الآثار والمتاحف: الإرهابيون حولوا بعض الأماكن الأثرية إلى مواقع للتدريب على الأسلحة
تضررت مواقع أثرية ومعالم تاريخية كثيرة في سورية جراء الأعمال التخريبية التي ترتكبها المجموعات الإرهابية المسلحة كما خربت أعمال التنقيب والحفر غير الشرعية مواقع أخرى وتأثرت الكتل المعمارية لبعض المتاحف بسبب التفجيرات الإرهابية وطالت السرقات البعض منها.
وقال مأمون عبد الكريم مدير عام الآثار والمتاحف في حوار خاص مع سانا حول واقع الآثار السورية خلال السنوات الثلاث الماضية إنه في الأشهر الأخيرة " شهدت الآثار انتكاسة جديدة تمثلت في تحويل المجموعات الإرهابية المسلحة مواقع فريدة بعظمتها إلى أماكن للتدريب على الأسلحة واستهدف بعضها من قبل هذه المجموعات كما جرى في قلعة سمعان والتماثيل المنحوتة على واجهات سفوح الوادي في قرية القاطورة منطقة جبل بركات ما ترك أثراً تدميرياً على بنى أثرية استثنائية بقيت صامدة في هذا الموقع لأكثر من ألفي عام".
وأضاف عبد الكريم .."لقد شوه المشهد الأثري الذي كان عاملاً أساسياً وراء إدراج المحمية في هذه المنطقة على لائحة التراث العالمي عام 2011م اضافة الى أعمال تخريبية أثرت على التراث الثقافي السوري وأدت بكل أسف إلى أضرار لا يمكن محو آثارها على تاريخ الشعب السوري وهويته الثقافية وذاكرته المشتركة".
وعن وضع المتاحف السورية أوضح مدير عام الآثار والمتاحف أن وضع أغلب المتاحف السورية جيد عموماً فرغم الأضرار التي طالت الكتل المعمارية لمتاحف حلب وحماة ومعرة النعمان وحمص وتدمر ودير الزور نجحت وزارة الثقافة "المديرية العامة للآثار والمتاحف" في تأمين مقتنياتها إلا في "حالات نادرة".
وبين عبد الكريم أن المتاحف السورية شهدت مع بداية الأزمة سرقة قطعتين أثريتين هما تمثال برونزي مطلي بالذهب يعود للفترة الآرامية من متحف حماة، وقطعة حجرية رخامية من متحف أفاميا وبسبب غياب المؤسسات الحكومية والثقافية المعنية في الرقة قام الإرهابيون بسرقة تسعة صناديق تحوي قطعاً أثرية تعود ملكيتها للمتحف الوطني إضافة إلى سرقة قطع تراثية من متحف دير عطية ومتحف التقاليد الشعبية في حلب ودمى وتماثيل صغيرة فخارية وطينية من متحف معرة النعمان أثناء اعتداء مجموعة إرهابية عليه منذ سنة تقريباً، وباستثناء ما ذكر قبلاً فإن جميع مقتنيات المتاحف السورية بأمان وهو ما يعد نجاحاً كبيراً في ظل هذه الظروف.
أما وضع المواقع والمباني الأثرية وفق عبد الكريم فقد بلغ عدد المواقع الأثرية المتضررة في سورية حتى بداية آذار الحالي نحو 420 موقعاً ومبنى أثرياً، في حصر أولي يستند إلى كل ما أتيح للمديرية من صور ومعلومات توفرها دوائر الآثار في المحافظات أو يرسلها أبناء المجتمع المحلي في المناطق المتضررة إضافة إلى ما ينشر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
ويضيف عبد الكريم أن شدة الأضرار وطبيعتها تتفاوت من موقع إلى آخر، ويتركز أكثرها شدة وعدداً في محافظات حلب وحمص وإدلب ودير الزور إذ تضرر 192 موقعاً في محافظة حلب، و56 موقعاً في محافظة حمص، و48 موقعاً في محافظة إدلب والمعرة، وفيها أضرار توزعت بين تخريب تسببت به الاعتداءات الإرهابية وأعمال الحفر غير المشروعة وأضرار متفاوتة في المباني الأثرية بسبب هذه الاعتداءات.
ولفت إلى أن أكثر الأضرار المؤسفة والتي تعد خسارة حقيقية للتراث الثقافي السوري احتراق مئات المحال الأثرية في أسواق حلب القديمة وتدمير مئذنتي الجامع الأموي في حلب والجامع العمري في درعا إضافة إلى تضرر قلعتي الحصن والمضيق وكنيسة أم الزنار وكنائس أخرى في حمص كما تأذى الكثير من المباني القديمة في حمص وحلب ودرعا وأصابت أضرار سطحية نقاطاً محددة من الجدار الداخلي لواجهة معبد بل الغربية في تدمر.
لكن الخطر الأكبر وفق مدير عام الآثار والمتاحف يبقى متمثلاً في التنقيب غير المشروع الذي تصاعدت حدته في بعض المناطق إذ تشهد مواقع أثرية حالياً أعنف وأخطر هجمة بسبب حفريات ممنهجة تحدث في وضح النهار وتقوم بها عصابات آثار مسلحة بمشاركة مئات الإرهابيين من داخل سورية والدول الأخرى ومن أكثر المواقع التي عانت انتهاكاً "ماري ودورا أوروبوس وتل السن في دير الزور" و"تل البيعة" في الرقة و"إيبلا" و"أفاميا" وتل الأشعري والمواقع الأثرية على امتداد وادي اليرموك في درعا وتل قرامل في ريف حلب اضافة الى المواقع الأثرية ضمن المدن المنسية في إدلب المدرجة على لائحة التراث العالمي وتحديداً موقع "كفر عقاب".
وقد أدت هذه الانتهاكات إلى تدمير بعض هذه المواقع بنسبة عالية جداً والتي تعد مواقع مهمة ومفصلية في تاريخ سورية ما ينذر بخسارة قد تكون أبدية لبعض مكونات التراث الأثري السوري.
أما الإجراءات المتبعة فقد تم مع بداية الأزمة إفراغ جميع المتاحف السورية من محتوياتها، ونقلت إلى أماكن آمنة، ما أسهم في حمايتها، وفي نفس الوقت بدأت المديرية العامة للآثار والمتاحف سلسلة من الخطوات لإشراك جميع السوريين في الدفاع عن تراثهم الأثري فأطلقت حملة وطنية لتوعية الناس بدورهم في حمايته.
وانطلاقاً من هذه الرؤية دعت المديرية العامة للآثار والمتاحف إلى الابتعاد عن المواقع الأثرية واحترام حرمتها لإبقائها خارج دائرة الخطر قدر المستطاع وبفضل ذلك حميت وحدة المؤسسة الأثرية التي يبذل موظفوها وكوادرها يومياً وفي جميع المحافظات جهوداً جبارة ويتعاونون مع المجتمع المحلي ووسطاء ونخب مجتمعية ودينية وفكرية لحماية مئات المواقع الأثرية من تداعيات الأزمة الراهنة.
اما على صعيد التوثيق فعملت المديرية العامة للآثار والمتاحف على توثيق مقتنيات جميع المتاحف السورية الكترونياً، كما أرشف فريق مختص معلومات عن وضع المواقع قبل الأزمة ووضعها الراهن والأضرار التي طالتها حيث أنجز فريق الخبراء خريطة رقمية للتراث الثقافي المتضرر في سورية بالاعتماد على نظام المعلومات الجغرافي، ما سيمكن المختصين من تحديد أولويات التدخل لعمليات الصيانة والترميم في مرحلة ما بعد الأزمة، وفق خطط عمل مطابقة للمعايير الدولية.
وأشار مدير عام الآثار والمتاحف إلى أن "إرادة الحماية والدفاع عن التراث الثقافي السوري لدى كوادر المديرية العامة للآثار والمتاحف وأبناء المجتمع المحلي استطاعت تخفيف الأضرار وهذا التضامن المجتمعي مع المؤسسة الأثرية كان عاملاً فعالاً في كثير من المناطق خاصة تلك التي فقدت المؤسسة الأثرية وجودها فيها كمؤسسة قوية بسبب الأحداث، لأن الضامن الوحيد في مثل هذه الحالات هو المجتمع الذي بقدر ما يكون إيجابياً ومؤمناً بحماية تراثه، يتم إنقاذ العدد الأكبر من مواقع ومفردات التراث الثقافي.. ومن المهم أن يعي المجتمع أنه المالك الأول والأخير لهذا التراث، ومطلوب منه حمايته بغض النظر عن أي موقف أو ظرف.
واستعادت المديرية العامة للآثار والمتاحف ما يزيد على 4 آلاف قطعة أثرية خلال العام الماضي عبر مصادرات شاركت فيها الجهات المعنية في دمشق وطرطوس وتدمر وحمص وحماة ودير الزور.. كما استعادت الجهات المعنية كنزاً من 1600 مسكوكة برونزية موشاة بالفضة مكتشفة في منطقة جبل الشاعر بين تدمر وحمص، إضافة إلى عشرات القطع الأثرية التي كانت في طريقها للتهريب منذ حزيران 2013م.
وعن الإجراءات التي اتخذتها المديرية العامة للآثار والمتاحف على صعيد التعاون مع المنظمات الدولية بين عبد الكريم أن المديرية وجهت نداءً إلى المنظمات الدولية، وأعضاء ورؤساء البعثات الأثرية الأجنبية وعلماء الآثار ومثقفي العالم للتحرك فوراً والبحث عن آليات فعالة تضمن "الضغط على الجهات المتورطة في تدمير آثار سورية ونهبها وتهريبها، لوقف هذا النزيف المحزن، عبر جهود دولية تدعم الجهود المحلية لمنع انجراف واقع الآثار إلى المجهول".
كما تتواصل المديرية مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم /اليونيسكو/ وتعلمها بالأضرار التي تعرضت لها المواقع الأثرية السورية وطالبتها مراراً بالضغط على دول الجوار لضبط حدودها ومنع الاتجار غير المشروع بالتراث الأثري السوري إضافة إلى تواصلها بشكل مباشر مع الانتربول الدولي وتبلغه عما فقد أو عثر عليه في دول مجاورة أو عن كل ما انتشر من صور يعتقد أنها للقى أثرية سورية وقد أثمر التعاون مع الانتربول في مجال مكافحة الاتجار بالآثار السورية عن مصادرة 18 لوحة فسيفساء سورية على الحدود اللبنانية ومصادرة 73 قطعة أثرية سورية مهربة إلى لبنان كانت معروضة للبيع لدى تجار آثار.
وأن الهدف من التعاون مع تلك المنظمات وفق عبد الكريم هو تبادل الرؤى والمعلومات مضيفا ان المديرية على تواصل مستمر مع منظمة اليونيسكو ومع الانتربول وغيرها من المنظمات الدولية وقد أنجزت بالتعاون مع منظمة الإيكوم اللائحة الحمراء بالممتلكات الثقافية السورية المهددة بالخطر أدرج فيها 33 قطعة أثرية تعود لمواقع وفترات تاريخية مختلفة في سورية وتلقي الضوء على نماذج من التراث الثقافي السوري، بحيث تسهل عمل رجال الشرطة ومسؤولي الجمارك وسائر المعنيين بحماية الممتلكات الثقافية على الصعيد العالمي لأنها تساعد في التعرف على الهوية السورية للآثار وتحديد فئات الممتلكات السورية المعرضة بدرجة كبيرة لخطر عمليات الشراء والاتجار غير المشروعة.
وقال عبد الكريم إن التعاون خلال الفترة الماضية أصبح أكثر فاعلية إذ ظهرت إرادة من اليونيسكو وغيرها من المنظمات للتعامل مع المؤسسة الأثرية بوصفها الجهة الوحيدة التي تمثل التراث الثقافي السوري والمسؤولة عن حمايته أمام كل السوريين، وتناقش حالياً وزارة الثقافة /المديرية العامة للآثار والمتاحف/ مع مسؤولي مكتب اليونيسكو الإقليمي في بيروت خطة عمل مشروع تعاون مشترك لحماية التراث الثقافي السوري وإعادة تأهيله، عبر وضع خطط قريبة ومتوسطة وطويلة الأجل.
ويهدف المشروع إلى توثيق الأضرار التي أصابت التراث الثقافي، ورفع الوعي محلياً ودولياً بشأن نهب الآثار وتدهور وضعها، وتنسيق المبادرات الدولية والوطنية لحماية واستعادة التراث الثقافي عبر محاربة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية السورية والعمل على استرداد القطع الأثرية السورية المنهوبة المهربة، إضافة إلى تنظيم دورات لتعزيز القدرات في مجالات الحماية والتوثيق والترميم ووضع خطط مستقبلية للترميم وإعادة التأهيل في مرحلة ما بعد انتهاء الأزمة.
وأشار مدير عام الآثار والمتاحف الى دور جميع العاملين في الوزارة والمديرية العامة للآثار والمتاحف لما يبذلونه من جهود كبيرة في سبيل حماية التراث الأثري السوري ومحاولات الحد من الأضرار التي تهدده.
خيرالله علي-شذى حمود
سانا
إضافة تعليق جديد