أبرز العقبات التي ستواجه إدارة أوباما في إعادة الحوار مع سورية
الجمل: يدور في أوساط مراكز الدراسات الاستراتيجية والسياسية الأمريكية جدل كبير هذه الأيام حول مدى أهمية وجدوى لجوء الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة إلى خيار التعامل مع سوريا بدلاً من خيار التعامل الذي سبق أن راهنت عليه إدارة بوش الجمهورية.
إضافة إلى التقارير السابقة التي أصدرتها مراكز الدراسات فقد أصدرت مؤخراً المجموعة الدولية للأزمات تقرير الشرق الأوسط رقم 83 الذي حمل عنوان «التعامل مع سوريا: مقيدات وفرص الولايات المتحدة».
* الملامح الشكلية العامة للتقرير:
يقع التقرير في 34 صفحة إضافة إلى أن إعداده تم بواسطة فريق من خبراء المجموعة الدولية للأزمات المختصين بشؤون الشرق الأوسط وسوريا هذا ويتضمن التقرير أربعة أجزاء رئيسية هي:
• المقدمة: دورات التعامل والمواجهة.
• إدارة بوش: كشف الحساب الجاري.
• التعامل المتردد.
• الاستنتاج: الماضي والمستقبل.
إضافة لذلك، تتضمن محتويات التقرير كل من الملخص التنفيذي والتوصيات والملاحق.
الجزء الأول: المقدمة: دورات التعامل والمواجهة مع سوريا:
يركز هذا الجزء على استعراض مراحل التعامل ومراحل المواجهة في علاقات خط دمشق – واشنطن ومن أبرز النقاط المشار إليها:
• التزمت إدارة أوباما الديمقراطية أن تتضمن سياسية خارجية شرق أوسطية إعادة التعامل مع سوريا لأن دمشق تمسك بيدها أوراقاً هامة في لبنان والعراق وفلسطين وإيران.
• راهنت إدارة بوش على سياسة خارجية تعتمد خيار عدم التعامل مع سوريا بهدف أن تؤدي العزلة والضغوط إلى إحداث التغييرات المطلوبة في الأداء السلوكي السياسي السوري ولكن رهان إدارة بوش أدى إلى الفشل والإخفاق.
• السؤال الرئيسي الذي سيواجه إدارة أوباما إزاء خيار التعامل مع سوريا سيتمثل ليس في هل تتعامل أو لا، وإنما كيف ستتعامل مع سوريا؟
• التعامل سهل عندما يكون في حدود القول ولكنه صعب عندما يتعلق الأمر بالتنفيذ، ففي فترة إدارة بوش وصل عدم التعامل إلى مرحلة العداء وحالياً برغم أن العداء يمكن أن يزول عن طريق إعادة العلاقات إلى طبيعتها فإن إدارة أوباما ستواجه نفس إشكالية التعامل مع سوريا التي كانت تواجهها إدارة كلينتون وغيرها من الإدارات الأمريكية السابقة وبالذات لجهة حالات الخلاف وعدم التوافق.
• الإشكالية الرئيسية تتمثل في إدراك واشنطن الذي يبدو أنه لن يتغير فإدارة بوش لجأت إلى خيار عدم التعامل مع سوريا بسبب إدراك هذه الإدارة لسوريا باعتبارها الداعم لحزب الله الإيراني وحركة حماس والمسلحين العراقيين، وإيواء الحركات الفلسطينية والتحالف مع إيران، أما إدارة أوباما فقررت اللجوء لخيار التعامل مع سوريا من أجل إقناعها بالتخلي عن دعم حزب الله وحركة حماس والمسلحين العراقيين والتحالف مع إيران، بكلمات أخرى، فإن إدارة أوباما الديمقراطية ستحاول عن طريق التعامل الحصول على ما لم تستطع إدارة بوش الحصول عليه عن طريق عدم التعامل وباختصار تبدو المشكلة في أن الإدراك الأمريكي ما زال ثابتاً لم يتغير.
• عند قيام إدارة أوباما بالتعامل مع سوريا فإنها لن تستطيع التعامل بحرية كاملة لأنها لن تستطيع بسهولة أن تتخطى الإرث الذي خلفه تطبيق إدارة بوش لخيار عدم التعامل. بكلمات أخرى، فإن إدارة أوباما الديمقراطية ستجد الكثير من القيود التي بالتأكيد ستحد من حرية تعاملها مع دمشق ومن أبرز هذه القيود نجد:
- شبكة القوانين والتشريعات التي وضعتها إدارة بوش التي برغم صعود إدارة أوباما فإنها ستظل موجودة في تقييد حرية حركة الإدارة الجديدة في التعامل مع سوريا.
- خيار عدم التعامل الذي طبقته إدارة بوش أدى إلى انقطاع التواصل الدبلوماسي على خط دمشق – واشنطن، بما يترتب عليه من جهة تغريب السياسة الخارجية الأمريكية عن الساحة السورية ومن الجهة الأخرى تغريب السياسة الخارجية السورية عن الساحة السياسية الأمريكية ولكي تعود العلاقات إلى طبيعتها العادية فإن عملية صنع واتخاذ القرار في كل من دمشق وواشنطن ستأخذ وقتاً طويلاً بينما تكون الأحداث والوقائع الجارية قد قطعت شوطاً كبيراً أيضاً.
- التغيرات التي حدثت في خارطة التوازنات الإقليمية أدت إلى تشكيل التوازنات والتفاعلات الإقليمية الشرق أوسطية ضمن المزيد من الأوضاع الجديدة فالاحتلال الأمريكي أشعل التوترات والعنف العراقي وصعود قوة إيران ونفوذها وتأثيراتها في المنطقة بما أدى إلى جعلها لاعباً أساسياً في المنطقة، كما أن سوء إدارة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أدت إلى تغيير موازين القوى في الساحة الفلسطينية الداخلية، كما أن الاستقطاب الذي أحدثته حرب صيف العام 2006 أدى إلى تقوية مركز حزب الله وهلمجرا..
برغم المصاعب والعراقيل فإنه توجد العديد من علامات التفاؤل بنجاح إدارة أوباما في خيار التعامل مع دمشق ومن أبرز هذه العلامات نجد:
• عدم اهتمام دمشق بمحاولة التأثير على الأوضاع داخل لبنان وداخل العراق.
• المحادثات السورية – الإسرائيلية التي تمت برعاية تركية، وتوقفت بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة إذ يمكن استئنافها تحت الرعاية الأمريكية.
• توجد علاقات وروابط سورية – إيرانية وحالياً إضافة لذلك، أصبحت توجد علاقات وروابط تركية – سورية، ولما كانت واشنطن ترتبط مع أنقرة فمن الممكن أن تستعين بها في محاولة التأثير على سوريا.
• قيام إدارة أوباما بتنفيذ إعادة التعامل مع سوريا يجب أن يركز على تطبيق خطة تضع في الاعتبار عدم الوقوع في العراقيل التي يمكن أن تؤدي إلى تقويض إعادة التعامل.
الجزء الثاني: إدارة بوش: كشف الحساب الجاري:
لجأت إدارة بوش إلى محاولة تغيير الأداء السلوكي السياسي السوري باستخدام ثلاثة وسائل:
• العقوبات الاقتصادية: واستند نظام العقوبات إلى شبكة من القوانين والتشريعات التي سعت إلى الضغط عن طريق الوسائل التجارية والمالية والنقدية، وحتى الآن ما يزال التأثير الذي نجحت فيه هذه القوانين موضعاً للخلاف ومعظم الخبراء إضافة إلى الواقع يشير أن ما وضع من قوانين لم يسفر عن نتائج إيجابية في تحقيق الغرض منه.
• الضغوط المتعددة الأطراف: استند نظام الضغوط المتعددة الأطراف الذي استخدمته إدارة بوش على توظيف قرارات مجلس الأمن الدولي والملف اللبناني والمعتدلين العرب وحلفائها الأوروبيين في العمل من أجل تشديد العزلة على سوريا لكن ذلك لم يؤتي بالنتائج التي كانت تتوقعها واشنطن.
• تقويض استقرار سوريا من الداخل حيث تم استخدام العديد من الملفات التي درجت الإدارات الأمريكية على استخدامها في التدخل بالشأن السيادي السوري ومن أبرزها توظيف مزاعم حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والإصلاح لكن ذلك أيضاً لم ينجح.
الجزء الثالث: التعامل المتردد:
اختارت إدارة بوش خيار عدم التعامل مع سوريا ولكنها برغم ذلك، قامت بتوجيه الدعوة لسوريا بالمشاركة في سلام أنابوليس، وقام مسؤولون أمريكيون كبار آنذاك بعقد اجتماعات ولقاءات مع نظرائهم السوريين، إضافة لذلك شاركت إدارة بوش جنباً إلى جنب مع سوريا في العديد من المؤتمرات واللقاءات المتعلقة بالعراق لذا من الممكن القول أن خيار عدم التعامل مع سوريا الذي لجأت إليه إدارة بوش كان خياراً متردداً.
الآن، خيار التعامل مع سوريا الذي ستلجأ إليه إدارة أوباما بسبب العقبات والعراقيل التي أقامتها إدارة بوش سيكون خيار للتعامل يتميز بالتردد أيضاً وبكلمات أخرى إذا كان الرئيس أوباما والبيت الأبيض والإدارة الأمريكية الجديدة يرغبون في تطبيق خيار التعامل مع دمشق فإنهم سيصطدمون بعقبة العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي الذين بلا شك سيتذرعون بالقوانين والتشريعات السابقة التي ما زالت قائمة وسارية في تقييد معاملات واشنطن مع دمشق وعلى سبيل المثال كيف ستمتنع إدارة أوباما عن تنفيذ بنود قانون محاسبة سوريا والقانون ما زال سارياً وباختصار كيف ستستطيع إدارة أوباما تخطي عقبة الكونغرس؟
إن ظاهرة التردد ستظل ظاهرة ملازمة لخيار الجمهوريين إزاء عدم التعامل مع سوريا وخيار الديمقراطيين إزاء التعامل فعلى سبيل المثال:
• سعت إدارة بوش إلى عدم التعامل مع سوريا ومن ثم سعت إلى عزلها عن الملف اللبناني ولكنها اضطرت لاحقاً إلى التعامل مع سوريا بشأن الملف العراقي.
• سعت إدارة بوش إلى عدم التعامل مع سوريا ومن ثم سعت إلى تغييب ملف الجولان عن أجندة مؤتمر أنابوليس والآن لن تستطيع أي إدارة إقامة سلام في المنطقة دون مشاركة سوريا، ومشاركة سوريا لن تكون إلا إذا تمت معالجة ملف الجولان. والشيء ذاته بالنسبة للملف اللبناني والذي برغم جهود الإدارة الأمريكية لعزل سوريا عن القيام بدور في لبنان فإن أزمة الملف اللبناني لم يتم حلها إلا بفضل الجهود السورية.
الجزء الرابع: الماضي والمستقبل:
سعت إدارة بوش الجمهورية إلى محاولة تنفيذ مشروع الشرق الوسط الكبير عن طريق التدخل الأمريكي الذي تضمن العديد من الوسائل والأدوات ولكن إدارة أوباما لا يبدو أنها ستسعى إلى مواصلة جهود تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، وذلك لأن أولوياتها تتضمن العديد من البنود والأجندة التي تتعاكس وتتناقض تماماً مع مشروع الشرق الأوسط الكبير ومن أبرزها مخطط سحب القوات الأمريكية من العراق.
ولكن، بسبب وجود القيود الأمريكية وبرغم أن إدارة أوباما تريد المضي قدماً في تطبيق خيار التعامل مع سوريا فإن إدارة أوباما سوف لن تجد مهرباً من الاعتبارات التالية:
• التأكيد على أن التحدي لا يتمثل في إلغاء إرث إدارة بوش وإنما على ضرورة القيام ببناء إرث جديد يقضي عليه تدريجياً ويحل محله في المستقبل.
• تركت إدارة بوش خلفها العديد من العقوبات الإضافية والقرارات الدولية التي من الصعب على إدارة أوباما تجاهلها ومن الصعب أيضاً عدم القيام بتنفيذها ومن ثم فإنه يتوجب على واشنطن أن تضع في الاعتبار أن هذه القوانين والقرارات من الصعب إلقاءها دفعة واحدة أو بجرة قلم، وبالتالي فإن الأمثل للطرفين أن يحاولا من خلال تعاملهما التكيف مع وجود مثل هذه القوانين والقرارات.
• يوجد انطباع متشدد في أوساط المسؤولين الأمريكيين أن سوريا قد لعبت دوراً في عمليات قتل الأمريكيين في العراق، وقد شكل هذا الانطباع إرثاً من الصعب استئصاله وبالتالي فإن وجود هذا الإرث لا يتيح لإدارة أوباما سوى التعامل ضمن وتائر بطيئة تدريجية.
• السياق الإقليمي وتداعياته الجارية ستؤثر بقدر كبير على جهود خيار التعامل مع سوريا وتطبيع علاقات واشنطن – دمشق، وبالتالي لابد من تكثيف الجهود لمحاولة فهم طبيعة هذه التداعيات وتفادي تأثيراتها السلبية على تطبيع العلاقات السورية – الأمريكية.
• حلفاء أمريكا في المنطقة العربية وتحديداً السعودية ومصر والأردن وبعض القوى السياسية الأخرى كالسلطة الفلسطينية وقوى 14 آذار اللبنانية، تحولوا إلى خصوم لسوريا خلال فترة إدارة بوش والآن خلال فترة
إدارة أوباما الأكثر احتمالاً هو أن يسعى هؤلاء إلى عرقلة بناء العلاقات الأمريكية – السورية.
التوصيات الختامية التي تضمنها التقرير ركزت على ضرورة أن تلتزم الإدارة الأمريكية الجديدة بمسار محدد إزاء خيار إعادة التعامل مع سوريا وتمثلت هذه التوصيات بمطالبة الإدارة الأمريكية بالقيام بالآتي:
• الدعم والمشاركة في تجديد مفاوضات السلام على كافة المسارات.
• الالتزام بالانسجام مع ملف مفاوضات السلام السورية – الإسرائيلية السابقة وتحديداً تضمين اتفاق السلام الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان ووضع الترتيبات الأمنية الحازمة والصارمة وإقامة علاقات طبيعية وسلمية بين الطرفين.
إضافة لذلك، فمن المعروف أن ترتيبات الثقة وإعادة بناء الثقة هي من البنود المعروفة لجهة التطبيق في حل الخلافات وبإعادة تطبيع العلاقات، وهنا تجدر الإشارة بأن على إدارة أوباما السعي إلى التعامل بجدية من القرارات والقوانين الجائرة التي سبق أن أصدرتها إدارة بوش والكونغرس الأمريكي الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون وبكلمات أخرى، إن عملية إعادة بناء الثقة مع سوريا لابد أن تتضمن حصراً قيام إدارة أوباما بتنظيف البيت الأبيض والكونغرس من
"تابو" عدم التعامل مع سوريا، الذي وضصفه خبراء اللوبي الإسرائيلي ودفعوا إدارة بوش والكونغرس للمصادقة عليه.
وتأسيساً على ذلك، عن احد أهم وأبرز العقبات التي ستواجه جهود إدارة أوباما لإحلال السلام والاستقرار في الشرق الوسط يكمن بالأساس في هذه القوانين والتشريعات والقرارات بالدرجة الأولى التصلب والتعنت الإسرائيلي بالدرجة الثانية، إضافة لذلك، فإن على إدارة أوباما أن تفهم أن هذه القوانين والتشريعات تستهدف سوريا بالدرجة الثانية فقط أما استهدافها بالدرجة والأولى فهو لحرية الإدارة الأمريكية والكونغرس في إحلال السلام في الشرق الأوسط والآن بعد مغادرة إدارة بوش فإن على الإدارة الجديدة مطالبة كسر أغلال القيود القانونية والتشريعية التي وضعها خبراء اللوبي الإسرائيلي بما أدى إلى جعل حرية الإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي والشعب الأمريكي رهينة لدى تل أبيب.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد