إسرائيل تصعّد... وتلتزم التهدئة
احتدمت المواجهة الدائرة في قطاع غزة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية حول اشتراطات التهدئة وقواعد اللعبة. وطالب رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت الجيش بتقديم خطط لمواجهة الوضع، بينما أكدت مصادر عسكرية أن الخطط موضوعة أمام الحكومة منذ أسبوعين. وقد شدد رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة اسماعيل هنية على أن استمرار التهدئة »مرهون بتوقف آلة الحرب الصهيونية عن القتل وفك الحصار المفروض على القطاع «.
في هذه الأثناء، أطلقت الفصائل الفلسطينية طوال اليومين الماضيين العديد من الصواريخ التي طال بعضها مدينة عسقلان. وسقط صاروخ مساء أمس على بيت غير مكتمل البناء في سديروت. وكانت الطائرات الإسرائيلية قد لاحقت المقاومين الفلسطينيين وقتلت منهم، يوم أمس، مجموعة من أربعة أفراد تابعة لألوية الناصر صلاح الدين.
تجدر الإشارة إلى أن التهدئة تكسرت قبل حوالى أسبوعين إثر قيام قوة إسرائيلية بالتوغل في وسط قطاع غزة بذريعة تدمير نفق. وترافق ذلك مع استهداف مجموعة تابعة لحركة حماس، مما أدى إلى استشهاد عدد من أفرادها. ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن، استشهد ١٦ مقاوما، فيما يتواصل الحصار على معابر القطاع.
ورغم التهديدات الإسرائيلية، فإن المعلقين الإسرائيليين لا يتوقعون انهيار التهدئة بشكل تام، حيث لا يبدو أن للحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية المقالة مصلحة في ذلك. وقد تدخلت مصر، وفق مصادر إسرائيلية، على خط التهدئة بالاتصال مع قيادات في حماس. وأشار التلفزيون الإسرائيلي إلى أن الجيش يلحظ جهدا من جانب حماس لضبط الوضع والعودة إلى التهدئة. ومن المقرر أن يجتمع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية بعد غد الأربعاء للبحث في الوضع على الحدود مع غزة.
وقد استهل رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت جلسة الحكومة، أمس، بالإعلان عن »أننا غير متحمسين للقتال، لكننا لا نخشاه. وفي كل الأحوال، لا يمكننا تحمل الثمن الذي تحاول المنظمات الإرهابية تحديده«. وشدد أولمرت في مستهل الجلسة الأسبوعية لحكومته على أن إسرائيل ستعمل من أجل استعادة الهدوء في الجنوب. وقال ان »المنظمات الإرهابية قادت إلى كسر التهدئة وخلق وضع من العنف المتواصل وهي تحاول مرة تلو مرة إحباط التهدئة، سواء عبر الأنفاق، أو من خلال إطلاق صواريخ غراد والقسام أو عبر محاولات المس بالجنود الإسرائيليين قرب السياج الحدودي مع غزة«.
ورغم التهديدات التي يطلقها عدد من قادة الحكومة الإسرائيلية، فإن هناك نوعا من الإجماع بين كل من إيهود أولمرت ووزير دفاعه إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني على وجوب تجنب التصعيد. وكان وزير الدفاع قد أعلن أن »الجيش مستعد لعملية قوية ومؤلمة للجانب الثاني، لكننا رأينا قبل عامين ما يمكن أن يقود إليه القرار المتسرع على أمن إسرائيل«، ملمحا بذلك إلى حرب لبنان الثانية.
وقالت ليفني إنه »إذا حل الهدوء ولم يتم استغلال الوقت للهجوم التالي، فإننا سنقدم الهدوء في المقابل. وإذا تعرض الإسرائيليون للاعتداء، فإن إسرائيل سترد بقوة كي تدافع عن مواطنيها«. وقالت ليفني ان »إسرائيل غير معنية بتدهور الوضع، لكنها لا تستطيع التسليم بتكرار الانتهاكات لوقف النار. ينبغي لهم أن يفهموا أن هناك أوقاتا تتطلب من إسرائيل أن تقول أن كفى تعني كفى«.
وقال وزير المواصلات شاؤول موفاز الذي بلغت سياسة الاغتيالات في عهده كرئيس أركان وكوزير للدفاع ذروة لم يسبق لها مثيل، ان »ليس هناك علاج صائب بشأن سلطة حماس في غزة. ثمة حاجة لنقاش عاجل في المجلس الوزاري المصغر لتحديد السياسة الواجبة إزاء سلطة حماس. فالواقع الراهن يشهد على أن الردع الإسرائيلي يتآكل«. وكان موفاز جليا في رفضه مواصلة سياسة الحصار الاقتصادي التي لم تحقق الآمال المعلقة عليها ورفضه إعادة احتلال قطاع غزة في هذا الوقت. لكنه شدد على وجوب تصعيد الفعل العسكري ضد حماس. وطالب موفاز حكومته بالكف عن الأقوال والبدء بالأفعال. ودعا إلى العودة إلى سياسة الاغتيالات معـــتبرا أن النهج الإسرائيلي الحالي غير صـائب. ورأى أنه من الواجب »استهداف« قيادة حماس »باغتيالات شخصية«.
وكان وزراء »شاس« قد احتجوا في الجلسة على سلوك الحكومة إزاء التصعيد. وقال الوزير إيلي يشاي ان »من يؤمن بالتهدئة يتصرف كالنعامة«. وأضاف »لأسفي فإن الحكومة لا تتخذ قرارات«. وبحسب رأيه، يجب على الحكومة أن »تعمل من الجو ضد البنى التحتية لحماس وبعدها تقرر الخطوات التالية. أنا لا أفهم لماذا نواصل تزويدهم في غزة بالكهرباء والمياه والغاز وأيضا بالمساعدات الاقتصادية«، فيما دعا وزير الأديان اسحق كوهين إلى وقف إمدادات المياه والكهرباء لغزة ردا على كل صاروخ قسام يطلق باتجاه إسرائيل.
تجدر الإشارة إلى أن قوى اليمين في الكنيست، وبينها »الليكود« و»إسرائيل بيتنا«، طالبت بعقد جلسة طارئة للكنيست لمناقشة الوضع على الحدود مع غزة. وفي نظر اليمين، فإن الحكومة الفاشلة في الشمال هي ذاتها الحكومة الفاشلة في الجنوب، وان »الحــكومة تضــعف الردع الإسرائيلي بتمكــينها حماس من تحويل التهدئة إلى وقف نار إسرائيلي من جانب واحد«.
وتعتقد معظم الجهات في إسرائيل أن حماس تريد التهدئة لكنها شددت في الآونة الأخيرة من قصفها الصاروخي بهدف خلق توازن رعب أو قواعد لعب معدلة، إذ لم يرق لحماس أن تبادر إسرائيل لعمليات هجومية في قطاع غزة أو أن تواصل إغلاق المعابر. وقد أعرب عن ذلك بوضوح رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية، الذي قال إن استمرار التهدئة »مرهون بتوقف آلة الحرب الصهيونية عن القتل وفك الحصار المفروض على القطاع«.
في المقابل، قال نائب وزير الدفاع الإسرائيلي ماتان فلنائي إن شن عملية عسكرية واسعة على قطاع غزة هو »مسألة وقت فقط«. وأضاف ان الجيش مستعد للدخول الى قطاع غزة لوقف إطلاق الصورايخ التي تطلق من هناك، مشيرا إلى أن »هذه العملية ستكون فعالة جدا وواسعة النطاق وتوجه لحركة حماس ضربة قاسية«.
وكان المتحدث باسم حماس فوزي برهوم رد على كلام أولمرت موضحا ان »إسرائيل هي من ينتهك التهدئة، فهي من يعمل داخل الأراضي الفلسطينية ويقتل الفلسطينيين من الجو«. وقال إن التهديدات الإسرائيلية لن تمنع حماس والمنظمات الفلسطينية من الرد. وخلص إلى أن حماس »لن تقبل العيش في برك دماء وبين الأشلاء فيما ينعم الإسرائيليون بالتهدئة«.
إلى ذلك، حذرت الرئاسة الفلسطينية من أن »التهديدات الإسرائيلية الخطيرة تؤثر على مصير التهدئة« في غزة. وقال المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، إنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيطالب أولمرت، خلال لقائهما اليوم، بالعمل على الحفاظ على التهدئة، مشيراً إلى أنّ عباس »يدعو جميع الأطراف إلى الالتزام بالتهدئة، وعدم إعطاء الاحتلال ذرائع لتصعيد عدوانه وتشديد الحصار«.
ومع استمرار الحصار على معابر القطاع، حذرت الحكومة الفلسطينية المقالة من نفاد المواد الغذائية الأساسية في غزة خلال أيام. وقال وزير الاقتصاد الوطني في الحكومة المقالة زياد الظاظا ان »هناك أزمة غذائية وإنسانية تحيط بالقطاع في ظل استمرار إغلاق المعابر.. ونحن ندعو مصر إلى فتح معبر رفح عملا باتفاق التهدئة الذي رعته مع الفصائل الفلســـطينية كما ندعو الدول العربية إلى الوقــوف إلى جانب مصر لدعمها في هذا المــوقف لإنقاذ غزة من الأزمة التي تحـيط به«.
وأدانت حركة فتح التصعيد الإسرائيلي المتواصل على القطاع، مشيرة إلى أنّ »الاحتلال الإسرائيلي وأحزابه يحاولون إدارة المعركة الانتخابية على حساب الدم الفلسطيني«.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد