«داعش»... المغرب العربي بعد ليبيا
تستنفر القوى الليبية بأجمعها، حكومة المؤتمر الوطني وقوته العسكرية «فجر ليبيا» في الغرب، وحكومة الشرعية الدولية وعسكرها في الشرق. يجتمع الطرفان على خطر يسري بالقرب منهما. «داعش» لم يعد حالة عابرة، صار قوة يهدد ويتوعد. له منطقة نفوذ استراتيجية، يتوسط ليبيا والمعسكرين المتخاصمين، في يده مؤسسات متكاملة من مخلفات معمر القذافي، تحت أقدامه ثروة نفطية تحيي ممالك وإمارات. القلق يضرب مصراته، القوة الضاربة في «فجر ليبيا» والأقرب إلى «داعش». التهديد جدي، لا بل اكتوت ببعض نيرانه. الشرق ليس بأفضل حال، عينه على سرت وأخرى في عقر داره بنغازي. حربه يومية مع التنظم، وفصولها لا تعرف النهاية.
يفهم «داعش» الطرفين جيداً، يعي أنهما وصلا إلى مرحلة الطلاق «الخلعي». يقدم نفسه كقوة ثالثة صاعدة، تمثل امتدادا لدولة أبي بكر البغدادي الموعودة في العراق والشام. واضحة أهداف «داعش»، يسعى التنظيم إلى تثبيت أقدامه في ليبيا، يشبه ـ إلى حد كبير ـ في طريقة نشأته، بدايته في صحراء الأنبار العراقية. بحث عن الحاضنة الشعبية، فوجد الديار مفتوحة في مسقط رأس القذافي، في سرت قلوب امتلأت غيضاً مما أصابها لمناصرة رجل الخيمة، رجال مستعدون للتحالف مع الشياطين لرد اعتبارهم. لم تحتاج «داعش» للتسلل إلى سرت، بل وجد من يستقبله بأذرع مفتوحة. مثل ما حدث تماماً في الفلوجة العراقية. بعثيو صدام والمحاربون المقصيون، وجد فيهم البغدادي ضالته.وجدت «داعش» في سرت، من يستقبلها
بأذرع مفتوحة
سرت هي البداية في مخطط «داعش»، ليست أوروبا وجهته كما يستفيض المحللون والخبراء بآرائهم، وإرسال قوارب الموت نحو القارة العجوز التي يكثر الحديث عنها ليست أبداً ضمن مشاريعه.
«داعش» كما قدم نفسه في أكثر من مرة يريد بناء دولته وفق منهجه وعقيدته، يريد «الدولة الإسلامية» في الفضاءات العربية المنسجمة. المغرب العربي يحمل الكثير من المشتركات في العادات والتقاليد. كما في بلاد الشام والعراق. هكذا يفكر البغدادي وفريقه، وهذا هو مخطوطه. ألم يصدر جوازات سفر وصك النقود وشيد المحاكم ووضع القوانين في مناطق نفوذه في العراق وسوريا؟. رفاق البغدادي في ليبيا يسيرون على الدرب نفسه، تدربوا وتلقوا الدروس الأساسية في أرض الجهاد السورية والعراقية قبل أن يعودوا إلى ديارهم. عينهم على كامل الساحل النفطي بين بنغازي ومصراته، فهناك الذهب الأسود والمال. لديهم عمق لا ينتهي في الصحراء الليبية للإمداد بالسلاح والمقاتلين.
سينتفضون من دون شك، سيحاولون التمدد أكثر في ليبيا، لديهم درنة قرب الحدود المصرية، لديهم نفوذهم في الجنوب كمدينة الكفرة. في بنغازي يقاومون ويقاتلون جيش الخليفة حفتر. العاصمة طرابلس فيها الكثير من المقاتلين وممن يوصفون الآن بالثوار، وعندما تخين الساعة سيخلعون ثوب الثورة ويظهرون على حقيقتهم. متى سيتحرك «داعش» جدياً، ليس معروفاً. لكنه حتماً سيقاتل، يريد ليبيا بيديه للانتقال إلى تونس والجزائر ولاحقاً إلى المغرب وموريتانيا. هذا الكلام ليس خيالاً. يكفي النظر إلى الأوضاع الأمنية المتوترة في هذه الدول. تونس تعاني من غياب الاستقرار السياسي، الثورة لم تقدم شيئاً لشبابها، أعادت انتاج الحكم القديم بوجوه جديدة. الإسلاميون تم اقصاؤهم، المتطرفون يومياً تسمع أخبار اشتباكاتهم مع الجيش التونسي. جبل الشعانبي ومنطقة بن قردان تعج بالمتطرفين.
هذه تونس، أما الجزائر فتاريخها والعشرية الحمراء لم تنته رواسبها بعد، الجمر تحت الرماد هناك، وإعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يكشف مدى عمق الأزمة السياسية في الجيش وجبهة التحرير الوطني.
«داعش» يعرف كل ذلك، هو البديل عن هذا الأنظمة كما يفكر ويخطط. مقاتلوه يجوبون صحاري ليبيا وتشاد والنيجر مروراً بتونس فالجزائر وصولاً إلى موريتانيا ومالي.
عود على بدء، ليبيا هي الأساس، وسبب الأزمة التي قد تشعل المنطقة وتلهبها. وحكومتا بنغازي وطرابلس في حال سبات، الطرفان لم يشعرا حتى الآن بكل هذا الخطر، لايزالان يتصراعان ويتحينان الفرصة المناسب للانقضاض على الآخر.
وكما كانت طرابلس تفرح باستنزاف جيش حفتر في موجهة المتطرفين في بنغازي، يبتسم الشرق لتهديدات «داعش» لمصراته وطرابلس. تونس والجزائر أدركا قبل الليبيين خطر «داعش» عليهما. يومياً تستدعى الوفود القبائلية والفعاليات الليبية إلى تونس والجزائر، يومياً تفتح حوارات مع المنظمات المدنية والاجتماعية والشبابية الليبية في العاصمتين. حتى الآن كل ما جرى من حوارات ولاسيما تلك التي تمت برعاية أممية في المغرب، لم تفلح في تقريب الليبيين من بعضهم.
طرابلس وبنغازي كاللغز الصعب. قد تنجح في جمع السياسيين من الطرفين، لكن من يجمع عشرات الميليشيات في الشوارع وخصوصاً في طرابلس. ومن يوقف تمويل قطر وتركيا من جهة والإمارات والسعودية من جهة ثانية للطرفين بالمال والسلاح.
يُسأل هنا، لماذا لا يتحرك الغرب؟ واشنطن فكرت في الأمر عقب إغتيال قنصلها في بنغازي على يد المتطرفين قبل ثلاثة أعوام. لكنها عدلت فوراً عن الدخول في هذه المغامرة، وجدت بعد حسابات دقيقة أنها ستواجه كابوساً أسوأ من ذلك الذي عاشته في الصومال.
ترى واشنطن أن القضية الليبية هي من اختصاص أوروبا أكثر منها، القارة العجوز تعي حجم الخطر، لكنها تبدو أضعف عسكرياً من إرسال قوات إلى ليبيا، مقتنعة أيضاً أن قواتها سيعودون أشلاء لها بفعل الجهاديين الذين سيتحدون ضدها. أوروبا حالياً عاجزة كلياً عن إيجاد الحلول للأزمة الليبية. لا بل تراها غارقة في قضية المهاجرين المتدفقين إلى سواحلها من ليبيا وتونس والجزائر.
مهند عبيد
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد