها تدعم الشعوب وليس الحكومات. ويلفت إلى أن «تجييش العشائر الذي يمارسه حميدتي، ومحاولته تجييش أبنائها في قواته، يتسببان في قطع الإمداد البشري للجيش الوطني»، موضحاً أن دقلو يعمد إلى شراء الولاءات، معتمداً في ذلك على مناجم الذهب التي يسيطر عليها في جبل عامر في إقليم دارفور.
وفي هذا الإطار، كشف أحد أبناء «بني عامر» أن قادة «الدعم السريع» أتوا إلى مدينة القضارف، شرق السودان، أخيراً، إبان صراع قبلي. وبعدما خمدت الفتنة، اجتمعوا مع وجهاء القبائل، واستطاعوا إقناعهم بضرورة تجنيد أبنائهم وتسليحهم حتى إذا ما نشب صراع في المستقبل تكفلوا بإخماده، مشيراً إلى أن «حميدتي» أغدق على الشباب الأموال لاستقطابهم للتجنيد، فاستجاب عدد لا بأس به منهم، وانخرطوا في المعسكرات، وتم ترحيلهم إلى معسكر التدريب في مدينة شندي، شمال البلاد، وتم وعد المجندين بأن يتم توزيعهم في مناطقهم بعد التخرج من معسكرات التدريب. وأكد المصدر أن قوات «الدعم السريع» منحت «كل شاب مبلغ عشرة آلاف جنيه» نظير انتمائه إليها. وتعتبر هذه دفعةً أولى، على أن تكتمل الدفعة الثانية بعد عيد الفطر.
أما في شأن طموحه إلى إضعاف الجيش، فلا يستبعد مراقبون سعي محور الرياض وأبو ظبي إلى استبدال ميليشيا «الدعم السريع» بالجيش السوداني، بحجة أنها مركز للإسلاميين. وهي فكرة تحفّظ عليها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أثناء لقاء جمعه برئيس آلية الاتحاد الأفريقي، ثامبو أمبيكي، في القاهرة، بحسب ما نقلت مصادر مطلعة، مشيرة إلى أنه وصف القرار بـ«الأخرق»، كون الجيش السوداني مؤسسة عريقة مهما تغيرت الأيديولوجيات المتحكمة بها، فهي قابلة للإصلاح و«التطهير»، ولا يمكن مقارنتها بقوى قبلية حديثة التكوين.لكن مراقبين ينظرون إلى حديث السيسي باعتباره «فقاعة اختبار» للداخل السوداني، مشيرين إلى أن حلّ الجيش سيحقق مكاسب عدة للمحور الخليجي، منها التخلص من العناصر الإسلامية المتغلغلة في المؤسسة العسكرية، ومن عناصر القوات المسلحة الذين قد يشكلون حجر عثرة أمام تمدد «حميدتي» داخل الجيش. كما أن جعل «الدعم السريع» القوة الضاربة، يضمن للرياض وأبو ظبي استمرار بقاء القوات السودانية في اليمن. ومن غير المستبعد أيضاً أن تستقطب قوات «الدعم السريع»، في سعيها إلى إرساء دعائم نفوذها، المفصولين من الجيش الذين تم فصلهم إبان حكم البشير، الذي أقصى كل العساكر الذين لا ينتمون إلى حزب «المؤتمر الوطني»، وأضحى الجيش في عهده مؤسسة حزبية، معيارها الأساسي الانتماء الحزبي.
الأخبار
إضافة تعليق جديد