استقراء الإشارات الإسرائيلية الجديدة حول سوريا
الجمل: برغم مبدئية وثبات وحزم الموقف السوري المؤيد للسلام العادل، فإنه على الجانب الإسرائيلي ما تزال المواقف المتقلبة تحمل الكثير من الصور والمشاهد المتعاكسة، وتقول المعلومات الواردة من إسرائيل بأن الوزير الإسرائيلي عافي ديختر، وزير الأمن العام الإسرائيلي، قد صرح قائلاً: "سوريا مستعدة للسلام، فهل نحن مستعدون؟".
* مضمون التصريح الإسرائيلي الجديد:
نشرت صحيفة أورشليم بوست الإسرائيلية، تقريراً حمل عنوان "ديختر: سوريا مستعدة للسلام، فهل نحن مستعدون؟"، وقد أعد التقرير الصحفي الإسرائيلي مارك فايس، وركز فيه على النقاط الآتية:
• إن سوريا مستعدة من الناحية الذهنية من أجل الدخول في عملية السلام، ولكن من غير المؤكد أن إسرائيل والولايات المتحدة مستعدتان للقيام بذلك.
• تصريح مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، والذي أشار فيه إلى الانطباع السائد بأن دمشق سوف ترد بشكل إيجابي على دعوة الولايات المتحدة لحضور مؤتمر سلام أنابوليس.
• تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، الذي قال فيه بإمكانية حدوث اختراق في جهود السلام، قبل أن يغادر الرئيس الأمريكي جورج بوش البيت الأبيض في كانون الثاني 2009م.
• التشديد على أهمية نجاح مؤتمر سلام أنابوليس، وعلى اهتمام أولمرت بضرورة أن تعمل إسرائيل على تنفيذ التزاماتها المتعلقة بخارطة الطريق.
* القراءة في ما وراء الإشارات الإسرائيلية الجديدة:
خلال اليومين الماضيين كانت الإشارات القادمة من إسرائيل تقول بأن القوات الإسرائيلية تقوم بواحدة من أكبر المناورات العسكرية في منطقة الجولان المحتل، وذلك على النحو الذي رفع مؤشر التوتر وخفض مؤشر التهدئة، واليوم انقلبت الإشارة، بحيث انخفض مؤشر التوتر وارتفع مؤشر التهدئة.
قد يقول البعض بأن الـ"تيرموميتر" السياسي الإسرائيلي يعاني من الخلل، إما بسبب غياب الإدراك، أو بسبب الرغبة في المناورة على مختلف الخطوط. ولكننا نرى، أن الأمر، لا يكمن لا في هذا ولا في ذاك، وإنما في الإشارات الصادرة من دمشق، والتي كان آخرها عدم قيام مؤتمر الفصائل الفلسطينية، الذي كان مقرراً في الرابع من الشهر الحالي وهي إشارة يفيد مضمونها بأن مؤتمر أنابوليس بشكله الحالي وترتيباته الحالية غير مؤهل نظرياً وعملياً لإقناع أي طرف شرق أوسطي بجديته وفعاليته في التوصل إلى أفق الحل السلمي المطلوب، هذا وبرغم عدم انعقاد المؤتمر فقد وصل مضمون الإشارة إلى الإسرائيليين والأمريكيين وتتمثل في الآتي:
* من غير الممكن تجاوز سوريا.
* إن السلطة الفلسطينية الحالية لن تستطيع التوقيع على أي صفقة سلام وفقاً للشروط الإسرائيلية – الأمريكية، طالما أن أغلبية الفلسطينيين سوف يرفضونها.
* القيادة السورية والإمساك بزمام المبادرة والسيطرة:
الثبات المبدئي في الموقف السوري القائم على أساس اعتبارات السلام العادل، قد انعكس بوضوح في الأداء السلوكي للدبلوماسية السورية، والتي كانت تؤكد على السلام ورفض الحرب، ولكن من موقع الثقة بالقدرة على الدفاع عن النفس إن اختارت الأطراف الأخرى مسار المغامرات التي لا تجدي نفعاً، وحتى الآن يمكن تلخيص مواقف الأطراف الأخرى على النحو الآتي:
• الموقف الأمريكي: تميز بالعداء الشديد غير المبرر، والرغبة في ابتزاز سوريا لتوظيفها في خدمة المشروع الأمريكي إزاء الملفات الشرق أوسطية الأخرى، كملف الأزمة العراقية وملف الأزمة اللبنانية.
• الموقف الأوروبي: تميز بالتواطؤ الشديد مع الموقف الأمريكي..
• الموقف الإسرائيلي: تميز بالتقلبات وعدم الوضوح المبدئي والمناورة بحيث:
* عندما ترتفع الأصوات الإسرائيلية المتطرفة، ترتفع بالمقابل حدة وعدائية اللهجة الإسرائيلية العدوانية، وعندما تنخفض الأصوات الإسرائيلية المتطرفة تنخفض حدة وعدائية اللهجة الإسرائيلية العدوانية.
* عندما ترتفع الأصوات الأمريكية المتطرفة، ترتفع بالمقابل حدة وعدائية اللهجة الإسرائيلية المتطرفة، وعندما تنخفض هذه الأصوات تنخفض بالمقابل حدة وعدائية اللهجة الإسرائيلية...
* الإدراك الإسرائيلي وإشكالية التقاط الإشارة:
يعاني الإدراك السياسي الإسرائيلي من حالة عدم الاستقرار، أو بالأحرى، التمادي في التعامل مع "المدخلات التكتيكية" على حساب "المدخلات الإستراتيجية"، بكلمات أخرى، فإن زورق السياسة الإسرائيلية يسير مبحراً بحسب تقلبات الأهواء، وأمزجة الزعماء الإسرائيليين المتنافرة والمتقلبة.. وتؤكد المعلومات، بأن مصدر هذه التقلبات يرتبط بطبيعة بيئة صنع واتخاذ القرار في إسرائيل، والتي تتميز بقدر كبير من المدخلات التي تؤثر بشكل متعاكس على دوائر صنع واتخاذ القرار، ومن أبرز هذه المدخلات:
• الرأي العام الإسرائيلي.
• اللوبي الإسرائيلي.
• حاخامات المؤسسة الدينية اليهودية.
• المؤسسة العسكرية.
• جماعات المصالح.
• المؤسسة الأمنية.
* حيرة الإسرائيليين إزاء خيارات السلام والحرب:
تعاني الحكومة الإسرائيلية من الالتباس والخلط بين المعلومات والاستخبارات، وكما أشار وزير الأمن العام الإسرائيلي، فإن البلد الذي يريد استخدام إرادته العسكرية، يكون بالضرورة محتاجاً إلى المعلومات، أما البلد الذي يريد استخدام إرادته السياسية فإنه بالضرورة يحتاج إلى الاستخبارات.
وتأسيساً على ذلك، أشار وزير الأمن الإسرائيلي إلى الآتي:
• لدى إسرائيل معلومات تشير إلى أن سوريا مستعدة للدخول في عملية سلام مع إسرائيل.
• إن العديد من الإسرائيليين يخلطون بين المعلومات والاستخبارات.
عموماً، برغم محاولات إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد والمتطرفين الإسرائيليين، وقوى 14 آذار اللبنانية، عزل سوريا عن جهود السلام المتعلقة بحل الصراع في الشرق الأوسط، فإن الأمر الواقع أبى إلا أن يفرض نفسه على الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، وأبرز معطيات هذا الأمر الواقع تتمثل في الآتي:
• إن سوريا طرف أساسي ورئيسي في صراع الشرق الأوسط، وبالتالي فإن تجاهل سوريا أو عزلها عن حل الصراع هو أمر لا يمكن السيطرة عليه لا بواسطة أمريكا ولا بواسطة إسرائيل، طالما أنهما لن يستطيعا تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا في منطقة الشرق الأوسط.
• إن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لا يمكن حله بمعزل عن سوريا، طالما أن اللاجئين الفلسطينيين موجودون على الأرض السورية.
• إن تطبيع العلاقات العربية – الإسرائيلية، أو بالأحرى، دمج إسرائيل في البيئة الجيوسياسية العربية، لا يمكن أن يمر دون قبول وموافقة سوريا، وقد جرب الإسرائيليون تطبيع علاقاتهم مع مصر والأردن وحركة فتح، التي كانت تمثل الفصيل الفلسطيني الرئيسي على مدى العشرين عاماً التي سبقت فوز حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية، وبرغم الجهود الأمريكية والأوروبية، وجهود النظامين المصري والأردني، وقيادة حركة فتح، فقد كان الناتج النهائي مخيباً لآمال الإسرائيليين والأمريكيين...
عموماً، لقد جاء تساؤل وزير الأمن العام الإسرائيلي في الوقت الصحيح، والإجابة عن هذا التساؤل، هي إجابة واحدة لا تحتمل التسويق أو المناورة: أن يتم إدراج ملف الجولان ضمن أجندة مؤتمر سلام أنابوليس، وتتم دعوة دمشق للمشاركة فيه.. أو أن تقوم إسرائيل بالإعلان عن موافقتها الرسمية على إجراء مفاوضات سلام مع سوريا..
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد