إسرائيل تنهي استعداداتها قبل الإثنين
بعدما استنفذ أصحاب الرؤوس الساخنة في إسرائيل ذخائرهم من التهديدات، واتجهوا نحو تقليص منسوب الفزع في صفوف الجمهور الإسرائيلي، استفاق «داعية السلام» الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ليطلق تهديداته. وأعلن أنهم «إذا حاولوا ضربنا، فسوف نرد عليهم بكامل الشدة».
وبرغم الإشارات التي تطلق هنا وهناك حول أبواب الحل الديبلوماسي للأزمة السورية، أو إمكانية تراجع أميركا عن الضربة، وجهت إسرائيل المجالس المحلية لإنهاء استعداداتها قبيل يوم الاثنين المقبل، ما يوحي أنه اليوم المتوقع الأول للهجوم.
وعمد الرئيس الإسرائيلي في مبنى الشرطة الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة إلى تقديم المواعظ تجاه ما يجري في سوريا، معلناً أنه تم هناك «اجتياز كل الحدود الأخلاقية»، وأن الرئيس الأميركي باراك أوباما «تحدث باسم البشرية جمعاء عندما قال بعدم جواز القتل من دون رد دولي مناسب». وأضاف إنه «ينبغي فهم أن الرد هذه المرة عالمي وليس محلياً. ونحن شهود على إنشاء تحالف فائق الجدية، من الناحيتين السياسية والعسكرية. وبرغم عدم تورط إسرائيل في الحرب الأهلية في سوريا، إلا أن من يحاول ضربنا سنرد عليه بكامل الشدة، فلدى إسرائيل جيش قوي، حديث ويمتلك منظومات دفاع لم تتوفر له من قبل تعزز حماية الأرض وسمائها وأمن مواطنيها». وناشد الجمهور الإسرائيلي عدم التعاطي مع الدعايات المغرضة الهادفة لبث الذعر في الصفوف.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون قد أعلن أنه «تجري في سوريا سيرورة تشكل جزءاً من حدث تاريخي لا يحدث إلا مرة كل مئة عام، وهو تفكيك دولة قومية». وأعاد يعلون أسباب الأزمة في سوريا إلى أخطاء الغرب الاستعماري، الذي أنشأ للعرب دولاً قومية «لكن ما نراه في تونس، ومصر وليبيا والعراق هو وضع تفكيك دولة وحروب مستقبلية». وبكلمات أخرى، فإن يعلون أراد القول إن ما يجري في سوريا يثبت أن الدولة على أرضية أثنية أو دينية، كحال إسرائيل، ليست متأخرة عن التاريخ.
وشدّد يعلون على أن «السوريين اجتازوا الخط الأحمر الذي رسمه الأميركيون، وهو استخدام السلاح الكيميائي. والمشاهد فظيعة، لكن الموضوع ليس قيد علاجنا، وإنما قيد معالجة الغرب والولايات المتحدة». واعتبر أن كل ما تفعله إسرائيل يقع في دائرة حماية نفسها لذلك لا داعي لأي فزع، «فليس هناك تصعيد والأقوال تصدر باتزان. ويدنا ليست رخوة على الزناد، ولكن مَن يفترض أن بوسعه تهديدنا فسيصطدم بجبروتنا».
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد كشفت تعاظم الجهود لمواجهة عواقب الهجوم الغربي على سوريا، وبينها إصدار قيادة الجبهة الداخلية أمس توجيهات لكل السلطات المحلية بالاستعداد لتنفيذ خطة الانتقال من الوضع الحالي إلى الطوارئ حتى يوم الأحد المقبل. وطلبت القيادة من السلطات إجراء فحص شامل لكل المكونات بشأن جاهزيتها لاحتمالات تصعيد الوضع الأمني. وتعني الخطة إعداد قوائم العاملين في أوقات الطوارئ، وأماكن تجمّعهم وتفعيل المنشآت الحيوية وفحص إجراءات أوقات الطوارئ ومخازن الطوارئ وخطة التعامل مع السكان ذوي الاحتياجات الخاصة وإكمال النواقص. كما تقضي الخطة إتمام إجراءات التعامل مع الوزارات المختصة بشأن نقل بعض السكان والأهم تركيز التوجيهات على مسؤولية السلطات المحلية ذاتها عن متابعة هذه المسائل.
وطوال الوقت كان السيناريو الأشد إقلاقاً هو خروج الأمور عن السيطرة وانفلات الوضع نحو الحرب الشاملة. والواقع أنه وبرغم محاولات القيادات الإسرائيلية التخفيف من مظاهر الفزع مما يجري، فإن منطق الاستعداد لمواجهة الأسوأ تدفع هذه القيادات إلى التفكير باحتمالين أسوأ من بعضهما: الأول هو أن ترد سوريا بإطلاق صواريخ كيميائية وهنا يحدث ما ليس متوقعاً من تطوير للمعركة، والثاني دخول إيران على خط القتال.
وفي الحالتين يدور الحديث عن تطورات تقع حالياً في أدنى سلم الاحتمالات، ولكن ليس ثمة ما يمنع ارتفاعها بسرعة إلى رأس هذا السلم. وليس هناك معنى لهذين الاحتمالين سوى حرب شاملة قد تكون أقرب إلى حرب عالمية لا يعرف أحد سبيل الخروج منها. ومن الجائز أن هذا ما تريد إسرائيل إقناع الولايات المتحدة بالعمل على أساسه على قاعدة ما تشيّعه من أن الخطر الحقيقي ليس ما يجري في سوريا، وإنما المشروع النووي الإيراني.
وتتحدث الأوساط الإسرائيلية سراً وعلانية عن أن موقف أوباما من اجتياز سوريا لـ«الخط الأحمر» الكيميائي هو المعيار لاجتياز إيران «الخط الأحمر» النووي. وترى تلك الأوساط أن إيران نفسها تدرك أن إزاحة العقبة السورية سيفتح الطريق سريعاً أمام محاولة علاج المشروع النووي الإيراني من أساسه، ولذلك فإن طهران معنية جداً بالمساهمة أكبر في منع الأميركيين من إزاحة هذه العقبة.
وفي ظل هذه التقديرات، يشير الإسرائيليون بارتياح إلى تراجع مخزون سوريا الصاروخي بسبب الحرب الأهلية برغم تخوفهم من الخبرة القتالية، التي تراكمت لسوريا في هذا المجال. وبرغم إيمانهم بأن النظام السوري يكرس معظم جهده للحفاظ على نفسه داخلياً، إلا أن ذلك لا يمنعه من الرد لأنه قادر خلال دقائق على إطلاق موجة من الصواريخ على إسرائيل. ولخص ضابط إسرائيلي الحال بالقول إن «الجانب الإيجابي هو أن الأسد لا يملك كمية الأسلحة التي كانت بحوزته قبل بدء المواجهات. والأسد يوجّه معظم جهده لحربه داخل سوريا».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد