إلى السيد وزيرالثقافة :عدم قبول الآخر لا يلغيه
الجمل ـ ابتسام المغربي: استفزني رد السيد وزير الثقافة المنشور بتاريخ 11/12/2006 في زاوية يفترض أنها زاوية رأي في صحيفة تشرين وليست زاوية للردود المتشنجة إلى هذا الحد.حيث أورد السيد الوزير تحت عنوان (ومن الحب ما قتل) انتقادات لزاوية الدكتورة ناديا خوست المنشورة في الصحيفة ذاتها.
والواقع إن الرد المشروع دائماً على مواد إعلامية وهو حق للطرفين يصبح بلا جدوى حين تدخل الشخصانية في التقييم على حساب موضوع الخلاف المثار ،والمستغرب أن يتهم السيد الوزير الكاتبة بالتسرع وعدم الدقة في حين يورد تقييمها لكتاب المواد الإعلامية ويتهمهم مباشرة بأنهم فاشلون ومبتدئون ويبحثون عن الإثارة، مع أن مهمة الإدارات والمؤسسات الثقافية حين يتم ورود نقد يتعلق بإجراءات تقوم هي بالتأكد من الموضوعية ومن صوابية الاتهامات، وإذا كان هناك تجني فعلى الجهة المتهمة أن تثبت العكس.
وغالباً يقوم المسؤول بتأكيد صحة ما يتخذه من قرارات بكل ثقة، مع أن سلبية غالبية تلك القرارات تتأكد يوماً بعد يوم، بسبب إقصاء الرأي الاختصاصي لصالح رأيه الإداري المتشنج والمنطلق من آراء مسبقة. وهذا ما حصل في قرارات مثل هدم منطقة سوق العتيق حيث تتدافع قوى المضاربة العقارية باتجاه الحصول على قرار من مجلس الآثار يقر بهدم المنطقة.
وسابقاً هناك من حاول تمرير قرار هدم المنطقة تحت شعار: البشر أهم من الحجر، في اجتماع ضم وزراء السياحة والثقافة والإدارة المحلية في محافظة دمشق، أفسح فيه السيد وزير الثقافة المجال للرأي الاختصاصي ولم يعط إشارة بهدم المنطقة وقال: هذا خارج اختصاصي..
فهل أصبح السيد وزير الثقافة الحالي مختصاً بالتنظيم العمراني ليدافع عن هدم المناطق المسجلة، والقرار القاصر في مجلس الآثار الذي يقول بتنظيمها وهل هذا اختصاص الآثار فعلياً؟ ومن ثم يدافع عن إزالة تسجيل أرواد أثرياً ورغم صحة ما يُقال عن نسيج مخالفات متآكل، إلا أن هذا لا يعني أبداً أن الجزيرة لا تحتوي على مبان وقلاع أثرية، ووفت تقصير محافظة طرطوس بحمايتها وترميمها وعدم التعدي على عمرانها وحريتها التراثية، لا يعني أن تتم إزالتها بحجة إزالة المخالفات وبناء أبراج مكانها. فالأجدى أن يتم إعادة تأهيل المناطق الأثرية أو القديمة ، بدل أن تزال لصالح تمدد الاستثمارات الزاحفة الى الجزيرة والمدعومة بأقوال المسؤولين بأن البشر أهم من الحجر .
ألا تستطيع مجالس المحافظات ايجاد معادلة تضمن احترام الأثري وتطوير العمران الحديث وفق طراز منسجم ومتناغم مع حضارة سورية بما تحتضنه من آثار غنية ومتنوعة، ولماذا الدفاع المستميت عن عمران يفتقد لدراسات شاملة تضعه في سياق مشهدي جميل؟
كيف يجمع السيد الوزير برأي واحد بين انتظاره لرأي المجلس الأعلى للآثار، وانتظاره للخطط التنظيمية لجزيرة أرواد رغم تناقضهما بالأهداف، فرأي الوزارة يجب أن يكون نابعاً من مهامها في حماية الآثار لها . ولقد تم سرقة جزء كبير من آثار عمريت بسبب مشاريع سياحية لم تنفذ، وكثر يأخذون الاسم والمكانة الأثرية ليتاجروا بها على حساب التاريخ والهوية والحضارة.
فالتنمية لا تعني التعدي على التاريخ و التراث، وجهل الإدارات بخطورة تواقيعها على قرارات تساهم بانتصار الاستثمار السياحي والعقاري على حساب الإرث الحضاري؟
ووفق المنطق القاصر والجاهل الذي تم في سوق العتيق نتوقع ً تخريباً قادماً في ساروجا وشارع الملك فيصل يطال أهم المواقع الأثرية، لأن الموقف الإداري يتخذ مدفوعاً بشعارات التنمية ومسح معالم التخلف التي تتركها أبنيتنا القديمة كما يقولون؟!
فهل التقصير في الترميم والتوظيف والتخديم في البنية التحتية للمواقع المسجلة أثرياً يعني أن تُزال هذه المناطق وتعلو على أطلالها أبراج التنمية والتطوير التي تفاخرون بوجودها مستقبلاً؟.
وأذكّر السيد الوزير بالبناء الذي تم ترميمه، وبعد أن بات معلماً عمرانياً بارزاً وهو لميتم سيد قريش الذي يقع على عقار، كيف تم شراؤه بطرق ملتوية من بعض المتنفذين الذين ينوون إشادة فندق سياحي عليه بارتفاع /18/ طابقاً ، مقابل قلعة دمشق والمدرسة الشامية التي أكلت الأبنية التنموية غير المرخصة جزءاً من ساحتها المسجلة، ولو دققنا بأسعار هذه الأبنية وكيف يتم إنشاؤها وكيف تتعدى على حرم مدرسة مسجلة، لعرفنا أن تجارة العقارات هي التي تنتصر دائماً على ثقافة الآثار والحفاظ على الهوية ، بفعل سلطة المال. ولو سألنا أي جاهل عن سعر المتر في مركز العاصمة التجاري والعمراني لعلمنا أن ثمن أرض مساحتها /4500/م يصل إلى المليارات، وهي كافية لإغراءات تتخفى وراء التنمية والتطوير المزعوم، ،وبدل أن تتم المحاسبة على التقصير ومنع المخالفات تزال مناطق وتبقى أخرى مثل الإبقاء على حمام القرماني فيما يزال غيره رغم أنه من النسيج العمراني ذاته.
ونذكر أن المنطقة مذكورة بكتب التاريخ وكانت من أهم معالم دمشق المعمارية والأثرية، فإذا تسببت الإدارات الجاهلة بخراب الموقع ، فهذا لا يشفع للثقافة بأن يأتي رأيها ليدافع عن الاستثمار العقاري؟..
والواقع أن الوزارات المعنية بحماية التراث والهوية العمرانية، تساهم أيضا بتخريبها، فلماذا يتم تسجيل مبنى غير أثري في حمص ،فيما بدمشق تزال مواقع ومنازل تحمل ليس فقط معماراً متميزاً بل لها خصوصية تاريخية وحضارية.
قلعة الحصن التي تم تسجيلها مؤخراً في لائحة التراث العالمي وكما خصت سورية بتسجيل موقعين في آخر جلسة معنية بهذا الجانب في مبنى كل دول العالم، وكاد هذا التسجيل أن يضيع بسبب الاستثمار السياحي الذي كان يخطط لمشروع (تلفريك) في تلك المواقع، وأيضاً بسبب إزالة جزء من المكان لفتح طريق هناك، ولو لم تتعهد المحافظة بمنع ذلك، وإلغاء هذين المشروعين لما تم التسجيل، فلماذا تضيعون على سورية تسجيل أكبر عدد ممكن من الأماكن الأثرية على لائحة التراث بالعالمي؟
لو أننا رعينا أرواد وعمريت، والمدن المنسية وبصرى وغيرها من الأماكن الكثيرة، وإحاطتها بعمران منسجم معها لما وصلنا إلى المرحلة التي تكون اليد العليا فيها للتجار والمستثمرين ، الذين لا يقيمون اعتباراً للمسؤولين عن الآثار كونهم الحلقة الأضعف دائماً .
وهنا نذكر بمشروع (انترادوس) الذي تحفظت عليه مديرية آثار طرطوس، وجميع من وقعوا على إقامته هم من خارج السلطات الأثرية الإدارة المحلية، وتمت مكافأة مدير الآثار الذي تحفظ بتنحيته عن العمل ؟ علماً أن المشروع يأكل طرطوس القديمة وميناءها الروماني.. وريثما يتم تدارك أخطاء الموافقات تكون الخسارة قد وقعت .
المسؤول يذهب وتبقى آثار تواقيعه المصونة.
الجمل
إضافة تعليق جديد