«داعش» تستدرج واشنطن إلى مواجهة مباشرة
لعبة الاستدراج المتبادل بين الإدارة الأميركية من جهة وبين تنظيم «اداعش» من جهة ثانية، مستمرة. وبينما تسير واشنطن على إيقاع بطيء في محاولة منها لتهيئة الظروف لتنفيذ إستراتيجيتها الحقيقية في المنطقة، من دون الوقوع في فِخاخ ومستنقعات سبق لها تجريب تبعاتها، يعمد الطرف الثاني إلى استفزازها وإجبارها على النزول برياً على الأرض، عبر تصعيده في مشاهد ذبح مواطنيها.
والسؤال لم يعد هل يستدرج «داعش» أميركا؟ وإنما لماذا يستعجل في هذا الاستدراج وما مصلحته؟.
وجاء تصعيد «داعش» الأخير عبر إعلانه عن ذبح الرهينة الأميركي الطبيب بيتر إدوارد كاسيغ وفصل رأسه عن جسده، وذلك في الإصدار الذي بثته «مؤسسة الفرقان» أمس، وحمل عنوان التسجيل الصوتي الأخير نفسه لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي «ولو كره الكافرون».
وتضمن الإصدار مقاطع قاسية لذبح من قال إنهم 15 جندياً سورياً، لكن بعض الصفحات الموالية والمعارضة شككت في كونهم جنوداً، وقالت إن بعضهم مدنيين من مدينة الطبقة، ذاكرة أسماء ستة منهم، هم احمد العلي وولداه محمود وعلي، وعبد الحميد الحمادة، وعبدالكريم إسحاق، وعماد الفواز، وأن إعدامهم جاء بتهمة تجسسهم لمصلحة النظام السوري. ولكن لم يمكن التأكد من أن عملية إعدام المدنيين في مدينة الطبقة، التي تحدثت عنها هذه الصفحات، هي نفسها التي ظهرت في الإصدار.
وخُطف كاسيغ في كانون الأول العام 2013، حيث كان يعمل لدى منظمة «سيرا» لتقديم الإغاثة والمساعدة، بعد أن ترك الخدمة العسكرية في العام 2012. وتشير المعلومات إلى أن كاسيغ كان يحمل في سوريا اسم عبد الرحمن، واختطف في الرقة أثناء توجهه إلى تركيا. وشاع سابقاً أنه بايع «الدولة الإسلامية»، بينما أشار بعض النشطاء إلى اعتناقه الإسلام. ويتوقع أن «الجهادي» البريطاني جون، الذي سبق له إعدام الرهائن الغربيين، هو من تولى ذبح كاسيغ، ما ينفي صحة الأنباء التي تحدثت عن إصابته مؤخراً.
وأفادت مصادر متقاطعة أن كاسيغ كان يعالج المسلحين من الفصائل كافة، بما فيها «جبهة النصرة» المصنفة على أنها إرهابية. ومن بين عناصر «جبهة النصرة» الذين تولى معالجتهم يبرز اسم أبو عمر العكيدي في دير الزور، بينما أكد ناشطون كانوا على معرفة به أن كاسيغ شارك في «غزوة الحويقة» بدير الزور ضد الجيش السوري العام الماضي، وقام بمعالجة بعض جرحى «داعش» الذين أصيبوا خلالها. وعبر الناشطون عن سخطهم لقيام «الدولة الإسلامية» بإعدام من أسعف مصابيه سابقاً.
وفي رسالة تهديد واضحة، قال «الجهادي جون» في الشريط، مخاطباً الرئيس الأميركي باراك أوباما واصفاً إياه بـ «كلب الروم»: «اليوم نذبح جنود (الرئيس) بشار (الأسد) وغداً نذبح جنودك، وبإذن الله سنكسر هذه الحملة الصليبية الأخيرة والنهائية. وكما قال دميتك ديفيد كاميرون سوف يبدأ الدولة الإسلامية بذبح قومك في شوارعكم».
ثم ظهر جون في لقطة أخرى ورأساً مقطوعة بين قدميه على الأرض، وهو يقول: «هذا بيتر إدوارد كاسيغ المواطن الأميركي ابن بلدكم»، مشيراً إلى أن «بيتر قاتل المسلمين في العراق عندما كان في الجيش الأميركي». وهدد الرئيس الأميركي بأن مقاتلي «الدولة الإسلامية» ينتظرون بلهفة قدوم المزيد من الجنود الأميركيين ليلاقوا المصير نفسه.
وفي خطوة لا تخلو من الرمزية، زعم الإصدار أن إعدام الرهينة الأميركي تمّ في بلدة دابق بريف حلب، وهي البلدة التي يعتقد «الجهاديون» أنها ستشهد المعركة الفاصلة بين الحق والباطل في آخر الزمان، مستندين إلى أحاديث نبوية، لم تثبت صحتها بحسب العديد من علماء المسلمين.
ويأتي إعدام كاسيغ في سياق سلسلة من الإعدامات قام بها التنظيم المتشدد تجاه عدد من الرهائن الأميركيين والبريطانيين، بدأت بالتزامن مع سعي واشنطن إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة «الدولة الإسلامية»، وتوالت مع تصاعد عمليات التحالف ضده في سوريا والعراق. وتتعدد أهداف «داعش» من وراء هذه الإعدامات، ولكن يرجح أن غايته هي استفزاز الولايات المتحدة وإجبارها على إرسال جنودها إلى العراق أو سوريا. وفي حال عدم إرسالهم سيقول التنظيم إن الخوف الذي سببته مقاطع الإعدام هو الذي منعها من ذلك.
وبحسب أدبيات وإستراتيجية «داعش»، يعتبر استدراج الجيش الأميركي ودفعه إلى إنزال قواته على الأرض هدفاً مركزياً له، تتوخى منه قيادة التنظيم تحقيق أمرين أساسيين: الأول الجمع بين قتال «العدو القريب»، أي الأنظمة الحاكمة والمجتمع الكافر، و«العدو البعيد» أي الولايات المتحدة والدول الغربية، وهذا يتيح له تصدر المشهد «الجهادي» في العالم وإزاحة منافسه تنظيم «القاعدة». بالإضافة إلى أن قتال الجيوش الغربية من شأنه إكسابه تعاطف شرائح من المجتمعات الإسلامية، وبالتالي المزيد من التمويل والدعم العابر للحدود.
والثاني، هو خشيته من نجاح المساعي العراقية والأميركية في إعادة تشكيل «صحوات» يكون قوامها مقاتلون من أبناء العشائر السنية، لأن ذلك سيهدم الصورة التي يحاول تشكيلها عن نفسه من أنه «حامي حمى أهل السنة» وأنه يقاتل الطوائف الأخرى أو «أهل الكفر» دفاعاً عنهم.
وتسود في أوساط «داعش» قناعة راسخة بأن دخول الجيش الأميركي وحلفائه على الخط هو الحل الوحيد لتجاوز هذه الإشكالية، لذلك يسعى بإصرار كبير إلى استدراج الولايات المتحدة ودفعها إلى إنزال جنودها على الأرض.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد