آفاق الصراع الديموغرافي بين العرب واليهود في مدينة القدس
ركزَّ الاعلام الاسرائيلي قبل وبعد عقد مؤتمر انابوليس على فكرة يهودية الدولة؛ أي ان دولة اسرائيل هي لسكانها اليهود فقط، وقد اوضح الاعلام الاسرائيلي بأن ذلك ينطبق على مدينة القدس بشقيها الشرقي والغربي؛ وفي تصريح له بعد عقد مؤتمر انابوليس قال نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي افيغدور ليبرمان «بأن النشاط الاستيطاني الاسرائيلي في جبل ابو غنيم هو امر طبيعي إذ يعتبر القدس بشقيها العاصمة الابدية لإسرائيل». ويهدف أصحاب القرار في اسرائيل من طرح المصطلحات الجديدة القديمة الى محاصرة العرب في القدس وغيرها من الاراضي المحتلة لطردهم في نهاية المطاف ؛ كما تحاول السلطات الاسرائيلية فرض امر واقع استيطاني جديد في القدس قبل أية مفاوضات حولها مع الطرف الفلسطيني. والمتابع لقضية القدس يلاحظ بوضوح اهمية الاستيطان في المدينة بالنسبة الى الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، وكذلك الطرد الصامت لمزيد من اهلها العرب الى خارجها تحت حجج مختلفة.
وقد كان لطرد العصابات الصهيونية الشتيرن والهاغانا والايتسل لحوالى مئة ألف عربي من الجزء الغربي المحتل عام 1948 بالغ الأثر في رفع نسبة اليهود في هذا الجزء حتى عام 1967. وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل الجزء الشرقي من المدينة وطردت نحو 15 ألف عربي، وبدأت الإحصاءات الإسرائيلية تشمل العرب في الجزء المذكور من إجمالي سكان مدينة القدس بشقيها الشرقي والغربي، لذلك بدأت نسبة اليهود تتراجع، بسبب الزيادة الطبيعية للعرب التي تصل الى 3.5 في المئة، فضلاً عن توسيع حدود المدينة الذي تستهدف السلطات الإسرائيلية من ورائه ضم أكبر عدد ممكن من أراضي القرى لتشكل مساحتها في نهاية المطاف أكثر من ربع مساحة الضفة الفلسطينية قبل البدء في مفاوضات الحل النهائي التي أجلت مراراً.
وتبعاً للمغريات المالية التي تدفع للمهاجرين اليهود الى القدس، باتت المدينة تعتبر مركز جذب قوي لهؤلاء، وقد ساعد في ذلك الاقتطاعات السنوية الكبيرة من الموازنة الإسرائيلية لتنفيذ مزيد من المخططات الاستيطانية لتهويد المدينة، التي يستوطن فيها في عام 2007 حوالي 11 في المئة من إجمالي مجموع اليهود في اسرائيل والاراضي العربية المحتلة، حيث يصل مجموعهم الى 5.7 مليون يهودي، وبفعل النشاط الاستيطاني وجذب مزيد من اليهود وصل عدد اليهود في الجزء الشرقي من المدينة المقدسة الى 246.843 مستوطناً يهودياً مقابل 310 آلاف عربي مقدسي. ويتركز المستوطنون اليهود في محافظة القدس في 26 مستوطنة اسرائيلية تلف المحافظة بعدد من الأطواق الاستيطانية، ناهيك عن الاحياء اليهودية التي أقيمت داخل المدينة.
وتبعاً للاتجاه العام لمعدل النمو السكاني العربي و السياسات السكانية الإسرائيلية، فإنه من المحتمل أن يصل مجموع سكان المدينة إلى 817 ألف نسمة عام 2010 منهم 76 في المئة من المستوطنين اليهود. وفي الاتجاه نفسه سعى ويسعى اصحاب القرار والمخططون الاستراتيجيون في اسرائيل الى ايجاد هيمنة ديموغرافية يهودية مطلقة، وأوضح آريل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق الميت سريرياً في أكثر من مناسبة «بأنه يجب أن يكون في القدس، العاصمة الأبدية لإسرائيل، غالبية يهودية». ومن جهته قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت رؤية للأوساط الإسرائيلية تقوم على أساس العمل لتتجاوز نسبة السكان اليهود في المدينة 88 في المئة، فيما تتراجع نسبة العرب إلى 12 في المئة خلال السنوات القليلة القادمة.
ومن الناحية العملية وضعت مخططات إسرائيلية تستهدف جعل اليهود أكثرية ساحقة في القدس الشرقية المحتلة عام 1967، وتعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود القادمين من الخارج عبر الهجرة اليهودية الكثيفة، جنباً إلى جنب مع الزيادة الطبيعية لليهود، وفي الوقت نفسه ستواكب هذه الزيادة لليهود في مدينة القدس سياسات إجلائية للعرب، من خلال إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم، إذا عاش واحدهم خارج القدس سبع سنوات متتالية، أو إذا حصل على جنسية أخرى. وكذلك إذا سجل إقامته في بلد آخر.
وتبعاً لهذه الحالات فإن المصادر الإسرائيلية تقدر عدد العرب في القدس المعرضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو سبعين ألف عربي، و هذا يعني ترحيلهم عن المدينة أو إبقاءهم خارجها، واللافت للنظر أن كل الإجراءات الإسرائيلية لترحيل العرب وضعت وفق أحكام القانون الإسرائيلي الدقيق والمخططة سلفاً فصاحب الأرض، وفقاً لنسق تطور الملكية و السكان، معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطناً في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب سبع سنوات أو سبعين سنة أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكل الوسائل، وخاصة عبر مصادرة مزيد من الأراضي وبناء المستوطنات عليها لتلف المدينة من كل الاتجاهات وتعزلها عن بقية المدن والقرى في الضفة الفلسطينية. ومن المهم الاشارة الى ان الحفريات الاسرائيلة وتسريع النشاط الاستيطاني في جبل ابو غنيم تخدم التوجهات الديموغرافية الاسرائيلية لفرض واقع تهويدي على الارض يصعب الانفكاك عنه في حال تمت عملية تفاوضية حول القدس ، وتندرج عملية طرح فكرة يهودية الدولة في اطار المخططات لتهويد القرى والمدن العربية المحتلة بما فيها القدس.
نبيل محمود السهلي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد