إشكالية الدين والعنف
في لبنان وبلدان العرب حيث للمسيحيين حضور، وفي العالم، كان الحوار الإسلامي ـ المسيحي، حوار المسلمين والمسيحيين، بعيداً أحياناً أو قريباً من المسائل اللاهوتية، وفي خضم الحياة اليومية دائماً، كان الحوار الإسلامي ـ المسيحي، حوار المسلمين والمسيحيين، بعيدا أحياناً أو قريباً من المسائل اللاهوتية، وفي خضم الحياة اليومية دائماً، كان الحوار يدور وينقطع، وهو الآن دائر على مساحة شاسعة وبوتيرة عالية وأسئلة أشد إلحاحاً وقلقاً، نظراً إلى ما يجري في فلسطين والقدس خصوصاً من خفض متعاظم للحضور المسيحي، وما جرى في العراق من امتداد الإرهاب إلى المكون المسيحي الاصيل في الاجتماع الوطني العراقي، إلى التوتر اليومي في العلاقات بين أقباط مصر ومسلميها، بعدما كان المشروع الوطني المصري قد مصر الجميع... امتداداً إلى ما يجري في باكستان والهند وإندونيسيا ونيجيريا فضلا عما جرى في البوسنة والهرسك وكوسوفو... وفي مقابله ازدياد أوار العنصرية ضد المسلمين والعرب في الغرب منذ سقوط برجي مانهاتن على رأس العالم وعلى ظهر الثقافة الإسلامية.
هذا يعني أن الحوار بات مهدداً بالانقطاع الذي سوف يكون هذه المرة أشد إيلاماً، ومن دون ان تنعكس النتائج السلبية على العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، إيجابياً على العلاقات الداخلية بين المسلمين أنفسهم أو بين المسيحيين أنفسهم، وقد عودتنا سنن التاريخ، على أن الانقسام والتقابل والصراع عندما تظهر في مكان، فإنه لا ضمانة من تفشيه في أمكنة أخرى، يظن أهلها أنهم في مأمن، بناء على العصبيات التي لاذوا بها مقابل عصبيات أخرى.
في العودة إلى موجبات الحوار في المنظومة الفكرية الإسلامية نجد في القرآن دعوة واضحة إلى الجدال بالحسنى مع أهل الكتاب، «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن»، والمسيحيون هم الذين يؤثرهم النص الإسلامي بمودة إضافية كفاء لمودتهم تجاه المسلمين. ذلك ان منهم قسيسين ورهباناً، وفي الإنجيل إلحاح على المحبة التي تقتضي حواراً يغذيها ويرسخها وينشرها.
وفي النصوص المعاصرة لا بد من الوقوف ملياً عند وثيقة الفاتيكان الثانية ووثيقة البطاركة والأساقفة الكاثوليك المشرقيين حول الموضوع، مع ملاحظة الأنشطة المتعددة لمؤسسات حوارية أهلية، خصوصاً «الفريق العربي للحوار الإسلامي ـ المسيحي»، «مجلس الكنائس العالمي» والتي أغرت الأنظمة العربية والإسلامية والعالمية، إضافة إلى تحديات التطرف والإرهاب المتبادل، بأن تنشط في هذا السبيل، مما قد يعززه، وقد يصادره ويشتت الجهود من خلال إخضاعها للصراعات بين الدول.
إن في التاريخ تجارب تفيد قراءتها، تقول بأن الفترات التي ازدهر فيها حوار الحياة والمعرفة ـ مثال الأندلس ـ هي التي قدمت نماذج رفيعة عما يثمره اللقاء في ظل التوحيد من تقدم على كل المستويات، ومن وحدة لكل الجماعات، التي يحولها الحوار إلى «ورش» إنتاج علمي ومدني يقوم على الشراكة، في حين أن انقطاع الحوار في فترات معينة قد أدى إلى خسائر فادحة، تجد أشد نماذجها بؤساً وخسارة في الحروب الصليبية، التي على قسوتها، أفسحت بل اقتضت أن يجري حوار عميق بين الغالب والمغلوب، أدى إلى تأثير متبادل ظهرت ثمراته لاحقاً في حركة التنوير التي مهدت لنهضة الغرب على أساس العقل.
في حاضرنا يوغل قسم من البشر في الدين إلى حد تجاوزه والذهاب إلى العنف الذي يستدعي عنفاً مضاداً، ويرد كثيرون على ذلك بنبذ الدين او اختراع أديان عابرة لحدود الأديان. إن هذا يهدد صورة الدين ويستدعي مزيداً من الحوار لحفظ الإنسان والإيمان والأوطان، وفي البال وفي الاحتمال ان حروباً خيضت، وحروباً بات توقعها واقعياً، ما يعني ان البشاعات التي ارتكبت في الماضي القريب او البعيد، مرشحة لأن تعود بصورة أبشع وأشد إيلاماً وتحطيماً للأحلام، ومن دون حوار كمقدمة لإعادة بناء العيش المشترك، سوف يبقى الدين موضع تهمة.
هاني فحص
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد